الحرب الأوكرانية تصل إلى شمال أوروبا

حسناء بو حرفوش

بينما تتسابق فنلندا للانضمام إلى حلف الناتو، في خطوة تشكل تراجعاً جذرياً عن سياسة الحياد التي تبنتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تواجه أوروبا خطر توسع رقعة الحرب في أوكرانيا لتتحول إلى صراع أوسع. فحسب تحليل لمارك إيبيسكوبوس في موقع “ناشيونال إنترست” (National Interest) الأميركي، قد يحمل توسع الناتو إلى فنلندا والسويد عواقب أشد خطورة مما تتوقع قيادة الحلف.

ويدعم المحلل قراءته بشجب الكرملين المتوقع لقرار هلسنكي، وتهديده برد “انتقامي”. وكانت وزارة الخارجية الروسية قد حذرت في بيان من أن “انضمام فنلندا إلى الناتو سيلحق ضرراً خطيراً بالعلاقات الثنائية الروسية – الفنلندية”. وأضاف البيان: “ان روسيا ستضطر الى اتخاذ خطوات انتقامية، عسكرية وتقنية وغير ذلك، من أجل وقف التهديدات لأمنها القومي التي تنشأ في هذا الصدد”.

وقدمت التعليقات السابقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض الأدلة على ماهية هذا الرد، وتحديداً اتخاذ وتنفيذ قرار بسحب جميع القوات المسلحة على بعد 1500 كيلومتر من حدود فنلندا. وكان بوتين نفسه قال خلال مؤتمر صحافي عقده في العام 2016 مع الرئيس الفنلندي سولي نينيستو: “ان من ينضم الى الناتو سيصبح جزءاً من البنية التحتية العسكرية للحلف، والتي ستوضع بدورها مباشرة مقابل حدود الاتحاد الروسي”. وأثارت تعليقات بوتين إرباكاً على نطاق واسع. فالمسافة بين سانت بطرسبرغ، حيث يقع المقر الرئيسي للمنطقة العسكرية الغربية لروسيا، والحدود الروسية – الفنلندية لا تتجاوز الـ 400 كيلومتر.

واقترح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف إحتمالاً آخر: قدرة روسيا على أن تنشر أنظمة أسلحة نووية وفرط صوتية في منطقة البلطيق. وتجاهلت وزارة الدفاع الليتوانية تهديدات موسكو، قائلة للصحافيين إن الأسلحة النووية “طالما كانت محفوظة” في جيب كالينينغراد الروسي في أوروبا الوسطى. وبغض النظر، ستؤدي زيادة تراكم الأسلحة النووية وإدخال أنظمة نووية أكثر تطوراً أو أنظمة ذات قدرة نووية إلى تفاقم التوترات العسكرية الحالية في منطقة البلطيق.

وأصدر نائب الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، أكبر تهديد مباشر لهلسنكي وستوكهولم حتى الآن. وأوضح “أنهما (أي فنلندا والسويد) تعلمان أنهما في اللحظة التي تصبحان فيها ضمن أعضاء الناتو، سيؤدي ذلك إلى اتخاذ خطوات متبادلة معينة من الجانب الروسي. إذا كانت هناك وحدات تابعة للناتو على هذه الأراضي، فستصبح هذه الأراضي أهدافاً، أو أهدافاً محتملة، لضربة ما”. وقال: “إن الناتو كتلة معادية للغاية بالنسبة الينا؛ إنه عدو، والناتو نفسه يعتبر روسيا عدواً. هذا يعني أن فنلندا والسويد ستنتقلان فجأة من دولتين محايدتين إلى كونهما جزءاً من العدو، وستتحملان جميع المخاطر المرتبطة بذلك”.

وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تدعمان بنشاط انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو. وتعكس جهود القوى الغربية الكبرى لتسهيل موجة جديدة من توسع الناتو مهمتها المستمرة، وهي المهمة التي تم توضيحها ومتابعتها منذ بدء غزو أوكرانيا في 24 شباط، لإضعاف روسيا عسكرياً وعزلها جيوسياسياً. لكن كيف يمكن لموسكو، التي طالما هددت باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية إذا كانت مصالحها الوجودية مهددة، أن ترد إذا شعرت بأنها عالقة ومحاصرة في الزاوية؟

لقد شنت موسكو غزواً على أوكرانيا، جزئياً حسب ما تقول، بدافع القلق من توسع الناتو الزاحف باتجاه الشرق منذ نهاية الحرب الباردة. وقد يكون التحالف قريباً أكثر من أي وقت مضى من حدود روسيا، مما ينذر بتصعيد الصراع بين روسيا والغرب من حرب بالوكالة في أوكرانيا إلى مواجهة أوروبية أوسع مع عواقب وخيمة لا يمكن التنبؤ بها.

وتأتي هذه التطورات في ظل إعلان فنلندا رسمياً، الأحد، عن تقدمها للانضمام إلى الناتو، بحيث عبّرت موسكو عن استيائها من هذه الخطوة إثر إتصال هاتفي أجراه الرئيس الفنلندي السبت، مع نظيره الروسي، على الرغم من وصف المحادثة بأنها “صريحة ومباشرة ولم تشهد أي توترات”.

شارك المقال