“حزب الله” يحرّض انتخابياً… باختراع اجتهادات دينية

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ليس هناك خطاب إنتخابي لدى “حزب الله” ولا برنامج واقعي يرتكز عليه لإخراج اللبنانيين من الجحيم الذي أوقعهم والعهد فيه، فقط خطاب تهويل وترهيب وتخوين للآخر، وبدل الاستعانة بالدستور يلجأ كعادته، الى شعارات تؤكد تركيبته كحزب ديني وتبعيته لإيران وعدم استغنائه عن مشروعه الأساس وهو لبنان دولة اسلامية تتبع ولاية الفقيه، غير آبه بتنوع البلد الطائفي والثقافي والاجتماعي، وبعادات أهله وتقاليدهم ولا معترفاً بحق الاختلاف والتعبير وكل ما يكفله الدستور اللبناني وقوانين حقوق الانسان في العالم.

سمعنا خلال مرحلة التحضير للانتخابات خطابات لقيادات هذا الحزب، أقل ما يقال فيها انها نوع من الاستعلاء والتكبر وصل الى حد التأليه واختراع اجتهادات لشد العصب المذهبي لصالح الثنائي الشيعي، ولو كان هناك تطبيق للقوانين لوجب التحقيق مع من يستخدم خطاباً دينياً للتحريض السياسي الانتخابي.

فرئيس المجلس السياسي في “حزب الله” ابراهيم أمين السيد رأى أن الاقتراع للائحة ما يسميها “مقاومة” تعادل الصلاة في المسجد! أي الاقتراع لشخصيات متهمة بالفساد ولنواب فاشلين في أداء مهمتهم الرقابية والتشريعية.

أما رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد فاعتبر في تحريضه الانتخابي أن “المقاومة دِين جديد”! كيف ذلك والاسلام ختم الديانات السماوية؟.

وحدث ولا حرج عن كلام الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي يعتقد المستمع إليه أنه يخوض حرباً لإسقاط رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت، وليس تنافساً ديموقراطياً في إستحقاق مدته 4 سنوات فقط.

وتصف مصادر متابعة خطاب نصر الله بعد عودة السفراء العرب، بــ “المربك، وكأن حديث الأخوة الخليجيين في لبنان وعنه لا يعنيه من قريب أو بعيد، وأكد استمراره في سياسة غب الطلب، مظهراً عدائتيه تجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج. كما روّج أن حزبه في حال حكم لبنان سيقود الاقليم أي من اليمن الى العراق وسوريا وفلسطين، فيصبح نصر الله بديلاً من قاسم سليماني، ويستعطف الجمهور باحتضانه حماس ودعمها بصواريخ لاستخدامها ورقة في خدمة مشروعه لتعبئة الشارع الشيعي، بالقول أنظروا حتى اسرائيل تهددني”.

الواضح أن “حزب الله” يريد إبقاء لبنان ساحة لعب إقليمية لإيران، طالما أن محادثات النووي في فيينا لم تؤت ثمارها وبالتالي لا تفاوض لا على النفط ولا على استخراج الغاز أو ترسيم الحدود. وجاءت القنبلة التي فجرها رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن ​بسام ياسين​، منذ أسبوع تقريباً عن أنّ سفينة القطر في طريقها الى سنغافورة لقطر سفينة الانتاجFPSO Energean Power، لبدء شفط النفط والغاز بعد أيام قليلة من حقل كاريش المتنازع عليه بين لبنان واسرائيل، بموجب رسالة الى ​الأمم المتحدة​، بناء على توجيهات الحكومة اللبنانية بتاريخ28/1/2022 ، وهذا الموقف يمثل موقف الدولة اللبنانية رسمياً في الأمم المتحدة.

