بري يفتتح معركة الترسيم البحري: التنقيب بالقوة

محمد شمس الدين

قبل بدء الصمت الانتخابي، أطل الرئيس نبيه بري بالأمس، متناولاً موضوع الانتخابات، فعدد مواقف حركة “أمل” من عناوين عدة، مهاجماً كل الخطاب التحريضي الطائفي، الذي اعتمده البعض منذ 17 تشرين، إلى فاجعة انفجار المرفأ، وما بينهما، واستهدف الحركة جزء كبير منها، من افتراء وتهشيم، ولم يقتصر الاستهداف على العمل السياسي بل استهدف “أمل” بتاريخها ومسيرتها وإنجاراتها وتحالفاتها، الأمر الذي اعتبره بري مثيراً للشبهة. وأكد أن الحركة ملتزمة بنهج التعايش الذي أرساه مؤسسها السيد موسى الصدر، محذراً من أن يعيد التاريخ الأسود نفسه، من خلال استثمار أعداء لبنان الكثر، من عاد إلى سيرته الأولى إمعاناً في ارتكاب الاَثام والخطايا بحق لبنان واللبنانيين، وعزفاً على الوتر المذهبي والطائفي، إما عن سوء نية، وهذا ما اعتبره بري قمة الشبهة والخيانة، أو لأهداف انتخابية شعبوية رخيصة وهذا ما رأى فيه قمة الاستهانة التي يجب أن تتوقف رأفة بلبنان.

بداية، اعتبر بري أن اللوائح المنافسة، بكل نكهاتها وألوانها وشعاراتها وبرامجها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما بينهما لوائح عابرة للسفارات والغرف السوداء، غيّبت جميعها عن جدول أعمالها، ورفعت صراخها الانتخابي بعيداً عن الواقع المعيشي والاقتصادي والمالي الراهن، وحصرته فقط زوراً وبهتاناً بما يسمى خطر الثنائي حركة “أمل” و”حزب الله”، والويل والثبور وعظائم الأمور، والمعزوفة هي: “ضربني وبكى سبقني واشتكى”.

وتوجه بري الى من وصفهم بالمتباكين الذين لا يتورعون في خطاباتهم في السر والعلن وجهاراُ ونهاراُ، عن استدراج عروض للاستقواء بالخارج، على من يفترض أن يكونوا أشقاء لهم في الوطن، بالقول: “قدرنا أن نعيش سوياً… وقدرنا الوحدة…”. وشدد على أن تحالف حركة “أمل” و”حزب الله” ليس تحالف استقواء طائفة على أخرى، قائلاً: “اتقوا الله بلبنان وتعالوا إلى كلمة سواء…”.

أما عن شعار إسقاط المنظومة واتهام الثنائي بأنهما رأس الحربة فيها ويغطيان بعضهما البعض بالفساد والهدر، فدعا بري إلى أن يكون الحكم والحاكم في قضايا الفساد والهدر هو القضاء والقانون والدستور، مؤكداً أن لا غطاء على أي كان وفي أي موقع كان. وأشار الى أن لا أحد قارب هذا الملف كما قاربته حركة “أمل” قضائياً على مدى الزمن، ومن خلال إنجاز قوانين وتشريعات لو طبقت لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. وجدد التأكيد أن الحركة مع إسقاط منظومة الهدر والفساد فعلاً لا قولاً، محذراً من الذين يستثمرون على وجع الناس ودمائهم ومطالبهم المحقة بشعارات حق يراد بها باطل.

وفي الموضوع الاقتصادي والمالي، جدد بري عدم قبول الحركة بأي خطة للتصحيح والتعافي المالي والاقتصادي لا تكرّس ولا تعيد حقوق المودعين، لافتاً الى أن الحركة مع إنجاز التدقيق الجنائي في كل حسابات الدولة، بدءاً من مصرف لبنان وبالتوازي مع كل الوزارات والصناديق، وخصوصاً كهرباء لبنان، “وما أدراكم ما كهرباء لبنان…”.

وأوضح بري أن الحركة مع الإسراع في إنجاز التلزيمات لإنشاء معامل جديدة للكهرباء سواء مع الشرق أو الغرب، معتبراً أن الوقت حان لأن يشجع لبنان على الاستثمار في مجالات الطاقة البديلة، تمثلاً بالعديد من الدول المجاورة كسوريا والإمارات. وأكد أن هذا الملف سيكون أولوية على جدول أعمال الحركة ونوابها في المرحلة المقبلة.

أما أهم ما ورد في خطاب بري فهو تطرقه إلى ملف الثروة البحرية وترسيم الحدود، فشدد على أن اتفاق الإطار يبقى الآلية الصالحة لإنجاز الترسيم، الذي يمنح لبنان الحق باستثمار كامل ثرواته في البحر من دون تنازل أو تفريط أو تطبيع أو مقايضة، مشيراً الى أن لبنان مستعد لاستئناف المفاوضات تحت هذا السقف، ولكنه لن يقبل أن يطول التفاوض، بل لمدة أقصاها شهر واحد، وبعدها يبدأ الحفر بالبلوكات الملزمة أصلاً من دون تردد، وإلا تلزم شركات أخرى.

وفي الختام، علق بري على من يصنف الثنائي بثقافة الموت ويحتكر لنفسه ولغيره ثقافة الحياة، بالقول: “نحن في رحاب ذكرى إسقاط 17 أيار، وذكرى القسم، وذكرى النصر والتحرير، كلها عناوين حياة، عناوين عز وإباء، وشرف وكبرياء وكرامة، أبناؤها هم أرقى من مارس ثقافة الحياة، مانحين أرواحهم ليحيا لبنان حراً سيداً مستقلاً…”.

ربما هي من المرات النادرة التي نشاهد فيها، السياسي المخضرم والمتربع على عرش الديبلوماسية السياسية والخطابية، الرئيس بري، يخلع قفازاته، ويهاجم من دون قيود، وتحديداً أن بعض الذين هاجمهم أمس كان يتجاهلهم سابقاً، ولكن يبدو أنه يستشرف شيئاً ما يدور في الأفق، أو أن خطاباتهم التحريضية والانعزالية أصبحت تضر الوطن. ولكن بعيداً من الخطاب المندرج تحت الشق الانتخابي، فان أخطر ما تكلم عنه هو ملف ترسيم الحدود، اذ وجه تهديداً فعلياً الى من يعنيهم الأمر، ليتم الترسيم وفق حقوق لبنان، أو سيبدأ لبنان بتحصيل حقوقه بالقوة، حتى لو اضطر إلى التلزيم مع شركات جديدة، وربما قد يتسبب هذا الأمر بمعركة مع العدو الصهيوني.

شارك المقال