لبنان يتمسك بـ”القشة” الفرنسية

هيام طوق
هيام طوق

لا يخفى على أحد أن لفرنسا دوراً تاريخياً في لبنان التي أسهمت في تأسيسه وصياغة نظامه قبل قرن، كما هناك تشابك علاقات وتواصل ثقافي وتعليمي واقتصادي بحيث كان بلد الأرز منطلقاً لفرنسا في بناء سياسات شرق أوسطية، واستمرت هذه العلاقة المتينة عبر الرؤساء المتعاقبين خصوصاً في عهدي الرئيس فرانسوا ميتران والرئيس جاك شيراك الذي كانت تربطه صداقة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً الى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي انتخب لولاية ثانية، وفي عز حملته الانتخابية تحدث عن لبنان الذي يندرج في أولويات اهتماماته، اذ شدد على “ضرورة عدم الاستسلام للانقسامات الكبرى لأنها تحدث حالة شلل، ولكن في المقابل لا بد من معرفة التشاور مع كل قوة، والاستمرار في بناء تحالفات في الشرق الأوسط، والمضي بالتحرك من أجل اختراع حلول للبنان، هذا البلد الذي نحبه كثيراً”.

ولعل متابعة اللبنانيين بترقب شديد للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022 خير دليل على العلاقة المتينة التي تربط البلدين مع تعويلهم ورهانهم على اعادة انتخاب ماكرون الذي تعاطف معهم اثر انفجار المرفأ، وهذا ما تجلى في أرقام تصويت اللبنانيين الفرنسيين في السفارة الفرنسية في بيروت التي بلغت نسبتهم 79 في المئة لمصلحة ماكرون مع نسبة اقتراع بلغت 41,24 في المئة.

وإذا كان الغريق يتمسك بقشة علّه ينجو من الغرق، فإن البلد وأهله الغارقون في أزماتهم المتتالية، يتمسكون بكل قشة إنقاذ من خلف البحار بعدما فقدوا الأمل بنية مسؤوليهم انتشالهم من القعر. وبالتالي، ينظر اللبنانيون الى الرئيس ماكرون كطوق نجاة خصوصاً أنه يعد بالالتزام برؤية استراتيجية حول مساعدة لبنان على الاستقرار سياسياً واقتصادياً ومالياً الى جانب قدرة باريس على التحاور والتفاوض مع كل الأطراف على المستوى الداخلي والمستويين الاقليمي والخارجي على الرغم من اعتبار البعض أن ماكرون أخفق في مبادرته سابقاً.

وبعد انتخاب الرئيس ماكرون لولاية ثانية، ترى مصادر مطلعة أن هذا الفوز سيعيد تحريك المبادرة التي أطلقها بحيث ستجدد فرنسا مساعيها لمساعدة لبنان على حل أزماته على الرغم من انشغال الدول الأوروبية بالأزمة الأوكرانية. واذا كانت الجهود الفرنسية أثمرت توافقاً مع المملكة العربية السعودية على مساعدة الشعب اللبناني، وهذا تجلّى في إنشاء صندوق مشترك بينهما، إلا أن باريس لن تقف عند هذا الحد بل ستسعى الى حشد أكبر دعم ممكن، مع العلم أن انطلاق الرعاية الفرنسية الفعلية سيكون بعد الانتخابات النيابية المقبلة على المستويات كافة، وليس بعيداً أن ترعى مؤتمراً وطنياً لمحاولة حل الخلافات بين اللبنانيين، ولن تتوقف عن سعيها في هذا الاطار لأن للبنان خصوصية تاريخية بالنسبة اليها من دون إسقاط حسابات المصالح الحيوية من الحسبان.

