البرلمان الجديد… انقسامات على وقع الانهيارات

هيام طوق
هيام طوق

دقت ساعة الصفر لانطلاق السباق الانتخابي النيابي للعام 2022 بعد مخاض عسير ومسار طويل من التحليلات والتأويلات والعرقلات استمرت لأشهر عدة حتى قيل إنه الاستحقاق الأكثر غرابة والأكثر اثارة، كما اعتبرته الأطراف المشاركة فيه “مصيرياً” وسيحدد مستقبل لبنان بين خيارين متناقضين. في حين تؤكد شخصيات وازنة ولها تاريخ عريق وطويل في العمل السياسي أن الانتخابات مهمة ويجب أن تجري في موعدها كمحطة دستورية تكون بمثابة استفتاء للشعب الذي من حقه اختيار ممثليه في الندوة البرلمانية، لكن لا يجوز القول إنها مصيرية أو مفصلية أو أن ما بعد 15 أيار ليس كما قبله لأن البلد محكوم بالتوافق بين جميع مكوناته، ولا يمكن انتظام العمل السياسي في ظل غياب أي مكون عن المشاركة في الحكم.

وبعيداً من النتائج المتوقعة التي تصدر عن دراسات احصائية تتناقض في كثير من الأحيان خصوصاً وأن النتائج الحقيقية ستكشفها الصناديق في ختام اليوم الانتخابي، لتنجلي الصورة الغامضة التي رافقت الاستحقاق إن كان لناحية نسب المشاركة أو لناحية الربح والخسارة، لا شك أن الثابت الأكيد والواضح الوحيد أن الانتخابات تجري في ظل أزمة سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية واجتماعية غير مسبوقة بحيث فقدت الليرة قيمتها بنسبة 90 في المئة حتى أن اللبنانيين في غالبيتهم باتوا من الفقراء، والجوع يهدد العائلات والأطفال بحسب التقارير الدولية المتعددة.

كل الطامحين الى حجز مقاعدهم في الندوة البرلمانية سيضاعفون الجهود في الأمتار الأخيرة من السباق، والكل سيكون على أعصابه حتى الانتهاء من فرز الصناديق، لكن الأكيد أن يوم 16 أيار سيكون يوماً جديداً مع مجلس نيابي جديد ستتجه الأنظار اليه، وسيكون تحت مجهر المراقبة من الناخبين الذين سمعوا الكثير من الوعود الاصلاحية، كما أنه أمام تحديات كبرى ستظهر مدى التزام ممثلي الشعب بالسير في عملية الانقاذ أو أنهم سيتلهون بانقساماتهم وتصفية حساباتهم، ويتناسون الوعود والخطابات الرنانة المزخمة والمثقلة بالمشاريع والاصلاحات بمجرد وصولهم الى ساحة النجمة.

غداً لناظره قريب، وسيتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ليبقى هاجس اللبنانيين وهمهم الأول والأخير، انكباب البرلمان والمسؤولين على العمل ليل نهار لانقاذهم من أزماتهم، وسط تخوفهم من أن تأتي “الفكرة” بعد “السكرة” الانتخابية خصوصاً أن لديهم تجارب مرّة في هذا الاطار، لكن أوضاعهم الصعبة الحالية لم تعد تسمح بأي تلكؤ أو تواطؤ أو تراجع عن الوعود مع العلم أنه وفق المحللين والخبراء، كل المعطيات والوقائع والأرقام تشير الى أن الوضع في مرحلة ما بعد الانتخابات سينتقل من حالة السيء جداً الى حالة الأسوأ والأخطر.

