“حزب الله”… نعرف باسيل ولكن!

أنطوني جعجع

هل هي مصادفة أن تقوم الدنيا ولا تقعد كلما أراد النائب جبران باسيل التجول في أي منطقة لبنانية لا يملك فيها “حزب الله” بيئة حاضنة أو أرضية أمنية ممسوكة تماماً؟

وهل هي مصادفة أخرى أن يتحول الجيش الى “مرافق خاص” أو الى “شرطي سير” كلما أراد الرجل أن يستعرض قوته أو يمتحن شعبيته في مناطق حساسة يعرف مسبقاً أنه غير مرغوب فيها سواء عن حق أو باطل…؟

وهل في علم النفس أو علم الاجتماع أو علم المنطق ما يفسر هذا التعامي الهائل عن واقع شعبي شبه شامل لا يكِن أي تعاطف أو تفهم أو قبول أو استيعاب لرجل يترأس كتلة نيابية وازنة وكتلة حكومية يعتد بها، ويحظى بعراب له في القصر الرئاسي وحارس مدجج بالسلاح في الضاحية الجنوبية؟

طبعاً هناك جواب لدى الطاعنين في هذا النوع من العلوم، لكنه غائب أو محذوف أو محتقر لدى النائب باسيل الذي يلعب دور “الضحية” عندما تخونه سيرته، ودور الجلاد عندما تضعف فريسته، محاولاً في كل المرات إقناع أنصاره بأنه الرجل الذي لا يستسلم، وإقناع خصومه بأنهم الفريق الذين لن ينتصر…

قلة هم المسؤولون الذين لا يقرون بالفشل سواء من باب المكابرة أو من باب الوقاحة، وباسيل واحد من هؤلاء. وقلة هم المسؤولون الذين يؤمنون بأنهم خارج المحاسبة وخارج المساءلة سواء سقطوا في امتحان الحكم أو ارتكبوا من المعاصي ما لا تحصيه لا يد ولا تحده عين، ومنهم الرئيس ميشال عون الذي يريد لمستقبل صهره ما لا يريده لمستقبل لبنان.

ولعل السؤال الأبرز يكمن في مكان اًخر… ماذا يريد “حزب الله” من حليف لا يملك من الانجازات ما يمنحه شعبية وطنية واسعة ولا يملك من السلاح ما يحوّله الى شريك عملي في “المقاومة”، ولا يحظى بالمصداقية سواء لدى العرب أو لدى الغرب أو لدى الغالبية العظمى من المسيحيين والمسلمين معاً، ما يكفي لانتاج حيثية من طينة الرجال الكبار؟

والجواب يكاد يحكي عن نفسه من دون وساطة أو تدخل من أحد، اذ أن ما يريده “حزب الله” هو هذا النوع من الحلفاء تحديداً، خصوصاً أن تجربته مع الرئيس عون أعطته ما لم يأخذه لا بالسلاح ولا بالسياسة، وحوّلته من مجرد حزب فاعل ودويلة عصية، الى حزب ملك ودولة شرعية.

وما يؤكد هذا الواقع، هو هذا التهالك الهائل لانتشال جبران باسيل و”التيار الوطني الحر” من المأزق الخانق الذي يعانيه عشية انتخابات نيابية مفصلية يتوقف على نتائجها، ليس مصير لبنان في حال النجاح، بل مصير “حزب الله” وخط الممانعة في حال الفشل.

فمن يراقب ما يجري في البيئة الشيعية يظن لوهلة أن “حزب الله” ذاهب الى الحرب لا الى صناديق الاقتراع، وأن حسن نصر الله يعود بنا الى الأجواء التي سبقت تحرير سمير القنطار من السجون الإسرائيلية، موحياً لأنصاره بأن التصويت للنائب باسيل وحلفائه هو بمثابة تحرير شبعا أو التصويت ضد الصلح مع الدولة اليهودية.

