المسيحيون يقترعون… للثوابت والسيادة والشرعية

هيام طوق
هيام طوق

أُعلنت نتائج الانتخابات النيابية الرسمية، وانقشعت معها صورة المجلس الجديد بعد معركة محتدمة دامت لأشهر، غطى غبارها الكثيف الاستحقاق الدستوري بمصيره وتأجيله وتطييره ونتائجه وخروقه ومفاجآته وتحالفاته لكي يصبح المجلس المنتخب، مجلساً شرعياً تشريعياً في 21 أيار الجاري حيث أنه للمرة الأولى يأتي مطعماً بنكهة شبابية تغييرية.

المعركة كانت صعبة وطويلة كما أن النتائج جاءت مفاجئة وعابرة للمناطق وللعائلات وللزعامات التقليدية، بحيث أن المجلس الجديد أحدث انقلاباً نوعياً على صعيد التمثيل الشعبي في أكثر من دائرة، وبدا كأنه لوحة موزاييك نيابية لا يملك أي طرف فيه الأكثرية ما يعني أن هذه الاكثرية هي رهن التحالفات والتفاهمات بين القوى السياسية، فيما شكل التغييريون “بيضة القبان” في البرلمان الذين في حال تحالفهم يمكن أن يؤلفوا تكتلاً وازناً له كلمة الفصل.

وفيما تجري الاتصالات بين القوى المتجانسة لتشكيل التحالفات، يبدو أن كل الأطراف منكبة على دراسة خياراتها لتمرير الاستحقاق الأول المتمثل في انتخاب رئيس المجلس ونائبه، بحيث أن الدستور أعطى مهلة 15 يوماً للمجلس الجديد ليدعو رئيس السن فيه إلى جلسة إنتخاب رئيسه ونائبه.

على أي حال، وبغض النظر عن التحالفات والتفاهمات والاصطفافات المتوقعة، لا شك أن المعركة الانتخابية الأشرس والأصعب كانت على الساحة المسيحية بحيث اعتبر البعض أن نتائج انتخابات 2022 جاءت لتنزع عباءة الزعامة المسيحية عن كتف “التيار الوطني الحر”، وادعاءه القوة التمثيلية الأوسع في الشارع المسيحي، وبالتالي، أتت كصفعة لايقاظ البرتقاليين من سكرة “تسونامي” 2005 خصوصاً أن التيار يعتمد على رافعة “حزب الله” في عدد من المناطق بحيث يفوز النواب بأصوات غير مسيحية.

وفي هذا الاطار، لا بد من قراءة للواقع الانتخابي المسيحي، اذ أن “التيار الوطني الحر” الذي وجه له الناخبون ضربة قاسية في انتخابات جزين اثر عدم تمكن مرشحَيه من تأمين حاصل انتخابي، وكان أيضاً رئيسه النائب جبران باسيل في دائرة الخطر في عقر داره في البترون لأن حواصله كانت أقل من النائب المنتخب غياث يزبك ومتقاربة مع المرشح مجد حرب. من ناحية أخرى، لم يكن تيار “المردة” موفقاً في زغرتا، وتمكن المجتمع المدني من الخرق. هذه النتائج يجب دراستها لأن على ما يبدو المزاج الشعبي تبدل كثيراً، والشباب يريد التخلي عن فكرة الزعامات والتوريث السياسي. وما كان لافتاً في انتخابات 2022 تأثير الشباب على خيارات أهله وليس العكس كما كان يجري سابقاً.

اعتبر المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ أن “المواجهة الديموقراطية كانت واضحة على الثوابت التاريخية للبنان: الحرية والسيادة وحقوق الانسان والإصلاحات البنيوية في السياسات الماليّة – الاقتصاديّة -الاجتماعيّة. لبنان المنتمي إلى الشرعية العربيّة والشرعية الدوليّة. بهذا المعنى يمكن تسجيل 3 مشاهدات: أوّلاً، التصويت الوطني لهذه الثوابت وعودة قوية للقوى التغييرية والسيادية في كل المكونات اللبنانية إلى هذه الثوابت. ثانياً، هناك تصويت عقابي من كل المكونات في مواجهة القوى الحزبية التي خرجت عن هذه الثوابت. ثالثاً، انخفاض مستوى التصويت يؤشر عملياً الى انكفاء بعض القواعد الحزبية عن التصويت للقوى التي تنتمي إليها يأساً منها، وهذا له دلالات كثيرة”.

وردّاً على سؤال حول المشهد الانتخابي في الشارع المسيحي، قال الصائغ: “من الواضح أن هناك استعادة وجدانية لمرحلة قيام دولة لبنان الكبير بما يعني استعادة قيم الحرية، والشراكة الميثاقيّة الإسلاميّة – المسيحيّة، وحقوق الانسان، والحياد، وقيم الابداع وطرح الحياد، خصوصاً في المكوّن الوطني المسيحيّ، لكن في المكوّن المسلم أيضاً، والمكوّن المدني العلماني، ما سيؤدّي الى قيام جبهة تحالفات عريضة عابرة للطوائف والمناطق، وهذا مؤشّر صحّي وواعد. بهذا المعنى، لا يمكن الكلام عن تبدل مزاج في المكون المسيحي وحسب، ولكن تبدل مزاج في كل المكونات الوطنية”.

أضاف: “كل هذا يعني أن التغيير البنيوي بدأ في لبنان ويمهد لمرحلة جديدة، والتحدي فيما بعد اعلان نتائج الانتخابات وكيف ستقوم الكتلة الوازنة التغييرية والسّياديّة في المجتمع المدني بالتقاطع مع القوى السيادية والتغييريّة التقليدية لتحمل مشروعاً وطنيّاً أساسه تطبيق الدّستور بكلّ مندرجاته يؤمّن للبنان مظلة أمن قومي تعيد له هويته الحضارية وتستردّ للدّولة شرعيّتها المخطوفة، وتعيد ربطها بالعالم العربي وبالمجتمع الدولي، وتنشئ سياسات عامّة اصلاحية مستدامة واضحة بنيوية وقطاعية انطلاقاً من سلم أولويات واضح، وهذه هي الأجندة الأساسية التي تشكّل التحدي لهذه القوى التغييرية والسياديّة”.

وشدد الصّائغ على أن “النتائج أصبحت وراءنا والتحدي اليوم بناء سلم الاولويات مع العمل ضمن الكتلة الوازنة التغييرية والسيادية ضمن تقاطع واضح ودينامية عمل على مستوى السلطة التشريعية وعلى مستوى السلطة التنفيذية في كل الاستحقاقات الدستورية المقبلة”، متسائلاً: “هل ستتحرك هذه القوى بشكل تقليدي؟ هل ستكون في حالة ارتباك؟ هل ستلتقي على دينامية تخطيط وأجندة واضحة؟ وكيف ستتعاطى مع الهجوم التخويني الذي بدأت تتعرض له من قوى المحور؟”.

وفي قراءة عامة، لفت مدير “مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية” سامي نادر الى أن “القوى المتحالفة مع حزب الله تراجعت لصالح القوى المناهضة للحزب”، مشيراً الى أن “حزب القوات اللبنانية حصل على نسب أكبر من الأصوات، لكن في حال كان للتيار والقوات كتلتان متوازيتان، نلاحظ أن هناك تقدماً لجهة على حساب أخرى لأنه لو عدنا الى الوراء الى سنة 2005 أين كان التيار وأين هو اليوم؟”.

وتحدث عن “الوجوه الجديدة والخروق التي حققتها على الساحة السياسية إلا أن الأحزاب لا تزال القوى المسيطرة”.

شارك المقال