على أي حال، يبقى السؤال الأهم الذي يسأله الجميع: هل سيعمل البرلمان الجديد على وضع الخلافات والانقسامات جانباً، ويساهم ممثلو الشعب مساهمة فاعلة في وضع برنامج اصلاحي ليسير البلد على سكة الخلاص، أو أن العمل السياسي سيكون مقيداً بالنكايات والكيديات والعنتريات، وبالتالي، الانتحار والانهيار؟

رأى المحلل السياسي أمين بشير أن “الانقسام السياسي الذي نراه على الساحة السياسية اليوم سينتقل الى البرلمان، وهذا واضح بحيث بتنا أمام خيارين ورؤيتين بين فريقين: فريق محور الممانعة والفريق الآخر الذي لا يريد الانزلاق الى هذا المحور. انه انقسام عمودي”، مؤكداً أن “المعركة سياسية بامتياز، ولا يمكن معالجة أي ملف من دون معالجة الوضع السياسي أولاً”.

واعتبر أن “الانقسام سيكون حاداً في المجلس، وهذا يظهر من خلال المواقف والتصريحات والخطابات التي تتخذ الطابع السياسي أكثر منها الاصلاحي أو الاداري أو الاقتصادي”، مشدداً على أن “الأزمة تطال كل الناس الى أي طائفة انتموا، لكن لا حل مجتزأ لها. المطلوب حلّ وطني جامع يبدأ بالحل السياسي لأن سياسة الترقيع والمهادنة والحوار لم تعد تنفع بعد الانهيار الكبير الذي يشهده البلد”.

وتحدث عن “كتلة جديدة مرجحة في البرلمان المقبل ستكون مؤلفة من المجتمع المدني أو قوى التغيير، بغض النظر عن 14 و 8 آذار، ستصب في المواقف الأساسية مع القوى السيادية، وهذا ما يتخوف منه حزب الله”.

وأشار الى أن “البلد متجه الى المزيد من الانهيار اذا لم يتم العمل على كبح الأزمات بحيث أن بعد الانتخابات هناك العديد من المحطات والاستحقاقات والقرارات المهمة، والدول المانحة التي تريد المساعدة وصندوق النقد الدولي يشترطون الاصلاح، وبالتالي، لا يجوز الاستمرار حسب مشيئة طرف معين أوصل البلد الى وضعه الحالي”، لافتاً الى أن “كل المساعدات التي نعوّل عليها للانقاذ لا يمكن أن تصلنا اذا لم يعالج الوضع السياسي، مع العلم أننا لم نتمكن من تشكيل جبهة داخلية تعلن الخيار اللبناني الحقيقي، وتلاقي الدول الى منتصف الطريق”. وأمل “تشكيل مثل هذه الجبهة في البرلمان الجديد لتقف سداً منيعاً في وجه الذين أوصلوا البلد الى الانهيار”.

من جهته، اعتبر المدير التنفيذي في “مركز استراتيجيا للدراسات والاحصاء” مروان الأيوبي “أننا سنشهد في البرلمان الجديد المزيد من الانقسامات بحيث أن القوى السياسية ستنقل خلافاتها الى داخل المجلس المنتخب، وهذا ستكون له تداعيات سلبية”، لافتاً الى “واقع المنطقة ككل غير المستقر لا بل المتفجر الذي ستكون له انعكاسات على الداخل اللبناني”.

وقال: “يجب أن ننتظر نتائج الانتخابات لنعرف حجم التغييريين أو القوى السيادية، لكن أظن أن البرلمان سيكون بمثابة موزاييك منقسم. نأمل أن تشكل جبهة سيادية يكون لها مفعولها في البرلمان”. وأشار الى “انعكاس الوضع السياسي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. والسؤال الكبير اليوم ما هو مصير البلد؟ وهل الاجراءات الاقتصادية التي يتم الحديث عنها ستكون لصالح الغالبية من الناس على مستوى معيشتها وحياتها اليومية؟ كل ذلك سينعكس سلباً على الناس، وله تداعيات على مستوى الشارع”.

ورأى أن “القوى السياسية تخوض معاركها على قاعدة أنا أو لا أحد، والوعود كلها كاذبة في ظل غياب المحاسبة”، واصفاً الواقع بـ “المرعب”.

شارك المقال