مؤتمر تأسيسي برعاية دولية… بروباغندا لتغيير الصيغة؟

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف اثنان على أن لبنان لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال في الانحدار السريع والمستمر منذ سنوات نحو الهاوية، حتى بات الخوف كبيراً على وجوده ومستقبله وكيانه وهويته، كما أن الناس وصلوا إلى النفس الأخير من تحمل الغلاء والفقر وتراجع مستوى معيشتهم الى أدنى مستوياتها بسبب السياسات الخاطئة والتمسك بهاجس المحاصصة والكيدية والارتهان للخارج وللمصالح الاقليمية والدولية، ما انعكس احباطاً ويأساً في النفوس خصوصاً لدى الشباب الذين يرمون أنفسهم في أي زورق هرباً من الطبقة السياسية وحيتان الشر الذين أغرقوهم في قعر بحر من الأزمات.

وما بات واضحاً أن من أوصلوا البلد إلى هذه الحال لا يريدون أو ليست لديهم النية لانتشاله وسحبه إلى بر الأمان ما دفع العديد من الأطراف السياسية والدينية إلى المطالبة بعقد مؤتمر دولي لانقاذ لبنان، إلا أن هناك غرفاً سوداء تعمل على تحريف أهداف المؤتمر، وعلى إشاعة معلومات أنه بات وشيكاً، وسينعقد بعد الانتخابات النيابية، وأن حصول “الممانعة” على الأكثرية في المجلس النيابي يجعلها تفرض شروطها في المؤتمر، وهذا ما يتمّ تداوله في الصالونات السياسية والديبلوماسية حالياً، لكن أخطر ما في الأمر إظهار المؤتمر الدولي وكأنه بمثابة مؤتمر تأسيسي مفصل على قياس البعض، قوامه المثالثة، وأنه يأتي تكريساً لهذا العقد بحسب مصدر مطلع لموقع ” لبنان الكبير”.

وأكد المصدر أن المؤتمر الدولي لا يزال مجرد فكرة لم توضع على طاولة البحث الجدي والعملي، وفي حال انعقد فلن يكون كما يرغب البعض لمصلحة فئة على حساب أخرى. وإظهار فرنسا التي ستكون الراعية والحاضنة الرئيسة له وكأنها قررت تسليم لبنان إلى إيران و”حزب الله” غير صحيح حتى أن الأمر وصل بهم الى محاولة زج الفاتيكان في هكذا سيناريو، وهذا غير مقبول وله أهداف معينة غير بريئة. وبالتالي، فإن مسؤولين فرنسيين نفوا هذه الشائعات جملة وتفصيلاً أمام عدد من الاعلاميين والمعنيين بالشأن العام اللبناني، مؤكدين أن ما يتم درسه هو امكان عقد مؤتمر للحوار بين اللبنانيين وليس مؤتمراً تأسيسياً بحسب المصدر الذي أسف لأن النخب اللبنانية والاعلام باتوا ضحية البروباغندا التي يسوقها معنيون يريدون فرض واقع انطلاقاً من موازين قوى مختلة مع العلم أن فرنسا والدول الأوروبية والعربية والمجتمع الدولي ينطلقون من ثوابت لا يمكن الحياد عنها، ومنها حصرية السلاح بيد الدولة، والعيش معاً ضمن التعددية، وهوية لبنان العربية وانتماؤه الى المجتمع الدولي.

وتمنّى المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ في حديث لـ”لبنان الكبير” على “من يقولون إن المؤتمر الدولي سينعقد بعد الانتخابات أن يطلعوا اللبنانيين على المدعوين إلى هذا المؤتمر، وعلى أجندته ومن سيدعو اليه وما هي الأولويات والمواضيع التي ستناقش على الطاولة، وما هي التوصيات وأين سيعقد ومن سيمثل الشعب فيه؟”. وقال: “مخيّلة البعض واسعة، ومن الواضح جداً أن بعض الغرف السوداء التي تتولى توزيع هذه المعلومات معنية مباشرة بتسويق سيناريو لا علاقة له بالواقع يستثمر سياسيّاً بفكرة نبيلة كمؤتمر دولي للقضيّة اللبنانية طرحها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الرّاعي حرصاً منه على إنقاذ لبنان”.

وأشار الى أن “هناك اهتماماً دوليّاً وعربيّاً كبيراً بلبنان، وهذا الاهتمام يترجم بأكثر من مسار منه المسار الفاتيكاني والأوروبي ومسار الأمم المتحدة ودول الخليج الذي تتولاه المملكة العربية السعودية ومسار جامعة الدول العربية. كلّ هذه المسارات تؤكد أن هناك اهتماماً بتثبيت الهوية اللبنانية”.

