تقارير أممية حول سلاح الحزب… العلاج لا التشخيص

هيام طوق
هيام طوق

بين تواريخ 6 و 8 و 15 أيار لا صوت يعلو على صوت الماكينات الانتخابية بحيث تصب الجهود كلها إن كان على المستوى الرسمي أو على مستوى القوى السياسية والشعبية في اطار الانتخابات النيابية في شقيها الداخلي والخارجي، والتي يعتبرها الجميع مصيرية وفق الحسابات الخاصة لكل جهة. كما أن المجتمع الدولي يشدد على اجراء هذا الاستحقاق الدستوري بنزاهة وشفافية، لأنه سيكون تحت مجهر مراقبته.

وبعيداً من الحسابات الانتخابية لناحية الربح والخسارة، يتم تداول معلومات منذ فترة بأن لبنان بعد 15 أيار لن يكون كما قبله بمعنى أنه سيحتضن دولياً، وهذا ما سيظهر جلياً بعد الانتخابات اما من خلال مؤتمر دولي من أجل إنقاذ البلد الذي يغرق في مستنقع أزماته منذ سنوات، أو من خلال طاولة حوار وطني برعاية هذه الدولة أو تلك، تشكل الخلافات بين اللبنانيين طبقها الأساس في محاولة لتقريب وجهات النظر أو ردم فجوة التباينات العميقة حول مفهوم الدولة اللبنانية.

إذاً، العين الدولية ستتجه الى لبنان بعد استحقاق 15 أيار خصوصاً وأن البلد سيكون في مهب المصير المجهول بسبب التخوف من الفراغ على المستويين الحكومي والرئاسي ما سيشكل ضربة قاضية لشعب أصبح على الرمق الأخير، بحيث تشير مصادر معنية الى أن المعطيات واتساع دائرة الخلافات بين الأطراف كافة ترجح أن يكون الفراغ الفائز الأكبر وأن تأتي حواصله مرتفعة بعد الحسابات الفاشلة لطبقة سياسية اعتمدت كل معايير الشفافية في السرقات والفساد والسمسرات والصفقات. وبالتالي، ليس هناك من بصيص نور للخروج من النفق المظلم سوى بتدخل دولي تتضح معالمه بعد الانتخابات، اذ ليس مستبعداً أن تعمل الدول الصديقة على انتشال البلاد من الفراغ القاتل المنتظر لكن لا شيء محسوم حتى الساعة، وتبقى الاحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات لأن المرحلة المقبلة دقيقة وحاسمة حتى أن المسؤولين في مجالسهم لا يخفون قلقهم من الفراغ، والأخطر أن يستمر هذا الفراغ الى مرحلة طويلة تضع البلاد والعباد في خبر كان.

وفي وقت تتعاطى المنظومة الحاكمة مع القضايا الوطنية انطلاقاً من مصالحها وحساباتها الضيقة، يبدو أن المجتمع الدولي أكثر حرصاً على استعادة البلد الى خطه التاريخي وثوابته الوطنية كدولة سيدة ومستقلة تحتكم الى المؤسسات الدستورية، وزيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كانون الأول الماضي تصب في هذا الاطار، اذ اعتبر حينها أن الزيارة ذات طابع تضامني لاعادة التأكيد على دعم أسرة الأمم المتحدة برمّتها للبنان في هذه المرحلة الحرجة. وفي تقريره النصف سنوي الأخير الى مجلس الأمن، دعا غوتيريش الى اجراء انتخابات “حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في لبنان”، مشدداً على “تشكيل سريع للحكومة بعد الانتخابات”. واعتبر أنّ “احتفاظ حزب الله بقدرات عسكرية كبيرة ومتطورة خارجة عن سيطرة الحكومة اللبنانية لا يزال يشكّل مصدر قلق بالغ”، مطالباً السلطات اللبنانية بـ “تكثيف مساعيها لاحتكار حيازة السلاح واحتكار استخدام القوة في جميع أنحاء أراضيها”.

وحضّ “الحكومة والقوات المسلحة اللبنانية على اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لمنع حزب الله وأيّ جماعات مسلحة أخرى من امتلاك سلاح وبناء قدرات شبه عسكرية خارج سلطة الدولة”، مشيراً الى أن “ذلك يمثل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن”. وأكد أن “استمرار مشاركة حزب الله في الحرب في سوريا يهدّد لبنان ويجرّه إلى نزاعات إقليمية تقوّض استقراره”، داعيا “دول المنطقة التي لديها علاقات وثيقة مع الحزب الى تشجيعه على نزع السلاح والى أن يتحوّل حزباً سياسياً مدنياً فقط”.