ويتردد في أوساط “حزب الله” أن كل شيء مباح في هذه المعركة، ولا وجود لأي خطوط حمر ولا اعتبار لأي خصوصيات أو تحالفات سواء جاءت من صديق يكون سليمان فرنجية أو شريك يكون نبيه بري أو حليف يكون بشار الأسد، معتبرة “الخامس عشر من أيار” نسخة منقحة عن “السادس من تموز”، وأن سقوط باسيل أو تراجعه قد يوازي اجتياحاً عسكرياً اسرائيلياً يصل الى نهر الأولي، أو هيمنة اميركية تصل الى حدود تطبيق القرار ١٥٥٩.

وقد يسأل سائل ماذا يريد “حزب الله” من هذا النوع من الحلفاء في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان والمنطقة؟ والجواب يحكي أيضاً عن نفسه، اذ أن المطلوب في حسابات حسن نصر الله هو أيضاً هذا النوع من الحلفاء، أي النوع الذي يصل الى البرلمان منهكاً، والى الرئاسة ربما مديناً له بكل شيء حتى حدود الاستسلام.

وما يساعد على ذلك، أن المرحلة التي كان “حزب الله” يحتاج فيها الى غطاء مسيحي قد انتهت بعدما أدى عهد ميشال عون “التيار الوطني الحر” الدور المطلوب، وحل محل هذا الغطاء الرهان على الشخص نفسه، أي على من يستطيع من خلاله أن يثبت دعائم “الدولة الاسلامية” المنشودة، وأن يتولى من خلاله ادارة المفاصل الأساسية التي تبقيه الرئيس الظل في مكان، وتقفل أي باب محلي أو عربي أو دولي يمكن أن يأخذه الى المحاكمة أو الى المحاسبة أو الى الشراكة أو الى العزلة.

وانطلاقاً من هذا الواقع يتصرف جبران باسيل، فيتحدى من يشاء ويشتم من يشاء، ويتحالف أو يتخاصم مع من يشاء من دون خوف أو حتى حياء، ويعبر المناطق على متون الملالات من دون أي احترام لمزاج الناس الطاعنين في يأس يقتلهم في جهنم البر حيناً وفي بطن البحر حيناً اَخر، معتبراً في قرارة نفسه أن من يقرر دوره ويحدد موقعه ليس الشعب، بل رجل اَخر يقيم في مكان اَخر هو حسن نصر الله وأن الباقي ليس الا زوبعة في فنجان.

ما يفعله باسيل لا يختلف عما فعله عمه ميشال عون عندما كان رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية، اذ أن العروش كانت أهم من النعوش وأن الفخامة كانت أهم من دماء جنوده ورهانات شعبه.

وما يفعله باسيل اليوم يشبه ما جاء في شريط مصور سجل للجنرال عون، في غفلة منه، وصف فيه الرأي العام الذي يمكن أن يحاسبه يوماً بـ “البغل الكبير”…

هذا الشريط محاه خلال حرب الالغاء أحد أنصاره من أرشيف “المؤسسة اللبنانية للارسال”، فهل سيتمكن باسيل من الغاء نقمة الداخل وعقوبات الخارج في وقت يكاد الجميع يجمع على رعونته لا على كفايته؟ أو هل سيتمكن “حزب الله”، في حال نجاحه من الغاء الأكثرية المسيحية والسنية والدرزية الناقمة، في مقابل الاحتفاظ بحليف أرعن يجيّر له السلاح والرجال كلما أطل من شرفة أو كلما تجول في مكان.

الجواب هو نعم بالطبع… جبران باسيل يريد الرئاسة و”حزب الله” يريد ولاية الفقيه، الأول، على غرار الأفغاني بابراك كارميل وليكن بعده الطوفان، والثاني على غرار الروسي المتطرف ليون تروتسكي الذي قال ذات يوم: “لا يهمني إن مات نصف العالم بل أن يبقى النصف الاَخر شيوعياً”.

شارك المقال