القوات الجوية… نقطة ضعف روسية؟!

حسناء بو حرفوش

ما الذي قد يشكل نقطة ضعف لروسيا في الصراع العسكري بأوكرانيا؟ حسب الكاتب وأستاذ الدراسات الاستراتيجية، فيليبس أوبراين، ترتبط الإجابة بعكس ما هو متوقع بعنصر يفترض أن يشكل إحدى أعظم مزايا روسيا: القوات الجوية.

ووفقا لقراءة أوبراين بموقع “ذا أتلانتيك” (The Atlantic)، “كان من المتوقع أن تلعب القوات الجوية الروسية بفضل نحو 4 آلاف طائرة مقاتلة وخبرة واسعة في قصف أهداف في سوريا وجورجيا والشيشان، دورا حيويا في الغزو وتسمح للجيش الروسي بالتوغل في عمق أوكرانيا والاستيلاء على كييف وتدمير الجيش الأوكراني. لكن بعد مرور أكثر من شهرين على الحرب ما زالت تقاتل من أجل السيطرة على الأجواء. بالتالي، ربما يكون فشل سلاح الجو الروسي هو القصة الأكثر أهمية على الرغم من أنها الأقل ذكرا في الصراع العسكري حتى الآن. وفي المقابل، تكيّفت القوات الأوكرانية في الحرب الجوية مع تقدم القتال بشكل مفاجئ. والحال أن مسار الصراع المرتبط بالتفوق الجوي قابل للتغيّر بشكل جذري.

وبيد أن القوة الجوية قد تكون حاسمة في أي حرب، من الصعب استخدامها بفعالية، إذ تعتمد القوات الجوية على مجموعة من التقنيات التي تتطلب موظفين مدربين تدريباً عالياً يمكنهم بسرعة إنشاء ما يرقى إلى نظام عسكري محمول جوا: محطات الرادار المحمولة لتوفير القيادة والسيطرة، والمقاتلون لحماية ومراقبة الأجواء، وتزويد الطائرات بالوقود، ومجموعة من أجهزة جمع المعلومات الاستخباراتية والطائرات الهجومية لتحديد مواقع قوات العدو وتدميرها. وتتطلب هذه الأنواع من العمليات المشتركة مئات الطائرات والآلاف من الأشخاص وهي تسمح إذا أديرت بشكل صحيح، للجيش بالسيطرة على السماء، مما يجعل الحياة أسهل بكثير للقوات البرية أو البحرية.

لكن بالنسبة للروس وعلى الرغم من صنع الكثير من المعدات الجديدة والتي حظيت بالكثير من الترويج، لا تزال هناك بعض العمليات اللوجيستية المعيبة بالإضافة إلى النقص في التدريب المنتظم والواقعي. وهذا يعني من جملة أمور أخرى مثل مركز القرار للعمليات الجوية أن القوات الجوية قدمت في بداية الغزو في الغالب دعما جويا للقوات البرية أو قصفت المدن الأوكرانية بدلا من العمل للسيطرة على الأجواء.

وفي هذا السياق، يقول أحد الضباط المتقاعدين من القوات الجوية الأميركية أن “روسيا لم تقدر مطلقًا استخدام القوة الجوية بما يتجاوز الدعم للقوات البرية”. وبالنتيجة، لم تصمم أو تعمل على إدارة حملة جوية استراتيجية. وبدلاً من ذلك، تُترك الطائرات الروسية وهي تطير في مهامها المباشرة من دون السماح للطيار بالتصرف بمرونة. لديه أوامر مهمة ويقوم بتنفيذها من دون تغيير، مهما كلف الأمر. وأحيانا تبدو حتى قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الروسية ضعيفة بشكل مدهش، إذ نادرًا ما تنجح القوات الروسية في تحديد الأهداف الأوكرانية المحتملة وفي نشر الأصول الجوية لمهاجمتها بسرعة كافية لإحداث فارق.

وعلى عكس الروس، طوّر الأوكرانيون مفهومًا متماسكا للعمليات الجوية، سمح لهم بعرقلة ما بدا طريقا سهلا للهيمنة الجوية الروسية. فدمجوا مجموعة من القدرات الجوية والمضادة الجوية لإحباط القوة الجوية الروسية الأكبر بكثير. وتمكن الأوكرانيون من تقييد القوة الجوية الروسية في عدد قليل من المناطق الشرقية والجنوبية بدءًا من صواريخ أرض – جو الرخيصة المحمولة باليد، مما حدّ بشكل كبير من حرية روسيا في المناورة.

ولم توفّر قدرة أوكرانيا على التنافس في مجالها الجوي الحماية لقواتها فحسب، بل سمحت لها أيضا في بعض الأحيان بالهجوم. وفي وقت مبكر من الحرب، استطاع الأوكرانيون استخدام مسيّرات تركية الصنع لمهاجمة بعض الأهداف عالية القيمة. كما استخدم الأوكرانيون المسيّرات للتعرف الى صواريخ أرض – جو الروسية وتدميرها، مما جعل القوات البرية الروسية أكثر عرضة للهجوم من الأعلى.

وأظهر الأوكرانيون أيضًا قدرة أكبر بكثير من الروس على استخدام مواردهم الجوية المحدودة بطريقة أكبر. ويكشف هذا الاستخدام المبتكر للقوة الجوية أن الأوكرانيين قد يتمتعون بفهم أكثر تطورًا للعمليات الجوية مقارنة حتى بالعديد من دول الناتو، التي تعتبر هيمنتها الجوية أمرًا مفروغًا منه. ويبدو أن للغرب الكثير ليتعلمه من نجاحات أوكرانيا. وستكشف الأسابيع المقبلة قدرة الروس على التعلم من أخطائهم والاستفادة بشكل أفضل من تفوقهم العددي الهائل في الطائرات. ومن ناحية أخرى، سيرى الأوكرانيون قريبًا نمو قدراتهم الجوية الهجومية. وطالما أن المجال الجوي فوق ميدان المعركة لا يزال محط نزاع، سيتمكن الأوكرانيون من تحسين وتوسيع استخدامهم للقوة الجوية. وعلى الرغم من أن الانتصار ليس مضمونا، لا شك أنهم أحدثوا بالفعل ثورة على مستوى الدفاع”.

شارك المقال