عيد النصر في روسيا: مناسبة لتشريع العدوان الدولي؟

حسناء بو حرفوش

أطَّر مقال نُشر على موقع “أتلانتيك كاونسيل” ما يعرف بعيد النصر في روسيا والموافق في 9 أيار، تاريخ إعلان حكومة الاتحاد السوفياتي استسلام ألمانيا في سياق “المناسبة التي تشرع العدوان الدولي”. ولفت المحلل الأوكراني أندريه لوشنيكي في قراءته إلى أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منح أهمية خاصة لهذا اليوم منذ وصوله إلى سدة السلطة بحيث وضعه في قلب الهوية الوطنية الروسية الحديثة”.

ووفقا للوشنيكي، “أصبح يوم النصر في عهد بوتين، من الأيام المكرسة في التقويم الروسي ومن المناسبات الأكثر استثمارا في كل أنحاء البلاد في الدعاية الوطنية. وفي الوقت عينه، ينظر إلى كل شخص يجرؤ على الانتقاص من أهمية هذا اليوم أو على التشكيك بنسخة الكرملين عن “الحرب الوطنية العظمى”، أي الحرب العالمية الثانية، على أنه مخالف ويستحق معاملة صارمة.

وتخدم هذه المناسبة استراتيجية الكرملين حيث أثبتت فاعايتها بشكل ملحوظ في إحياء الروح الوطنية الروسية في أعقاب الإذلال الذي أصاب انهيار الاتحاد السوفياتي والفرص الضائعة في التسعينيات. كما توفر الحل المثالي الذي يساعد على تبييض الجرائم الواسعة النطاق ضد الإنسانية التي ارتكبها الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب العالمية الثانية وفي المرحلة التي تلتها. وتتجاوز التداعيات السياسية المعاصرة لهذه المناسبة الحاجة للتوفيق بين الروس المعاصرين وتاريخ بلادهم المثير للقلق في القرن العشرين. وقد نجح بوتين من خلال إعادة تأهيل الماضي السوفياتي، في إضفاء الشرعية على الحاضر الاستبدادي”.

بالإضافة إلى ذلك، “استخدمت روسيا طوال فترة حكم بوتين بحماسة، لغة ورمزية الحرب العالمية الثانية كأسلحة خطابية ضد أعداء البلاد المتصوّرين، والذين يخضعون بشكل روتيني للإدانة على أنهم “فاشيين” و”نازيين”. وتشمل قائمة الأهداف المحلية والدولية الطويلة بشكل أو بآخر أي شخص يختلف مع الكرملين.

وتحتل أوكرانيا، التي صوّرها المسؤولون الروس ودعاة الدعاية منذ فترة طويلة على أنها وريثة ألمانيا النازية، الصدارة في هذا الإطار. ففي السنوات الأخيرة، أصبحت صناعة الأساطير مسألة حياة أو موت لملايين الأوكرانيين. واستخدمت الرواية الدعائية لـ “أوكرانيا النازية” على نطاق واسع منذ الاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام 2014، لتبرير المزيد من العدوان الروسي على البلاد.

أما بالنسبة لأتباع بوتين، فلا جدال حول الصورة النازية لأوكرانيا ولا حاجة للمزيد من التفسير. وخلال الأسابيع العشرة الماضية من الحرب الشاملة، أصبح مصطلحا “أوكرانيا” و “النازي” مرادفين افتراضيا في فقاعة الإعلام الروسي. كما ربطت ما تسمى بـ “العملية العسكرية الخاصة” لروسيا في أوكرانيا بروايات خاطئة ومتجذرة تاريخيا لدرجة أن الكثير من التعليقات المتعلقة بالحرب الصادرة الآن من الكرملين منفصلة تمامًا عن الواقع ومن المستحيل تفكيكها من دون الرجوع إلى أساطير الكرملين الملتوية في الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك، وبالعودة إلى التاريخ وإلى حقائق الحرب العالمية الثانية والدور السوفياتي في الصراع، ففي حين أن الحلفاء الغربيين شكلوا جيوش تحرير خلال الحرب العالمية الثانية وأرسوا الديموقراطية والاستقرار طويل الأمد في معظم أنحاء أوروبا، قاد الجيش الأحمر احتلالا ترك عشرات الملايين محاصرين خلف الستار الحديدي. ولا تزال روسيا الحديثة ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة المزعجة، وتفضل بدلاً من ذلك اتهام دول أوروبا الوسطى بالجحود.

لا شك أن كل أمة تحتاج لطرح الأسئلة والتشكيك بماضيها. لكن لسوء الحظ، يستمر الاتحاد الروسي في عهد فلاديمير بوتين بالانخراط بنشاط في الإنكار. ويشمل إنكاره ذلك محاولات تبرير العديد من أكثر الأحداث المخزية في الحقبة السوفياتية. فالكرملين حساس بشكل خاص إزاء مناقشة الميثاق الألماني السوفياتي الذي يعود لآب 1939 والذي قسم أوروبا الشرقية وأدى مباشرة إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وقد بذل بوتين جهودا ملحوظة للدفاع عن حلف مولوتوف-ريبنتروب وجرّم أي محاولات للإيحاء بالمسؤولية السوفياتية عن اندلاع الحرب.

كما يتفاعل الكرملين بغضب وسخط مع لفت الانتباه إلى الروايات المنتشرة عن الاغتصاب الجماعي والفظائع التي ارتكبت مع تقدم الجيش الأحمر في أوروبا الوسطى. ولا يعد فشل روسيا في الاعتراف رسميًا بهذه الجرائم مجرد ظلم تاريخي. بل على العكس من ذلك، ساعد تمجيد موسكو للجناة على خلق شعور بالإفلات من العقاب ومهّد الطريق لفظائع مماثلة بشكل لافت للنظر في الفظائع التي شوهدت في الأشهر الأخيرة في جميع أنحاء المناطق المحتلة من أوكرانيا، تماما كاستعداد الغرب عام 1945 للسماح بتقسيم أوروبا ما بعد الحرب والذي اعتبر خيانة للقيم الغربية التي أجازت انتصار نظام استبدادي على آخر. ويتوقع بوتين أن يُظهر القادة الغربيون اليوم مرونة أخلاقية مماثلة بشأن موضوع أوكرانيا.

وعلى مدى العقدين الماضيين، جعل بوتين من تجربة الحرب السوفياتية الثانية سلاحا من أجل تنشيط القومية الروسية وتبرير سياسة خارجية توسعية. لكن الحجم الهائل للخسائر السوفياتية في القتال ضد هتلر جعل العديد من المراقبين الخارجيين يتردّدون بانتقاد هذا الاتجاه، لكن من الواضح الآن أن ما يصوره بوتين كانتصار خلق حاليا نزعة عسكرية خطيرة داخل روسيا وامتد مناخها بالفعل إلى أوكرانيا مع عواقب وخيمة، تهدد بلدانا أخرى بالمصير عينه”.

شارك المقال