رئاسة الجمهورية… “المرشحون” مشكلة والمطلوب حل

هيام طوق
هيام طوق

انطلقت باكراً حملة رئاسة الجمهورية مستبقة معركة الانتخابات النيابية التي لم تأت على قدر طموحات الساعين للوصول الى القصر الجمهوري في 31 تشرين الأول المقبل بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، الذي شهد أسوأ الأزمات في تاريخ لبنان حتى بات الحديث في الكواليس السياسية عن الخطر الداهم على الدولة والكيان والمؤسسات الرسمية وعلى البلد برمته.

قبل الاستحقاق النيابي، جمع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله قطبين مسيحيين هما رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل باعتبار أن أحدهما سيكون رئيس الجمهورية المقبل، وسط معلومات أشارت الى أن حظوظ فرنجية أقوى من باسيل لأسباب عدة منها داخلي ومنها له علاقة بالعقوبات الأميركية، لكن “حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر”، فجاءت انتخابات دائرة الشمال الثالثة لتخلط الأوراق الرئاسية، كما أن نتائجها أتت مليئة بالدلالات التي تستحق المراجعة المعمّقة والموضوعية.

في “دائرة الرؤساء” التي تضم زغرتا والكورة والبترون وبشري بلغت نسبة الاقتراع 44.2% بحيث حلّ مرشح “القوات اللبنانية” النائب المنتخب غياث يزبك أولاً، وتفوّق بأكثر من ٢٠٠٠ صوت على باسيل، فيما أصيب تيار “المردة” بنكسة اذ لم يتمكن من التمثّل الا بالنائب طوني فرنجية ما يعني أن المرشحَين الأساسيين لرئاسة الجمهورية، باسيل وفرنجية، أصيبا بخيبة وبتصدع “معنوي” وشعبي لأنهما هُزما في عقر داريهما على الرغم من أن انتخاب رئيس الجمهورية يرتكز على حسابات داخلية وتسويات “جهنمية” على ايقاع التطورات الاقليمية والتدخلات الدولية.

وقبل أشهر قليلة من الاستحقاق الرئاسي، تكثر الأحاديث والتحليلات حول شخصية الرئيس وحيثيته التمثيلية والشعبية وتموضعه السياسي وموقعه الاجتماعي وقوة “عضلاته”، أو مقاربة الملف الرئاسي انطلاقاً من قاعدة الأقوى في الشارع المسيحي أو إسقاطها من الحسبان بعد التجربة الحالية الفاشلة. إلا أنه يغيب عن بال الفاعلين والمقررين في البلد أن المطلوب واحد: قبطان ينقذ السفينة بمن فيها قبل الغرق الكامل في قعر البحر.

وإذا كان هناك الكثير من الضبابية حول الاستحقاق الرئاسي، وما اذا كان سيتم انتخاب رئيس جديد بعد انتهاء العهد الحالي أو أن الفراغ سيكون الحَكم الأكبر، فإن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي شدد في حديث سابق لموقع “لبنان الكبير” على “أهمية انتخاب رئيس جديد قبل شهرين من انتهاء الولاية الحالية كي لا نقع في الفراغ”. وحدّد في عظاته صفات الرئيس الانقاذي الذي “يعمل على تحديثِ علاقاتِ المكونّاتِ الميثاقيّةِ في ظل دولة قادرةٍ على استيعاب التعدّديّةِ واحتضانِ الجميع في نظامٍ لامركزيٍّ موسّع. ويعمل ساعياً على أن يتوحّد الولاءُ، ويُلتزَم بالحيادِ، وتُطوى جميعُ المشاريعِ الدخيلةِ على وطنِنا ومجتمعِنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان، ويَنظر الأفرقاءُ إلى بعضِهم البعضِ كشركاء وأخوة، لا كأعداء وإقصائيين. ويصبّ الرئيس الجديد قواه على تعزيزِ استقلالِ لبنان وسيادتِه وهُويّتِه الأصيلةِ من خلالِ شرعيّةٍ ملتزِمةٍ بالدستورِ والميثاق”.

وفي وقت تختلف فيه الأطراف حول مواصفات الرئيس للمرحلة المقبلة الأصعب والأخطر، لا شك أن المنازلة الرئاسية ستكون الأقوى والأعنف بين شخصيات انكسرت صورتها أمام الرأي العام وبين رئيس حزب “القوات” سمير جعجع الرابح الأكبر على الساحة المسيحية، لكن فريق الممانعة يعتبره استفزازياً ولن يقبل به كرئيس للجمهورية. ولا بد من الأخذ في الاعتبار المزاج الشعبي الذي صوّت ضد المنظومة بهدف التغيير، والاستحقاقات المقبلة التي لن تمر كسابقاتها على طريقة التسويات والصفقات و”مرقلي تمرقلك” لأن الشعب قال كلمته وسيقولها بشكل مدوّ في الاستحقاق الرئاسي من خلال الضغط على المجلس النيابي كي يحسن الاختيار كما يقول أحد السياسيين.