ما يريده “حزب الله” هو السيطرة للفوز بالانتخابات، ولذلك يضغط على الناس لمنع الانتقادات ولجم الحديث عن السلطة الفاسدة وممارساتها في ظل حمايته الفاسدين تحت سيطرة سلاحه، ويلجأ الى اطلاق التهديدات حتى لمناصريه عبر إرسال رسائل صوتية عن طريق الواتساب ووسائل التواصل الاجتماعي سواء كانوا في الجنوب أو البقاع أو الضاحية الجنوبية، بقطع المساعدات عن أطفالهم يتامى الشهادة وبمنع المساعدات عن الأهالي، وهي طريقة لشراء الذمم. كما يحاول أن يشتري المواد التي يجب أن توزع على الناس عبر الدولة، لكنه يفتتح بلديات ومشاريع إنمائية ممولة من منظمات أهلية أميركية (ngo) وفي الوقت نفسه يشن حملة شعواء ضد المعارضين و”الثوار” متهماً اياهم بقبض أموال من السفارة الاميركية، في حين لا ينكر أنه حزب ايراني في لبنان يقبض ويدفع للناس من أموال ايران “النظيفة”.

وبحسب مصادر جنوبية تواكب الأوضاع على الأرض، فان “حزب الله” يقوم عشية الانتخابات، “بتأمين قرض حسن بخمسة آلاف دولار أو أكثر لمواطنين جنوبيين مقابل رهن ذهبهم لتغطية مشروع تركيب طاقة شمسية لمنازلهم لحل مشكلة الكهرباء المستعصية، والأموال تسدد لشركة يتعامل معها حزب الله، اضافة الى أنه يوزع أموالاً وبراميل مازوت وبونات مساعدات غذائية. وحسب ما أفادنا الأهالي فان هناك تعليمات من الحزب باعطاء من يأتي الى الانتخابات بسيارته بون بنزين وخمسين دولاراً، ومن ليست لديه سيارة يأتي بواسطة فان مؤمن للنقل مباشرة ويأخذ خمسين دولاراً، ومن لا يريد ذلك يقال له اجلس في بيتك وسنتعامل معك لاحقاً. وقد حجز الحزب كل الفانات ووسائل النقل يوم الانتخابات ليقطع الطريق على ناخبي المعارضة للانتقال”.

اما عن تهجمات الحزب على اللوائح المنافسة له، فحدث ولا حرج عن ممارساته ومحاولاته ضرب اللوائح وتفخيخها من الداخل وتشكيل رديف لها إن لم ينجح في خرقها، وقد مارس الضغوط على المرشحين الشيعة وحلفاء سابقين في لوائح المعارضة لا سيما في دوائر الجنوب والبقاع، وفي لوائح شخصيات سياسية غرّدت خارج السرب في صيدا مثلاً ضد أسامة سعد، وعمل على تعبئة الشارع الحزبي تحت شعار حماية المقاومة، في حين يجب حمايتها منه لأنه شغلها بمشاريع اقليمية خارج اطار الوطن ومواجهة العدو الأساس، لا بل جعل من “مقاومين” مجرد ميليشيا طائفية تتبع الحرس الثوري الايراني ما أضعف صورته وطنياً وعربياً.

ومن خلال خطاب نصر الله الأخير الذي جاء انتخابياً في الشكل، لكن مضمونه حدد دور الحزب الخارجي، بدا أن كل الحديث الذي يجري في لبنان ليس من همومه لا من قريب ولا من بعيد، بل الهدف الفوز بأكثرية نيابية يستطيع من خلالها مخاطبة المجتمع الدولي من موقع قوة التمثيل، وقد عمل لذلك مسبقاً عبر ترتيب بيته الداخلي وإصلاح ذات البين بين حلفائه في 8 آذار، وحدد خارطة اللوائح لضمان الأصوات الشيعية لمصلحته وتقديمها له على طبق من فضة من الآخرين، وصولاً الى اعلان الفتوى الشرعية بالانتخاب لصالحه وتحريم الأوراق البيضاء، ووضع منافسيه من المعارضة في خانة الأعداء تارة عبر وصفهم بعملاء اسرائيل والسفارات وتارة أخرى بالتكفيريين.

لا شك أن لوائح التغيير في الجنوب والبقاع تتعرض للخطر، فهي إن لم تحدث اختراقاً ستشكل ضغطاً على “حزب الله” لارباكه عبر رفع الحواصل، ولذلك يجهد في ترغيب الناخبين وترهيبهم ويستنفر مشايخه ومسؤوليه وقياداته واعداً ومتوعداً.

شارك المقال