هذا ما ورد في تقرير غوتيريش، لكن ما أهمية هذا التقرير على أبواب استحقاقات كبرى في الداخل وتسويات مرتقبة في الخارج؟ ماذا تعني دعوته دول المنطقة الى تشجيع “حزب الله” على نزع سلاحه؟ ولماذا اعتبر أن قدرات الحزب الكبيرة تشكل مصدر قلق بالغ؟ وكيف يمكن أن يتحرك مجلس الأمن حيال سلاح الحزب الذي يعتبر انتهاكاً لقراراته؟

رأى الصحافي والمحلل السياسي جورج علم أن “التقرير يعكس وجهة نظر الأمم المتحدة بحيث أن التصور يحاكي الواقع القائم، لكن المطلوب ليس تشخيص المرض انما تشخيص العلاج وكيفية الخروج من الداء الذي يصيب لبنان ويكاد يؤدي الى هلاك الكيان. إنقاذ لبنان يجب أن يتم ضمن مظلة دولية ترعاها الأمم المتحدة، ولا حلول في الداخل خارج هذا الاطار”.

ولفت الى أن “سلاح الحزب قد يعالج من خلال الدول المؤثرة على الحزب وفي طليعتها ايران وسوريا لكن السؤال المطروح: هل تقبل ايران بنزع سلاح الحزب من دون أن تأخذ ثمناً لذلك؟. ايران لن تبادر الا مقابل ثمن يجب أن تدفعه الدول الكبرى التي هي غير مستعدة لذلك لأن مفاوضات فيينا أصبحت أمام خيارين لا ثالث لهما: التأجيل الى أمد بعيد أو الانهيار التام”.

أضاف: “أما في ما يتعلق بالدول الصديقة، فإنها بعد أزمة كورونا والحرب الأوكرانية التي تتفاقم، أصبحت منشغلة بكيفية معالجة تداعيات الأزمة الأوكرانية كي لا تنزلق الى حرب عالمية ثالثة، ما يعني العودة الى كيفية تدوير الزوايا الحادة لايران في المنطقة، ولا ندري ان كنا نستطيع الانتظار الى أن تنفرج على مستوى كل الأزمات حتى يعود الاهتمام الدولي الى لبنان، ولكن نعوّل الى حد ما على الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عله يستطيع ايجاد نوع من الحراك الدولي لمعالجة الأزمة اللبنانية تحت اطار مؤتمر ترعاه الأمم المتحدة إلا أن لا شيء يمكن الاستناد اليه حتى الساعة”.

من جهته، اشار الصحافي علي الأمين الى أنه “كان من المفترض أن يعالج سلاح الحزب على طاولة الحوار منذ العام 2006 ضمن ما يسمى الاستراتيجية الدفاعية، والموقف الدولي يأتي في هذا السياق”، مشدداً على أن “لا حل لكل المشكلات اللبنانية على الصعد كافة اذا لم تحل معضلة السلاح التي هي ليست معضلة دولية بقدر ما هي معضلة لبنانية، لأن السلاح بمعزل عن أنه كان له دور في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ولكن خلال السنوات الاخيرة كان له دور قمعي في الداخل واستخدم في الخارج”.

وقال: “المعلومات الواردة في التقرير ليست جديدة، ولكن هل هناك ظروف مؤاتية لمعالجة مسألة السلاح؟. ما هو أكيد أنه لم يعد بالامكان الاستمرار بالوضع على ما هو عليه، وبالتالي، لا بد من معالجة قضية السلاح، وكلام الأمين العام للأمم المتحدة يأتي في سياق التأكيد على الموقف الدولي من السلاح على الرغم من أننا نعتبر أن المجتمع الدولي كان يتعامل دائماً مع هذه القضية على أنها ثانوية”.

وأكد أن “سلاح الحزب سيكون مطروحاً على طاولة البحث أكانت محلية أو خارجية في المرحلة المقبلة، مع العلم أنه لا يجوز أن نستمر في المراهنة على المجتمع الدولي بمعنى أنه اذا لم يكن هناك ضغط لبناني داخلي باتجاه معالجة هذه القضية فلن يبتّ المجتمع الدولي بهذا الموضوع. لا بد أن تتلاقى الارادة الداخلية مع الارادة الخارجية”.

شارك المقال