السنّة الرقم الصعب في المعادلات الانتخابية

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يُجمع العديد من اللبنانيين الذين كانوا يطمحون الى أن تكون الانتخابات النيابية فرصة للتغيير المأمول، على أن لوائح المعارضة جاءت مخيّبة لآمالهم، وتسببت في إحباط عزائمهم للمشاركة في الإستحقاق الديموقراطي، اذ أخرجت الموالين لسلطة الفساد من جحورهم وأحيت قدرتهم على مناكفة الشعب اللبناني وتحدّيه عبر السعي الى التجديد لشرعيتها في المجلس النيابي العتيد، لمن هو معاقب دولياً أو متهم بجريمة تفجير المرفأ أو بتهم الفساد والسرقات.

وتصرّ أطراف السلطة على تحدي ارادة الشعب اللبناني وعدم مراعاة مزاجه، كما يفعل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يتنقل بين المناطق اللبنانية مستفزاً مشاعر الأهالي، بمرافقة أمنية أثارت علامات استفهام وتعجب. إضافة الى أن التيار رشح ثلاثة أسماء من وزراء الطاقة الذين ساهموا في تعتيم لبنان عبر سياسة الصفقات هنا وهناك لزيادة ثروات الصهر العزيز، حتى أصبحت مشكلة إصلاح الكهرباء أول بند يطالب به صندوق النقد الدولي، لقبول الدخول في اتفاقيات اقتصادية جديدة.

الصورة الانتخابية ضبابية حتى الآن والارتباك الحاصل لدى الجمهور الناخب غير الملتزم بقوى سياسية أو طائفية يرجّح ارتفاع نسب المقاطعين. هذه الانتخابات تأتي في ظل تصاعد الأزمات، حتى بات الشعب في حالة إنهيار معنوي نتيجة عدم قدرته على التغيير، وسيطرة قوى السلطة على كل المفاصل والآليات، واستخدامها في معاركها الانتخابية كل أشكال الترهيب من أجل الضغط على المعارضين ومرشحي قوى التغيير وناخبيهم لافشال إمكان تشكل كتلة من التغييريين في المجلس النيابي الجديد.

وحسب متابعين للوضع على الأرض، فان “أطراف السلطة تستخدم أسلوبها المعروف في شراء الأصوات علناً بالدولار الفريش أيضاً، ويتردد في بعض المناطق أن سعر الصوت الواحد يتراوح ما بين 100 و1000 دولار حسب الحاجة، والهدف بالطبع التجديد لهذه السلطة بقواها التي رمت بالبلاد الى الجحيم”.

ولا يخفي هؤلاء أن “الأزمة الفعلية التي فوجئ بها الناس هي موقف الرئيس سعد الحريري بالمقاطعة، وغيابه عن المشهد السياسي الراهن، فهو كان واضحاً منذ البداية أنه لن يستطيع أن يكذب على الناس وهذا الكلام يدل على موقف شجاع ومميز للحريري، كونه خرج من السلطة نتيجة سيطرة الميليشيات وتحديداً حزب الله، الذي استعان بالقوى الأمنية والجيش وأعطاها حرية الدخول الى بعض أحياء الضاحية الجنوبية التي تعتبر عريناً له ومحمية لعصابات السرقة والقتل وتفجير الخلافات والتشليح”.