ورأى أن “هناك طموحاً لدى أفرقاء لبنانيين الى تغيير صيغة النظام اللبناني ومحاولة تسويق أن فرنسا قد ترعى تغييراً لصيغة النظام، إنطلاقاً من التواصل القائم بين الادارة الفرنسية وتحديداً الرئاسة الفرنسية وبعض الأفرقاء اللبنانيين الذين لديهم علاقات خارج الحدود اللبنانية ويرتبطون بأجندة اقليمية لا علاقة لها بالأجندة اللبنانية. الفرنسيون ومن خلال كلامهم في الأسابيع الماضية، يؤكدون أن هذا المعطى غير موجود وغير صحيح، وبالتالي كل حوار مطلوب بين اللبنانيين لتفادي العنف لكن ضمن اطار تطبيق الدستور وليس البحث عن صيغة جديدة، اذ أن المشكلة ليست في النظام بل في الانقلاب على النظام وعلى الشرعية وعلى الدستور”.

ولفت الى أن “البطريرك الراعي طالب بمؤتمر دولي لسببين: لاعلان حياد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية، وهذا موجود في ميثاق الوفاق اللبناني وفي الدستور. وثانياً، لتأمين دعم صمود الشعب أمام ما ترتكبه هذه المنظومة، وذلك، لعودة لبنان الى الشرعية العربية والشرعية الدولية. وهذا يناقض كلياً كل ما يتم تسويقه عن أننا أمام مرحلة لاعادة النظر في صيغة النظام اللبناني اما لناحية الذهاب كما يريد البعض الى المثالثة وهذا ما يضرب كلياً صيغة المناصفة والعيش المشترك، وإما الى تفتيت لبنان والذهاب باتجاه فيدراليات”.

وأسف “لأن النخب اللبنانية والاعلام باتوا ضحية البروباغندا التي يسوقها معنيون بوضع أجندات على الطاولة لا علاقة لها بالحقيقة بل ترتبط بما يريدون وضعه هم في الواقع اللبناني وفرضه انطلاقاً من موازين قوى مختلة”، مؤكداً أن “أي نقاش في الصيغة اللبنانية يتم من داخل المؤسسات الدستورية، ونحن أمام استحقاق دستوري مقبل وبعده انتخابات رئاسية، لكن هذا البلد يتعرض لاغتيال منهجي في هويته ودستوره ونظامه”.

وسأل: “كيف يمكن أن نتكلم عن حوار حول صيغة النظام في وقت هناك فائض قوة ينقلب على الدولة وهناك من يريد تغيير هوية البلد؟”، قائلاً: “إما أن نعود الى حوار بشروط الدولة، وإما كل ما يُسوق الآن عن أن هناك بركة دولية، وحتى فاتيكانية لتغيير صيغة النظام في لبنان هو كلام من قبيل الأوهام الخبيثة، والايديولوجيا التي هي خارج الاختبار اللبناني وخارج سياق التفكير العربي والدولي”.

وشدد الصائغ على أن “العالم العربي والمجتمع الدولي ينطلقان من ثوابت: الثابتة الأولى، الدولة المدنية التي تسودها المواطنة. الثابتة الثانية، حصرية السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الشرعية. الثابتة الثالثة، دولة العيش معاً ضمن التعددية. الثابتة الرابعة، امتداد لبنان الحيوي عربي وهو عضو مؤسس في جامعة الدول العربية. الثابتة الخامسة، لبنان ينتمي الى المجتمع الدولي وهو عضو مؤسس في الأمم المتحدة. ويجمع هاتين الثابتتين الأخيرتين مرجعيّة حياد لبنان عن الصراعات والمحاور كما استبطن ذلك ميثاق 1943، وكل كلام خارج هذه الثوابت لا علاقة له بالواقع بل محاولة تسويق لفائض قوة”.

من جهته، نفى المحلل والكاتب السياسي حسن الدر ما يتم تداوله عن أن الثّنائي الشيعي يسعى من خلال المؤتمر الدولي، في حال عُقد، الى تحويله الى مؤتمر تأسيسي قوامه المثالثة وضرب الصيغة اللبنانية، مشيراً الى أن “الثنائي الشيعي لا يرفض أي دعوة الى الحوار الوطني إن كان داخلياً أو برعاية دولية مع العلم أن هناك حديثاً عن مؤتمر دولي ولكن حتى الساعة لا شيء ملموساً في هذا الاطار”.

وشدد على أن “الثنائي الشيعي يشارك في أي مؤتمر على أساس أنه مكون كباقي المكونات الأخرى وليس انطلاقاً من خلفية استقوائية أو فوقية وفرض الشروط، بل انطلاقاً من ايجاد حل للأزمة اللبنانية التي يعاني منها كامل الشعب اللبناني”.

وأكد أن “موقف الثنائي واضح ولا يطالب بالمثالثة التي رفضها من الأساس. واذا كان هناك من دعوة الى الحوار من دولة صديقة للبنان مثل فرنسا، فبطبيعة الحال يلبي الثنائي هذه الدعوة، تحت سقف اتفاق الطائف، علماً بأنّ البنود التي لم تطبق في الطائف، يطالب الثنائي بتطبيقها مثل إلغاء الطائفية السياسية واعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة وإنشاء مجلس الشيوخ”.

شارك المقال