“حزب الله” يدفع ثمن سياساته… والسلاح لن يعيد هيبته 

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

على الرغم من كل محاولات “حزب الله” واستخدامه السلاح في معاركه السياسية ضد خصومه، واستفزاز المرشحين ومندوبي اللوائح المضادة، طوال اليوم الانتخابي لا سيما في أماكن نفوذه، وحتى استعراض القوة من جديد عند تخوم عين الرمانة، الا أنها كلها باءت بالفشل، مع الملاحظة أنه فقد سطوته بدءاً من بيئته الحاضنة وصولاً إلى البيئات التي حاول اختراقها، مثلما فعل في البيئتين الدرزية والسنية، وتراجعت قوة حليفه المسيحي، الذي اعتبره رافعة له للهيمنة على لبنان.

ولا شك أن “حزب الله” فقد هيبته وسيدفع ثمن سياساته التي أفقرت الشعب وأوصلت البلاد الى انهيار شامل، وتسبب بانفجار بيروت واغتال مناضلين وناشطين سياسيين معارضين، ما أدى إلى إنهاك الدولة والمؤسسات، والذهاب بلبنان إلى ضفاف “الكيانات الفاشلة”، كما تحددها الأدبيات الأممية.

كيف يمكن قراءة النتائج والمفاجآت التي حصلت وصدمت الكثيرين؟ الواضح أن صناديق المغتربين كان لها التأثير الأكبر في رسم صورة المجلس النيابي الجديد، وفي تعديل نسب الحواصل التي أدت إلى إسقاط رموز وأسماء مدعومة من النظام السوري ومن “حزب الله”، ويمكن القول إن الناخبين حاسبوها على طريقتهم في الصندوق، وعبّروا عن مدى غضبهم من هذه السلطة، وعن رغبتهم في مشروع بديل قادر على انتشالهم من الواقع المر الذي يعيشونه بفعل سياسات المصالح الشخصية والتحاصص بين قوى السلطة بإشراف “حزب الولي الفقيه” الذي غطى فسادها وساهم في انتشاره داخل صفوفه.

والواضح أنه كان للأصوات السنية في بعض الدوائر دور في تعديل الحواصل، ما يؤشر إلى رفض السنة تقديم نصر لنواب “حزب الله” على حساب مصلحة البلد.

ولم تخل صورة الانتخابات من إشكالات عبّرت عن طبيعة المعارك الانتخابية، والتي كانت تحصل في السابق أيضاً، إلا أنه كان واضحاً أن الجيش اللبناني استطاع ضبط الأمور وحماية البلد من استفزازات قد تأخذه نحو توتر أمني لا يمكن لجمه لاحقاً، وكان “حزب الله” نجمها، وجاءت معبّرة عن ارتباكاته، كونه معتاداً عليها. في حين أن شحنه للمشاعر والتعبئة الشعبوية وشراء الأصوات هي التي أوصلته إلى نهاية ما كان يتمنى حصولها في هذه الانتخابات، فدلت المعركة على التغيير في المستقبل، بعد فقدانه الغالبية التي كان يسعى الى الحصول عليها والتحرك نحو فرض رئيس للحكومة من أتباعه، ولاحقاً تنصيب رئيس للجمهورية يمشي في خط العداء للعرب ويتلفح بعباءة “الصداقة” مع إيران.

وتركزت الاشكالات الانتخابية بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، التي باتت حسب النتائج غير النهائية، تمثل الأكثرية المسيحية المارونية، وبذلك سحبت البساط من تحت أقدام “التيار الوطني الحر”، فخسر الحزب حليفاً مسيحياً قوياً، وهو الأمر الذي سيساهم في تعريته وإضعاف دوره. إضافة إلى فشله في السطو على نواب دروز وسنة، ما أفقده الأهلية للخروج إلى العلن والادعاء بأنه يمثل كتلة وطنية لبنانية، ومخاطبة العالم الغربي وفقاً لذلك.

وتقول مصادر مراقبة لـــ “لبنان الكبير”: “شاهدنا الكثير من الاستفزازات الحزبية التي مارسها حزب الله ضد الآخرين، فهناك إشكالات كان يفتعلها أمام مراكز الاقتراع وضد منتخبين من قوى معارضة له، والهدف منها تخويف العنصر المسيحي من الذهاب الى الاقتراع، وبالتالي عدم رفع الحاصل الانتخابي، ليخدم مصلحته، علماً أن الناخب المسيحي كان يأتي من بيروت إلى المناطق والقرى، وثانياً كي لا يسمح بأي مشهديه احتفالية. وكان أيضاً يحاول افتعال قلاقل لمنع الناخبين من الادلاء بأصواتهم وإبطاء العملية الانتخابية لاضعاف صوت القوات”.

