قوارب انتخابية تتسابق… وأمواجها تغرق الشعب المحبط

هيام طوق
هيام طوق

على بعد أقل من عشرين يوماً من إطلاق صافرة الانتخابات النيابية، يبدو أن صافرات الانذار الأمنية والمعيشية والاجتماعية تدوي في كل المناطق من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، لتنذر بأن القدرة على التحمل وصلت الى الخط الأحمر، وأن الناس التي تعاني من الجوع والعطش والمرض والغلاء الفاحش وأبسط مقومات الحياة ستصعد في أول “قارب” للهروب من نار جهنم، والارتماء في أحضان المصير المجهول، فبحسب ما نسمعه على لسان الكثير من الشبان “الموت مرة أفضل من الموت ألف مرة يومياً”.

حالة الاحباط والضغط النفسي والتوتر، فاضت من كوب التحمّل والصبر، وفاقت القدرة على الاستيعاب، وتتجلى كل يوم بأحداث متنقلة ومتنوعة فيستفيق اللبنانيون وينامون على أخبار السرقات والنشل وأعمال العنف والمشكلات العائلية وحوادث القتل وإطلاق النار، وكأن البلد على فوهة بركان يكاد أن ينفجر، والشعب في حالة غليان لا يجد من يطفئ نار حروقه أو يطيّب خاطره بخطوة انقاذية، لا بل على العكس فيما ينطلق المسؤولون بقواربهم الانتخابية الفخمة نحو الاستحقاق الانتخابي، محمّلين بماكينات حسابية للحواصل والكسور، يتخبط الفقراء في أمواج عذاباتهم العاتية، وهم رهائن حيتان الشر الذين لا يدركون أن غضب هؤلاء سيضع الانتخابات ومستقبلهم السياسي في مهب الرياح التي لا يدركون من أين يمكن أن تهب في “ساعة سماعة”.

في اليومين الأخيرين، برز أكثر من حادث اذ فيما كان الجنوب يشهد تساقط قذائف اسرائيلية على محيط بلدات القليلة والناقورة وطير حرفا، واشتعال حرائق في عدد من الأحراج، ودوي صافرات الانذار في مراكز “اليونيفيل”، رداً على إطلاق قذيفة صاروخيّة من لبنان، كانت طرابلس على موعد مع كارثة انسانية جديدة بحيث ابتلع البحر أطفالاً وأمهات وشباباً في ربيع العمر. وحين كان الأهل والأقارب يودعون بحسرة ووجع أحباءهم الذين لم يقترفوا ذنباً سوى أنهم أرادوا الحياة، كانت السلطةُ الرسمية تعلن الحِداد، وتطالب بكشف ملابسات الحادث، وكأن الحداد اذا لم يُعلن فهو غير موجود ولا يرافق الناس في يومياتها وساعاتها ودقائقها، والمطالبة بالحقيقة ليست سوى لذر الرماد في العيون والاستخفاق بعقول الناس. وهنا السؤال: ألم يعرف المسؤولون بعد وكل من هم في السلطة ما هي الحقيقة؟ ألم يستدركوا أن اللبنانيين يفضّلون الموت غرقاً في البحر على العيش لحظة واحدة في ظل سلطتهم وكيديتهم وفسادهم؟ ألم يسمعوا الناجين من الغرق والذين رأوا الموت بأعينهم وهم يؤكدون أنهم لن يستسلموا وسيحاولون مراراً وتكراراً الهرب مهما كلفهم الأمر؟ الحقيقة واحدة واضحة وضوح الشمس: أنتم علة العلل ومن أغرقتم البلاد والعباد في قعر البحر، من دون أن ترموا له حتى سترة نجاة واحدة.

التحليلات والاتهامات كثيرة، لكن بغض النظر عن الدخول في متاهات التحقيقات والأسباب التي أدت الى هذه الفاجعة، وهي ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة، هناك من يقول إن المخططات تجري على قدم وساق لاغراق طرابلس في أحداث أمنية على خلفية ما جرى أو ربما ما يشبهه خصوصاً وأن هذه المدينة “جسمها لبيس”، وما الاتهامات للجيش بإغراق القارب التي انتشرت كالنار في الهشيم سوى خطوة في هذا الاتجاه، وتكون “الضربة ضربة معلم” بحيث تنجح في توتير الوضع ما يهدد بتطيير الانتخابات، كما يتم استغلالها للتصويب على المؤسسة العسكرية وقائدها لأهداف معروفة لاسيما وأن العماد جوزف عون يقوم بالعديد من المحاولات لتحسين العلاقة مع مدينة العلم والعلماء وأهلها، واتخذ بعض التدابير التي تعبّر عن حسن نية تجاهها. في حين يعتبر البعض أن ما يُشاع فيه الكثير من المبالغة، وأن ما حصل في طرابلس في الساعات الماضية خصوصاً المواجهة بين الأهالي والجيش اثر غرق مركب المهاجرين ليس سوى “فشة خلق” وسرعان ما ستهدأ الامور، وتعود الحياة الى طبيعتها شيئاً فشيئاً.

