بعد عصفورية الانتخابات… توترات ولا معالجات

هيام طوق
هيام طوق

منذ حوالي 6 أشهر، دوّت صفارة انطلاق الاستحقاق الانتخابي النيابي للعام 2022 بحيث أن المسار كان محفوفاً بخطر التأجيل والتطيير، واعترضه الكثير من المطبات، لكنه اليوم أصبح في الأمتار الأخيرة من نقطة الوصول يوم الأحد المقبل في 15 أيار.

وانطلاقاً من مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات” خصوصاً في زمن الانتخابات، تكثر التصريحات والمواقف النارية مروراً بكشف المستور بين المتسابقين الى الندوة البرلمانية وصولاً الى الاتهامات المتبادلة بهدف التجييش الشعبي وحث الناخبين على الادلاء بأصواتهم في انتخابات اعتبرها الجميع “مصيرية” استناداً الى الحسابات الخاصة بكل طرف حتى قيل ان ما بعد 15 أيار ليس كما قبله، باعتبار أن انتخابات هذا العام تتعدى مفهومها كاستحقاق دستوري يعبّر عن المزاج الشعبي الى وصفها بالمحطة المفصلية بين لبنانين ومشروعين ورؤيتين متوازيتين لا تلتقيان.

وبغض النظر عن لعبة الحواصل الانتخابية وحساباتها ونتائجها التي تفرز الأكثرية والأقلية لصالح هذا الفريق أو ذاك، يؤكد مراقبون أن لبنان متجه نحو مرحلة جديدة بعد الاستحقاق النيابي، ربما تكون أكثر سواداً أو أكثر اشراقاً بمعنى اما الاتجاه الى تفاهم بين اللبنانيين تحت مظلة دولية لم تتبلور صيغتها بعد، وبالتالي، وضع البلد على سكة الانقاذ والانفراج، أو الدخول في نفق أكثر ظلاماً، وفي فوضى خطيرة لا يمكن التكهن بتداعياتها لأنه بكل بساطة وصل البلد وأهله الى الرمق الأخير من التحمل، وبالتالي، الانفجار والارتطام الكبير، ليبقى الثابت الأكيد أن لا امكان للاستمرار في الوضع الراهن.

وبعيداً من السجالات والتكهنات والسيناريوات حول تشكيل حكومة بعد الانتخابات من عدمها أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو الفراغ على هذا المستوى، فإن الناس التي تعاني الأمرّين في معيشتها من أكلها وشربها واستشفائها ودفع الضرائب وغلاء المحروقات الفاحش، باتت تسأل عما يمكن أن يكون عليه وضع البلد بعد الانتخابات في ظل هذا الشحن الكبير والانقسامات الحادة بين المتحكمين برقاب العباد؟ الكل ينتظر اتمام اليوم الانتخابي، لكنه يتوجس أيضاً مما تخبئه الأيام التي تلي الانتخابات. هل يتخلى المسؤولون عن أنانياتهم ومصالحهم، ويضعوا خلافاتهم جانباً رأفة بالشعب الجائع واليائس، ويسهروا حتى بزوغ الفجر علهم يتمكنوا من اصلاح ما اقترفت أيديهم بحق الوطن، فيخططون لفجر جديد طال انتظاره؟ هل سيحاولون جاهدين تصفية نياتهم علهم يكفّروا عن ذنوبهم تجاه بلد هشّموه وخرّبوه وأفقروه ووضعوه تحت سابع أرض؟ هل سيصممون، ولو مرة واحدة ولضرورات فائقة على أن يغلبوا لغة العقل على لغة الغرائز والاستكبار والعنجهية علهم يعيدوا الدولة المفككة ومؤسساتها المهترئة الى نادي الدول المحترمة؟ هل سينشلون البلد من عصفوريته على المستويات كافة قبل فوات الأوان؟ وهل سينتقلون من مرحلة تشخيص المرض الى معالجته وصولاً الى الشفاء التام ولو طال المسار؟

رأى النائب السابق الياس عطا الله أن “الانتخابات النيابية محطة لن تغير كثيراً في مسار البلد، والصراع سيشتد بعدها، ولكن لا نعرف كيف سيتبلور. الانتخابات استحقاق دستوري ولكن مع احترامنا لإرادة اللبنانيين لن يعالج المشكلة الأساس بمعنى أن المشكلة ليست هذا المجلس النيابي أو ذاك لأن السلطة خارج المؤسسات. الأحد سيتم انتخاب مجلس نيابي جديد ولكن هل هذا المجلس لديه سلطة؟ البلد محكوم من قوى الأمر الواقع”.

واعتبر أن “فريق الممانعة اذا حقق الأكثرية في الانتخابات، فيحكم بسهولة. واذا لم يحقق الأكثرية فيحكم بصعوبة، ولكن في كلا الحالتين هو الحاكم”، مشدداً على أنه “لا يجوز بعد اليوم أن نكذب على أنفسنا لأن التغاضي عن السبب الحقيقي لأزمات لبنان، أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم. علينا تشخيص المرض وايجاد العلاج”.

ولفت الى أن “هناك أسباباً متعددة لانهيار البلد، ولكن هناك درجات في خطورة الأسباب انما السبب الأخطر هو السلاح الذي تجاوز حدود لبنان وعزله عن العالم، واذا لم نعالج هذا الموضوع فلا يمكن معالجة أي مشكلة”، متسائلاً: “من هو المنقذ الذي سينقذ البلد وينتشله من أزماته طالما أن السلطة خارج المؤسسات؟”.

من جهتها، أشارت الكاتبة الصحافية والناشطة رلى موفق الى أن “الصورة بعد الانتخابات ليست واضحة. السقف العالي في المواقف يوقع الجميع في مأزق وليس سهلاً التراجع عن هذا السقف لكنه قابل للتحول تحت عنوان الواقعية السياسية لاحقاً”، مؤكدة أن “الوضع في لبنان وصل الى مكان يحتاج فيه الى حل سريع، وهذا الحل يحتاج الى ما يشبه أقل من تسوية وأكثر من حوار بمعنى اتفاق على كيفية ادارة البلد، وايجاد حد أدنى من اعادة هيبة الدولة ومؤسساتها، وعملها بشكل منتظم لأننا اليوم في الانهيار التام”.

وتوقعت “أن يكون الانهيار أكبر بعد الانتخابات لأن الاطراف السياسية لن تراعي الناس بأهداف انتخابية”، معتبرة أن “من مصلحة الجميع الاتفاق على حد أدنى من كيفية تقطيع المرحلة لأننا الى جانب الانهيار الداخلي، علينا انتظار ما سيجري في المنطقة اذ أن الحرب في أوكرانيا خلطت أوراق السيناريوات والتوقعات حول الاتفاق النووي الايراني. اذاً هناك ارباك اقليمي ودولي وعدم وضوح في الرؤية ما سينعكس على الوضع اللبناني الداخلي”.

أضافت: “نريد يد عون ومساعدة تقدم للبنان في موازاة يد قادرة على أن تضع الحد الفاصل بين لبنان الأمس ولبنان الغد، بمعنى أنه لا يمكن الاستمرار بالطريقة السابقة أي لبنان الفساد والسياسات غير البناءة”. وشددت على أن “الكل مجبر على العمل وفق حد أدنى من العقلانية ولكن الكل أيضاً مرتبط بما يجري في المنطقة. ليس هناك من قدرة على الحلول الفعلية بل الذهاب نحو حلول ترقيعية”.

شارك المقال