وهنا لا بد من التساؤل: هل اعادة انتخاب الرئيس الفرنسي ستنعكس فرجاً على لبنان أو أن التعويل على دور “الأم الحنون” حلم يتمنى اللبنانيون تحويله الى حقيقة؟ وفي حال وضع ماكرون الأزمة اللبنانية في سلم أولوياته، كيف ستتجسد هذه الجهود وفي أي اطار؟ وهل يمكنه جمع اللبنانيين على طاولة حوار والتفاهم على مبادئ أساسية وازالة التباينات والخلافات السياسية بعد ما لمسه من عقبات في هذا السياق؟ وهل لديه فعلاً هامش من المناورة الواسع في القضية اللبنانية؟

أشار رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد الى أن “فرنسا كانت ولا تزال الى جانب لبنان بغض النظر عن رئيس جمهوريتها، والرئيس ماكرون يتابع الملف اللبناني ومهتم به إن كان في شقه الانساني أو في شقه السياسي والاجتماعي. ما يهمنا بعد اعادة انتخاب الرئيس الفرنسي أن يهتم أكثر وأكثر بلبنان خصوصاً في الموضوع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي”.

واذ أكد أن “فرنسا صديقة لبنان تاريخياً ويهمها استقراره”، تمنى “أن تعود الى المبادرة في الدعم خصوصاً في خطة التعافي والمفاوضات مع الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي”، لافتاً الى أن “فرنسا تسهّل أمور لبنان في المجتمع الدولي وتدافع عن قضايانا، ونأمل استمرار هذا النهج على الرغم من انشغال كل الدول بالحرب الأوكرانية وتداعياتها على الجميع”. وشدد على أن “فرنسا لاعب أساس في المنطقة وفي الاتحاد الاوروبي”.

من جهته، رأى الصحافي والمحلل السياسي توفيق شومان أن ” فوز الرئيس ماكرون للمرة الثانية يعني الاستمرار في السياسة الخارجية الفرنسية القائمة ومن ضمنها لبنان. قبل أيام أطلق صندوق سعودي – فرنسي كان اتفق عليه في القمة التي عقدت في جدّة في الرابع من كانون الأول الماضي ما يعني أن سياسة ماكرون ما قبل الانتخابات الرئاسية ستستمر ما بعدها”.

وأشار الى أن “الفرنسيين لديهم علاقات مع مختلف الأطراف اللبنانية، وهم يحاولون النأي بأنفسهم، وتواصلهم مع الجميع يمهد لاكمال الرئيس ماكرون ما كان بدأه منذ زيارته الأولى الى بيروت بعد انفجار المرفأ” .

وأوضح أن “هناك معلومات ترقى الى اليقين بأنه في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية قد يُصار الى دعوة اللبنانيين الى طاولة حوار وطني برعاية فرنسية وبحضور اقليمي وتحديداً ايراني وسعودي”، لافتاً الى أن “طاولة الحوار لن تبحث القضايا الداخلية اللبنانية وحسب، بل ستكون معنية ببحث السياسة الخارجية للبنان. وهنا سيكون الدور السعودي والايراني فاعلاً بالاتفاق مع الأطراف اللبنانية. كل ذلك يدفع اللبنانيين الى التعويل على الدور الفرنسي في مرحلة ما بعد الاستحقاق النيابي في 15 أيار المقبل”.

أضاف: “الدعوة الفرنسية الى الحوار ليست منفردة انما بالمشاركة مع الرياض وطهران، وضمن هذا الثلاثي مع مظلة أميركية من الممكن أن تسير الأمور في الاتجاه شبه الصحيح لأن هذا المسار طويل”. واعتبر أن “الحوار الاقليمي بغطاء دولي يمكن أن يساهم على الأقل في حلحلة الأوضاع اللبنانية كي لا نقول انه يدفع باتجاه الحل النهائي”.

وأكد أن “دول العالم تنظر الى الحضور والدور الفرنسي في لبنان على أنه دور تاريخي، وبالتالي معترف به. اضافة الى ذلك، فإن هذا الدور ليس دوراً تنافسياً، وباريس مؤهلة على المستوى الدولي أكثر من غيرها لرعاية الحوار اللبناني – اللبناني”.

وشدد شومان على أن “التوصل الى اتفاق سياسي بين الأطراف اللبنانية ينتج على الأقل قواعد للخروج من الانهيار. طالما الأزمات السياسية مستفحلة لا يمكن الحلحلة على الصعيد المالي والاقتصادي والمعيشي”، واصفاً المرحلة المقبلة بأنها “مرحلة بين التفاؤل والتشاؤم أي تشاؤل، اذ لا يمكن التفاؤل أو التشاؤم بالمطلق بل الوقوف في منطقة وسطى”.

شارك المقال