لا شك أن خروج الحريري من المشهد، أربك الساحة السنّية، لا سيما في المناطق حيث يحاول “حزب الله” نتيجة سطوته مد اليد الى السلّة السنية، مما أخاف السنة من التمثيل الضعيف لهم في المجلس النيابي الجديد، بوجود شخصيات سنّية تتبع “حزب الله” وتدين له بالوفاء. ويعطي المتابعون مثالاً على ذلك زيارة نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الى عكار ليستنهض بقايا البعثيين وآل الصمد وأتباع المتطرفين، كما يحاول الأمر عينه في الجبل وبيروت وطرابلس. ويسعى الحزب الى محاصرة وليد جنبلاط وشنّ معركة ضد “القوات اللبنانية” بالأصوات السنّية، وخلق كيانات ولوائح ويعمل على إبرازها ويقول للسنّة انه سوف يدفع للتصويت بكثافة لها. كما يلعب على الصوتين الشيعي والماروني، وقد أبلغ ممثل لائحة النائب أسامة سعد في صيدا أنه سيصوّت ضد لائحته مع عبد الرحمن البزري، وبالتالي سيقدم أصواته الى المرشح نبيل الزعتري وهو شخصية مجهولة في الشارع الصيداوي ولا قدرة له على التعامل مع الواقع السني في المدينة.

ويحاول “حزب الله” اليوم، إظهار السنة كفئة مهمّشة يجب تدفيعها ثمن قراراتها أو مساومته في كل الدوائر، ويستخدم الأساليب القديمة في “تدعيشهم”، ويظهر ذلك من خلال الأفلام التي يركّبها تارة في طرابلس بتصويرها أنها ضد الجيش، وطوراً في صيدا بإفتعال تحركات وأخرى في اقليم الخروب، ويحاول دق الأسافين مع جنبلاط لفقدان التوازن في الجبل، والواضح أن النظامين السوري والايراني ليسا بعيدين عن هذه البعثرة.

لا شك أن عودة السفراء العرب وبداية برنامج التعاون الفرنسي – السعودي لمساعدة لبنان قد أزعج “حزب الله” وأربك حساباته وأشعر السنّة بنوع من الحماية والأمان نتيجة ارتباطهم اللصيق بالعالم العربي. ويرى المتابعون أن “السنّة اليوم مستهدفون، ويجب توضيح موقف المقاطعة، والا سيكون تمثيلهم في انتخابات 2022 كما كان حال تمثيل المسيحيين في انتخابات 1992، ولن يهتم أحد بلبنان طالما أن التحالف السوري – الايراني سيطر على البرلمان والبلد وتغلغلت الدولة العميقة بطريقة بشعة من قبل هذه السلطات”.

ويشدّد هؤلاء على “أهمية التصويت لمن يريد المشاركة في الانتخابات بذكاء في وجه لوائح حزب الله وحلفائه ومنعها من الوصول الى الحواصل، حتى يعود لبنان الى الحضن العربي ويتخلص من حالة اليأس والهجرة والاستسلام لمشاريع ايران وحزب الله. وبالتالي على العرب التعامل مع الأكثرية الشعبية من السنة والوقوف الى جانبها، والمعروف أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري اعتكف مرات عدة لكنه عاد الى السياسة أقوى وأنضج وتحمّل مسؤوليات كبرى بعدما فشل الصغار في ادارة البلد. ومن ناحية أخرى، فان على السنة النظر الى أن وجودهم المنظم هو حماية لمستقبل لبنان، ومن ينظر اليوم الى الصورة الحالية يجد أن اليأس يخيم على كل الشرائح السنية في المناطق كافة وكأنهم أيتام بعد انسحاب الرئيس الحريري، ليس لأنه الزعيم السني الأكثر شعبية وحسب، بل لأنه ابن رفيق الحريري المشروع الوطني التغييري الذي قتل من أجله”.

ويؤكد المتابعون أن “مشروع رفيق الحريري يجب ألا يموت، ولا بد من بقائه حياً، لأنه مشروع لاعادة البناء ومشروع للحياة والمستقبل والأمل، بينما مشروع تحلّل الدولة هو مشروع حزب الله وحلفائه ومشروع ايران، والفارق شاسع بين مشروع البناء والعروبة ومشروع ايران التدميري، لهذا السبب يعتبر السنّة نواة التغيير الاقتصادي – الاجتماعي والانفتاح وتغليب المصالح العربية واللبنانية، وهم الى ذلك الحماة الحقيقيين للقضية الفلسطينية”.

شارك المقال