خطابان متناقضان… لبنان لا يبنى بطرف مسلّح وآخر مشلّح

هيام طوق
هيام طوق

فجر يوم الأحد 12 أيار 2019، أسلم البطريرك الماروني الكاردينال نصر الله بطرس صفير، الروح على 99 عاماً قضى معظمها في الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله وكرامة شعبه. هو الذي شكل علامة فارقة في تاريخ البلد ورأس حربة في مواجهة الوجود السوري في التسعينيات من دون أن يتردّد في انتقاد “حزب الله” لرفضه التخلي عن سلاحه، ووصفه في العام 2010 بأنه “حالة شاذة” لأن السلاح يجب أن يكون حصراً بين يدي الدولة.

وفي ذكراه التي تصادف عشية الانتخابات النيابية، تحدث عدد من المسؤولين عن “الراحل الكبير”، فاستذكر الرئيس سعد الحريري في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”، “بطريرك السيادة والمصالحة والدفاع عن العيش الواحد بين اللبنانيين تحت سقف الدستور والتمسك بهوية لبنان الاقتصادية والعربية”، وقال: “رحم الله البطريرك صفير وحمى لبنان”.

ثلاث سنوات مرت على رحيل بطريرك الاستقلال الثاني، وعرّاب المصالحة بين اللبنانيين، والبلد الى مزيد من الانهيارات والانقسامات والتباينات، وعند كل استحقاق يترسخ الشرخ أكثر فأكثر بين المتحكمين بالبلد وأهله، وهم منقسمون حول رؤيتين وخطين متوازيين لا يلتقيان خصوصاً في ما يتعلق بمفهوم الدولة ومؤسساتها وبالقضايا الوطنية الكبرى.

ويكفي التوقف عند آراء مرجعيات دينية في الأيام القليلة الماضية لمعرفة الهوة الفاصلة بين أبناء البلد الواحد. البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الذي يتابع مسيرة سلفه البطريرك الراحل صفير، أكد أن “من غير الممكن أن يكون في دولة أياً تكن، سلطتان وجيشان وإدارتان وسياستان. مقاومة (حزب الله) ضد من؟ خرجنا من المقاومة ضد إسرائيل وأصبحنا في سوريا والعراق واليمن وروسيا. يجب طرح موضوع (المقاومة) على طاولة وطنية بين المسؤولين وإلا قد تتفاقم الأمور، وللدولة جيشها الواحد هو المسؤول عن أمن البلاد والمواطنين”. في حين اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أن “حزب الله مقاومة بحجم استعادة لبنان واستعادة مؤسساته ودولته فضلاً عن حماية وجود الدولة والشعب وكل كيان لبنان، ولولا حزب الله لا وجود للبنان، ولولا سلاح حزب الله لا سيادة ولا دولة ولا مؤسسات دستورية ولا سلم أهلياً ولا عيش مشتركاً ولا تحرير وطنياً”.

ويكرر البطريرك الراعي في عظاته وتصريحاته ومقابلاته الصحافية، موقفه من الحل المناسب للبنان من خلال “مؤتمر دولي خاص، نقاطه: تطبيق الطائف نصاً وروحاً والالتزام به نصاً وروحاً. قرارات مجلس الأمن التي تختص بسيادة لبنان 1559، 1680 و1701، ونحن لا يمكننا تطبيقها، لذلك نحن في حاجة إلى الأسرة الدولية لتطبيقها. على المؤتمر الدولي أن ينظر في قضية الفلسطينيين، وإعلان حياد لبنان الذي لا يمكن أن يدخل في أحلاف وصراعات وحروب لا في الغرب ولا في الشرق”. أما المفتي قبلان فرأى أن “القرارات الدولية ليست إلاّ منصات صواريخ أميركية بحبر يهودي وهي خنجر في صميم سيادة لبنان”، معتبراً أن “المؤتمر الدولي بالصيغة المطروحة بمثابة انتداب، ولن نقبل بأي انتداب”.

كيف يقرأ المراقبون هذين الخطابين المتناقضين؟ وهل هذا التباعد في المفاهيم ينسف أي محاولة دولية لردم الهوة بين اللبنانيين، والاتفاق على صيغة ما لاخراج البلد من دوامته المستدامة؟

عريمط: لبنان صيغة وطنية عربية دولية

شدد رئيس “المركز الاسلامي للدراسات والاعلام” الشيخ خلدون عريمط في حديث لـ “لبنان الكبير” على أن “الحل في لبنان لا يمكن أن يتم الا من خلال وحدة القرار السياسي والعسكري وأن يكون قرار السلم والحرب بيد الجيش اللبناني والسلطة السياسية المتمثلة في مجلس الوزراء. ومقولة إن هناك جيشاً ومقاومة تشبه تماماً مقولة الجيش العراقي والحشد الشعبي والحوثي والمصطلحات الايرانية التي دخلت على قاموس السياسة الوطنية والعربية”.

