رحلة البحث عن وطن

الراجح
الراجح

انها قصة حقيقية وليست من وحي الخيال.

هَمَس في أذن صديقه وطبيبه الذي استأصل ساقه اليسرى بعد تلك القذيفة التي مزّقتها، وفي أول لحظة يستعيد وعيه: “اسمع يا حكيم، أريد لساقي قبراً لائقاً وسط جبل الزيتون المطل على المدينة”. ضحك الحكيم وهو يداري دموعاً هطلت كمطر الربيع وقال: “سنفعل وسأكتب على الشاهد شيئاً من مبادئك”. أجابه بسرعة: “ولكنك لست من المعجبين بمبادئي”. أجابه الحكيم: “هذا كان قبل اصابتك، الآن يختلف الوضع”.

وبعدها، عادت السماء تمطر ناراً مبشرة بجولة عنف جديدة قصفت مقر الشباب حيث يوجد صاحب الساق الواحدة، وبدأت سيارات الاسعاف تحاول الدخول الى المنطقة من دون جدوى. آلة التصوير لا زالت تعمل، تسجل أنين صاحبها.

“أريدكم أن تدفنوني هنا في طرابلس، وكما أخبرتكم سابقاً، لست موافقاً على جلب ساقي من مكان دفنها هناك. أريد أن يكون لي قبران في وطني، أريد أن أنتقم من وطن لم يمنحني بيتاً واحداً، فقررت أن آخذ قبرين اثنين”، هذا ما سجلته آلة التصوير قبل أن يوقفها المسعفون!! مثل هذا؛ وهؤلاء هم مَن يهاجرون الى جميع عواصم الدنيا يتشردون جغرافياً عن أهلهم وأحبائهم وأرضهم، وينفصمون تاريخياً، فلا هم أميركان ولا يونان ولا تشيك ولا فرنسيين، ولا يطمحون الى أن يكونوا أحداً من هؤلاء. في أثناء ذلك يتجمّع الحكام اللبنانيون جنباً الى جنب في اجتماعات حوار موسعة، وحيناً آخر في الدعوة الى اجتماع مجلس وزاري “طارئ” بعد أيام على غرق قارب الموت في طرابلس!! أو اجتماع نصفي في بعبدا فيما صار نصف الشعب اللبناني يعيش في الخارج بعيداً عن حدود الوطن أو يموت وهو في الطريق الى الخروج!!.

الصراحة بواقع حالنا وهو ما يسمّيه المواطن اللبناني محاولة “تدويخ” يا أخي دوخوا قليلاً لعلكم تصابون بحالة وعي وتقررون آنذاك إما الاستمرار في حالة الشيزوفرانيا التي أصبحت شبه ملجأ لكم، أو الانتقال الى حالة التمرد الايجابي الذي قد يكون السطر الأول في مسح العار “المبروز” على جبينكم، أو اصدار بيان مشترك هوائياً و”تويترياً” وورقياً تعلنون فيه افلاسكم النهائي سياسياً وحضارياً وتزحفون الى عواصم الغرب (الاستعمارية سابقاً) عارضين كفاءاتكم وخدماتكم، آملين إما نيل شفقة الشعوب الأوروبية والأميركية أو الاسترسال في تحمّل عنصريتها – وعند ذاك – يصبح رمز تحرر اللبنانيين وبسماركهم (بسمارك) الجديد زعيماً أوروبياً من نوع لوبان الفرنسية أو شتراوس الألماني (رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي) أو عمر بونغو الأفريقي.

هل يمكن أن تستمر تقرأ وتسمع على امتداد خمسين عاماً كلاماً من نوع “المرحلة الصعبة” أو “الظروف الراهنة” أو العمل الجدي “لرأب الصدع اللبناني”، وتريد المزيد “المصداقية”، “السيادة”، “انتفاضة الشعب اللبناني”، “مشاورات مكثفة وجهود حثيثة لوقف الحملات الاعلامية قبل أن يحصل ما لا تحمد عقباه”، “اجتماع روحي على مستوى القمة لمعالجة الأزمة” الى آخر معلقات أولها كآخرها وجوهرها كصدف البحار (فارغ).

هذا القليل القليل مما ينتظركم، وآمل أن أكون مخطئاً أو مبالغاً…

شارك المقال