وفي السياق، شدد الوزير والنائب السابق إدمون رزق في حديث لموقع “لبنان الكبير” على وجوب “أن يختلف الرئيس المقبل عن الرؤساء السابقين والا فالبلد الى زوال”، مشيراً الى خصائص يجب أن يتمتع بها الرئيس بمعزل عن الانتماء، ومنها: “أن يفكر في مصلحة البلد ويضعها كأولوية، وألا يكون أنانياً ولديه مصالح شخصية وتبعية. وعليه أن يكون عارفاً أولاً، ومخلصاً للبنان ولا يريد مصلحته الخاصة انما مصلحة البلد وأهله ويعمل ليل نهار ويتمتع بحس المسؤولية”. وأعرب عن أسفه “لأن الذين يصلون الى مركز الرئاسة تهمهم الحركات السطحية بدل أن تكون لديهم مواقف مبدئية. انتخب من تولوا الرئاسة كي يخرّبوا البلد بدل أن يعززوه ويبنوه”.

وقال: “أنا مع الرئيس القوي بفكره وأخلاقه وعلمه ووطنيته ومحبته وتفانيه في العمل لمصلحة بلده. القوة ليست أن يكون معه فريق من الطبّالين، بل القوة تكون في شخصه وأخلاقه وليس بزنوده والا لكنا أتينا بمصارع الى الرئاسة لأنه قوي”. ورأى أن “القوة الحقيقية ليست في الأكثر تمثيلاً في المجلس النيابي بل في طبع الرئيس وثقة الناس به، وأن تكون لديه مواصفات المسؤول والقائد والخادم لأن الرئاسة ليست للوجاهة”.

أضاف: “من الممكن أن يأتي الرئيس من خارج الندوة البرلمانية لأن الدستور لم يشترط أن يكون نائباً، لكن عليه أن يكون مؤهلاً. وأنا لا أدخل في لعبة الأسماء لأن المواصفات أهم منها. ليس التنازع على الكراسي المهم انما المؤهلات والكفاءات وأولها المعرفة والارادة. لا يجوز الاعتماد على مقاييس عادية لاختيار رئيس استثنائي لمرحلة تاريخية مفصلية من حياة لبنان”.

وأكد أن “على الشعب أن يكون الضمانة لوصول الأشخاص المؤهلين من خلال الضغط على النواب كي يحسنوا الاختيار. المسألة ليست فئوية أو عائلية أو قبلية انما مسألة مصير وطن”، معتبراً أن “هناك شغوراً في مركز الرئاسة منذ سنوات، والمطلوب أن يُملأ بالكفاءة والأهلية والاحتكام الى العقل والضمير لتأكيد الخيار السليم، اذ لا يجوز التلاعب بمصير الوطن المهدد في صميمه”.

من جهته، قال الوزير والنائب السابق إيلي ماروني: “في المبدأ يجب أن يكون للبرلمان الدور الرئيس في اختيار رئيس الجمهورية، ولكن في البلد هناك حسابات دولية واقليمية وتوازنات هي التي توصل الشخص الى الرئاسة”. وشدد على أن “تجربة الرئيس الطرف فشلت، لذلك فإن مرشحي الدائرة الشمالية هم أطراف ولم يعد البلد قادراً على تحمل يوم واحد من التعثر، فكيف الحال 6 سنوات مقبلة؟”.

ودعا الى “اختيار رئيس جمهورية قادر على لم شمل الجميع وأن يكون بي الكل في الواقع وليس بالشعارات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من لبنان”، مشيراً الى أن “مواصفات الرئيس القوي أثبتت أنها ليست ضرورية، وهذا ما اختبرناه خلال السنوات الماضية. لذلك، الرئيس الحكم والوطني والمعتدل والذي يتواصل مع الجميع هو الرئيس المطلوب. لم نعد نريد حسابات طائفية ومذهبية وسياسية لصالح هذا الطرف أو ذاك والبلد ينهار والشعب يجوع”.

ورأى أن “على من يطرحون أنفسهم لرئاسة الجمهورية أن يخجلوا من هذا الطرح لأن البلد بات في مهب الريح وهم جزء من المشكلة. واليوم، المطلوب ايجاد شخص يكون حلاً وليس مشكلة. على الأطراف المشاركة في خراب البلد أن تصمت وترحل، وليس لها حصة في رئاسة الجمهورية”.

ولفت الى أن “علينا أن ننتظر استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب كي نرى سلوك التغييريين”، معتبراً أن “لبنان مليء بالكفاءات القادرة على تحقيق الحلم ببناء دولة من خلال شخص نزيه وخارج كل الاصطفافات وشفاف وقادر على لم الشمل وعلى مخاطبة الجميع”.

شارك المقال