ورأى أن “على اللبنانيين أن يحسموا خيارهم اما أن يكونوا دولة سيدة حرة عربية مستقلة أو أن يكونوا احدى المحافظات الايرانية كما يحدث في أكثر من منطقة عربية أخرى. نعيش الازدواجية في القرار العسكري، والازدواجية في قرار السلم والحرب، والازدواجية في صداقة العرب ومعاداتهم والازدواجية في حماية لبنان. لبنان اما أن يكون دولة أو لا يكون. اما أن يكون هناك جيش واحد يدافع عن الدولة أو لا يكون. الازدواجية لا يمكن أن تبني وطناً. ما يحدث الآن من بطالة وجوع وحصار وتدني العملة الوطنية وانهيار مؤسسات الدولة نتيجة للولاء المزدوج. لا يمكن أن تبنى دولة بولاء مزدوج. اما أن يكون الولاء للدولة ومؤسساتها والا لا يمكن أن تبنى دولة”، معتبراً أن “كل مقومات الدولة حالياً شبه منهارة بسبب الازدواجية في القضاء وفي وزارة الخارجية وفي الأمن وفي الاقتصاد. علينا أن نحسم خيارنا وأن يكون لبنان أولاً، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً وعربياً”.

وأكد أن “لبنان صيغة وطنية عربية دولية. لذلك، فإن المؤتمر الدولي هو جزء من تأسيس ولادة لبنان الكبير في العام 1920، والميثاق الوطني هو صيغة وطنية عربية دولية، ووثيقة الطائف على الرغم من أنها وثيقة لبنانية ولكن لا يمكن لها أن تعيش أو أن توجد لو لم يكن هناك غطاء عربي ودولي لها. لذلك ليس مستغرباً أن ندعو الى مؤتمر عربي دولي لتطبيق وثيقة الطائف نصاً وروحاً”.

وقال: “عندما تطبق هذه الوثيقة يُنظر إن كانت هناك ثغرات يتم تصحيحها من خلال التوافق الوطني اللبناني، اذ لا يمكن أن ينجح أي فريق في صنع لبنان على مقاس تحالفاته الاقليمية والدولية. لبنان هو في الأساس رسالة وصيغة وطنية عربية دولية”.

أضاف: “لبنان بالصيغة الوطنية وحدها لا ينجح، والصيغة اللبنانية العربية وحدها لا تنجح الا بغطاء دولي لأن لبنان هو رسالة تعايش بين أتباع أهم شريعتين وأكبرهما. لبنان لم يعد ملك نفسه انما هو ملك العرب وملك المجتمع الدولي. اذاً، المؤتمر الدولي يحافظ على الوحدة الوطنية وعلى سيادة لبنان وعروبته وتوثيق علاقاته مع أشقائه العرب ومع الدول الصديقة. هذا المؤتمر مطلب وطني وليس مطلباً طائفياً أو مذهبياً”. ودعا “الجميع الى أن يخرجوا من كهوفهم المذهبية وخنادقهم الطائفية، ويبنوا معاً الدولة الوطنية القوية والقادرة والعادلة. ثقافة المواطنة هي التي تبني لبنان أما ثقافة المناورة والمحاورة فلا يمكن أن تبني وطناً”.

وأشار عريمط الى أن “فائض القوة الذي تتمسك به بعض القوى السياسية لا يمكن أن يستمر ولا أن يبني وطناً سيداً حراً مستقلاً. وفائض القوة لدى فئة من اللبنانيين، اذا استمر فيكون بمثابة دعوة الى كل الفرقاء السياسيين ليمتلكوا فوائض قوة جديدة، وهذا يؤدي الى هلاك لبنان”، مشدداً على وجوب “أن ينتهي فائض القوة وأن يعود هذا الفائض الى الدولة ومؤسساتها الرسمية المنتخبة من الشعب. لا يمكن أن يبنى البلد وهناك فئة من اللبنانيين مسلحة وبقية الفرقاء مشلّحة. اما أن يكون الجميع مسلّحاً أو أن يكون الجميع مشلّحاً لمصلحة نهوض الدولة السيدة الحرة العربية المستقلة التي تملك قرار الحرب والسلم وتبسط سيادتها على الأراضي اللبنانية كافة”.

أبو جمرة: المقاومة تخضع للدولة وليس العكس

من جهته، لفت الوزير السابق اللواء عصام أبو جمرة الى أن “المقاومة عندما كانت ضد اسرائيل، وقف كل الشعب اللبناني الى جانبها. وعندما يكون هناك تعدّ على الأراضي اللبنانية كلنا نحمل السلاح وندافع عن أرضنا. لكن السلاح في الداخل اليوم والتهديد به هو نوع من الانتهازية للسيطرة”، متسائلاً: “ما يجري حالياً في ترسيم الحدود أليس تعدياً على أراض لبنانية عبر البحر؟ لماذا لم نشهد أي تحرك؟”.

وشدد على وجوب “أن يكون لبنان سيداً حراً مستقلاً، وأن يعيش اللبناني في كنف الدولة والجيش”، مشيراً الى أن “المقاومة تخضع للدولة وليس الدولة تخضع للمقاومة، وهذا ما يزعج الناس”.

ورأى أنه “لا يمكن لأي حزب الى أي طائفة أو مذهب انتمى أن يسيطر على لبنان لأن ذلك يؤدي الى حرب لا أحد يريدها. وفي حال انتفت الغاية للقوة أو حين تتحول عن أهدافها الى محاور اقليمية، فإن ذلك يؤدي الى خسارة على المستوى الوطني”، آملاً “أن تأتي الانتخابات بنتيجة تعادل في الموازين لتوفير أزمات مزعجة على البلد”.

شارك المقال