لماذا هذا الاستهداف لـ “القوات” تحديداً؟ تجيب المصادر: “لأنه أصبح يرى في حزب القوات العدو القادم الذي سيواجهه من خلال الدعم الذي سيحصل عليه من القوى المعارضة ومن الشارع المسيحي بالدرجة الأولى، ولهذا السبب قرر الدخول في عملية مباشرة في المواجهة، كي يضمن لاحقاً في خطابه السياسي القول بأن حزب القوات عدو كما هو وضع إسرائيل، ووضع الإرهاب سابقاً، وينتقل اليوم بالتدرج نحو وضع القوات في مكانة عدائية للحزب ومشروعه، وبالتالي هذا يسمح له بأن يوتر الأجواء معها في الشارع المسيحي، كما فعل سابقاً مع الشارعين السني والدرزي”.

وتشير المصادر الى الاستفزازات الأخرى التي مارسها “حزب الله”، ومنها “الدخول إلى مراكز الاقتراع والتواجد أمامها بمظاهر مسلحة، مما يعتبر مخالفاً لقواعد الانتخاب وقوانينه بافتعال مشكلات، والتنديد بمرشحين ومهاجمتهم، وإطلاق عبارة (صهيوني…)، وطردهم وإبعادهم عن المنطقة، والخروج في مسيرات مسلحة. وكل هذه المظاهر هي للقول بأنه يحافظ دائماً على دويلته حتى لو سقط بعض مرشحيه أو مرشحين من حلفائه في الانتخابات، ولم يجلب الأكثرية لمصلحته، وما الصراعات التي حصلت في بعض الأقلام إلا دليلاً على أن الحزب يقاتل من أجل بقاء الدويلة وأجندتها المعروفة في خدمة مشاريع إيران ومصالحها”.

وتعتبر المصادر أن “كل هذه المظاهر التي رأيناها تدل على أن حزب الله شعر بالسخونة خلال عمليات الاقتراع، وعلى الرغم من التجييش الذي مارسه لم تتجاوز نسبة الاقتراع الأربعين في المئة، وهذا يعود إلى المقاطعة السنية، والحالة الاقتصادية السيئة للناس، والمزاج الشعبي الذي لم ير أن هناك قوة تغييرية يمكن دعمها، إضافة إلى أن الماكينات الانتخابية الدعائية عملت طوال النهار على تخويف الناس، وحاول الحزب وحليفه التيار الوطني الحر مرات عدة، نتيجة وضعهما السيء، اعاقة عملية الانتخاب، ومارسا أساليب ومخالفات سجلتها المؤسسات والمجموعات المراقبة للانتخابات محلياً ودولياً”.

وتتوقف المصادر عند الهدف من عدم تكبير مشكلة المخالفات، لافتة إلى أن “الخروق التي مارسها حزب الله بشكل واضح تم غض النظر عنها، بهدف تسيير عملية الانتخاب، وليس الصدام معه وتعطيلها، لأنه كان متهيئاً في بعلبك مثلاً لهذا الأمر، وشاهدناه يعمل على إخراج رؤساء أقلام ومندوبي لوائح، من أجل اللعب بصناديق الاقتراع والعمل على التزوير، بعدما تبين حصول مفاجآت انتخابية في أكثر من منطقة”.

وتضيف: “لم يستطع حزب الله حصد الأكثرية والوصول إلى كتل سنية أو درزية يضمها إلى كتلته الكبيرة ويخرج منتصراً، وهو الذي يستطيع وفقاً لما يدعيه مواجهة الغرب وأميركا، وربما كان تصريح ديفيد شينكر قبل الانتخابات بثمان وأربعين ساعة نقطة فاصلة، فكأنه رمى كرة في مرمى الحزب ليستخدمها في عملية الرد بأن أميركا هي من اجتمعت بمعارضين وموّلت مؤسسات وفرضت مرشحين، وتلاعبت بتصنيف لبنان، وضغطت على الاقتصاد. وهو ما استخدمه جبران باسيل في خطاب إحساسه بالخسارة التي مني بها”.

وتشير إلى “الخسارة المذلة لطلال أرسلان، ووئام وهاب وغيرهما، مما يدل على أن الحزب لم يعد بامكانه الاعتماد على شخصيات كانت مؤثرة في المجتمع اللبناني. ومقابلها صعدت شخصيات أخرى من رحم ثورة 17 تشرين معادية فعلياً وكلياً لمنطق حزب الله، ومنها المقعد الأرثوذكسي في الدائرة الثالثة لصالح إلياس جرادي، الذي أسقط أسعد حردان مرشح ماهر الأسد، وفراس حمدان في حاصبيا الذي أسقط مروان خير الدين، أي سقوط رموز النظام السوري المتحالف مع حزب الله”.

لم تجر رياح “حزب الله” بما تشتهيه سفنه، ومؤشر النتائج يدل على أن الصعود الجديد لقوى المعارضة سيتبلور في المواجهة اللاحقة، أي في انتخابات رئيس لمجلس النواب، وفي تكليف رئيس لمجلس الوزراء، وفي انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة. وهذا يعني أن القوى المعارضة يجب أن تتجانس في مواقفها من الاستحقاقات المقبلة، وأن تضع خطة إنقاذية تعمل عليها مجتمعة لاخراج لبنان من أزمته، واستعادته من فوهة جهنم التي توعد بها ميشال عون المواطنين اللبنانيين وكاد ينجح لولا طاقة الأمل التي فتحتها نتائج الانتخابات… لعل وعسى!

شارك المقال