وفي ظل كل ما يجري، وفي وقت يؤكد الجميع أن الانتخابات قائمة، وأن لا شيء سيحرفها عن مسارها الا حدث أمني كبير يمكن أن يؤجلها لا أن يلغيها، لا بد من التساؤل: هل الأحداث المتنقلة والتي تتخذ أشكالاً متنوعة صدفة أو أنها تهدف الى حفر ثقوب في مركب الانتخابات لاغراقه؟ وهل صحيح أن تطيير الانتخابات سيكون من “البوابة السنية” المشتتة أو من البوابة الجنوبية الحدودية؟ وما الهدف الحقيقي وراء استهداف الجيش والتصويب على قائده؟ وهل هذه الأحداث “بروفا” مصغرة لتحريك الشارع قبل عشرين يوماً من الانتخابات على خلفية معيشية وحياتية خصوصاً وأن بعض الخبراء يقول ان الارتطام الكبير حاصل وربما لا يمكن للبلد الصمود الى ما بعد الانتخابات؟

قاطيشا: لا أحد يجرؤ على التصعيد لتطيير الانتخابات

أشار النائب وهبي قاطيشا الى أن “الأحداث لم تتوقف في لبنان منذ 50 عاماً، ويمكن وضع غرق المركب في خانة الصدفة، وما حصل في طرابلس اثر الفاجعة ليس سوى ردة فعل عاطفية قبل أن يعرف من كان في القارب حقيقة ما حصل خصوصاً أن الجيش لا يتعدى على أحد، وهو ينقذ الناس ولا يغرقها. أما الصواريخ التي انطلقت من الجنوب الى الأراضي المحتلة، فهي خطوة مدروسة، وربما تكون رسالة موجهة في اتجاه ما لكن هذا هو سقفها ولن تتطور الى ما هو أكبر. اذاً، الحدثان في اليومين الأخيرين صدفة ولا يمكن أن يؤديا الى تطيير الانتخابات أو عرقلتها”.

وقال: “لو كانت هذه الحوادث بروفا لحوادث أكبر قد تُفتعل لتطيير الانتخابات لكانت حصلت سابقاً لأننا على بعد أيام من الاستحقاق، ويبقى التخوف لدى الجميع من حدث أمني كبير لكن لا يبدو أن أحداً يجرؤ على مثل هذه الخطوة لأن الانتخابات مطلب دولي واقليمي وشعبي، وأعتقد أن الانتخابات ستجري في موعدها”.

وشدد على أنه “لا يمكن تطيير الانتخابات من البوابة الشمالية التي لن تشهد على عمل أمني كبير انما ربما حوادث متنقلة مضبوطة لا تؤثر على الرغم من محاولة البعض استخدامها في مصالح معينة. أما في البوابة الجنوبية، في حال حصل تطور وخرجت الأمور عن السيطرة فيمكن أن تؤدي الى تطيير الانتخابات، لكن حزب الله ليست لديه مصلحة في ذلك أو بمزيد من التصعيد. وبالتالي، الامور مضبوطة والانتخابات قائمة”.

عبد القادر: استغلال بعض الأطراف لحوادث طرابلس

رأى العميد نزار عبد القادر أن “لا علاقة بين ما حصل في الجنوب وما حصل في الشمال. ما جرى في الجنوب يعكس حالة التوتر في القدس اذ أن بعض الفصائل الفلسطينية يقوم بإطلاق صواريخ للتعكير على الأمن الاسرائيلي من البوابة اللبنانية. هو حادث عرضي وإرسال رسالة باتجاه المقاومين الفلسطينيين لإعطائهم دفعاً معنوياً، ولم يكن لهذه الصواريخ أي تداعيات سابقاً، وقامت اسرائيل بالرد. أما ما حصل في الشمال، فهو قضية اجتماعية معيشية تطورت بسبب النتائج الدرامية لغرق المركب. هل يمكن استغلالها من بعض الأطراف؟. الرصاص المتفلت يؤكد أن بعض الفئات يمكن أن يستغل هذا الموضوع، واذا تطور هذا الاستغلال بشكل أصبح خللاً أمنياً يمكن أن نفتش حينها عن أسباب دفينة قد نربطها بسعي بعض الجهات الى الافادة من حالة طارئة وتطويرها من أجل تأجيل الانتخابات أو الغائها”.

وقال: “استهداف الجيش يرمي الى استهداف قائده، ومن يقوم بذلك هي الجهات غير الراضية على أن يكون قائد الجيش سالماً في سمعته وفي معنوياته كمرشح لرئاسة الجمهورية بحيث أن الظروف ربما ترشحه كأفضل خيار يكون للبنان”.

شارك المقال