عن نائب منتخب سقط غفلة في جبل محسن

إسراء ديب
إسراء ديب

فوجئ الطرابلسيون بمقطع مصوّر التقطه بعض الشبان للنائب المنتخب فراس سلوم الذي كان قد ترشح عن المقعد العلوي في طرابلس ضمن لائحة “التغيير الحقيقي”، محمولًا على الأكف يُغني ويرقص مع عدد من أهالي جبل محسن على إيقاع أغنية تُناصر النظام السوري ورئيسه بشار الأسد الذي يُعارضه معظم سكان مدينة طرابلس، مع إطلاقه شعارات لا تتناسب وتوجهات أهالي الفيحاء.

لم يتمكّن الطرابلسيون بعد هذا الفيديو الذي انتشر سريعًا شمالًا، من التحكم بغضبهم وعتبهم على هذه اللائحة وأعضائها وهي لائحة كانت تُنادي بضرورة محاربة الفساد السياسي في البلاد، الأمر الذي خلط فعليًا “الحابل بالنابل” ودفع بعض الأعضاء إلى إطلاق بيانات استغربوا فيها تصريحات سلوم وتصرّفه الذي لم يكن واضحًا. فمن غير المنطقيّ أن تتضمّن هذه اللائحة التي كانت ترفض السلاح غير الشرعي وتدخل أحزاب داخلية بحروب خارجية، مرشحًا مناصرًا بشكلٍ علنيّ لنظام قتل شعبه ببرودة أعصاب وتدخل بسياسة النظام اللبناني، متعدّيًا خاصّة خلال فترة الحرب الأهلية حتّى في مراحل زمنية تلتها، على أبناء طرابلس الذين لم ينسوا قسوة النظام “الأسديّ” الذي ابتلع حقوقهم وقطع بسلاحه وبطشه آمالًا وطنية علّقت على المشانق والجدران المليئة بدماء الضحايا كان آخرها تفجيريّ التقوى والسلام.

إنّ سلوم المغترب العائد من أستراليا للانخراط في العمل السياسي، حاول توضيح موقفه ببيانات أو بظهور إعلاميّ ليُؤكّد أنّه نائب عن الأمّة كلّها ويحمل هموم ومشاكل كلّ الناس من دون استثناء، لكن لا يُمكن التعويل على هذا التوضيح أو الردّ الذي يبقى غير كاف مقارنة بحجم الصدمة الذي خلّفه هذا المقطع الذي لطالما كانت انعكاساته مستفزة، إذْ يُحاول سلوم أو المقرّبون منه تبرير هذه الواقعة بأنّها كانت عفوية ولا يُقصد منها الإهانة بل هي مرتبطة باحتفالات شعبية غير منظمّة، لكن من يرصد ردّ فعل سلوم في هذا الفيديو، سيرى فرحة كبيرة لم يتمكّن من إخفائها، وهو حافظ لكلمات أغنية تُمجّد الأسد عن ظهر القلب ولم يتردّد في البوح بكلماتها أمام العلن، وفي الوقت عينه، لا يُمكن القول أنّ هذا الرجل الذي قرّر أن يكون نائبًا عن طرابلس، سيكون غافلًا عن قدرة أيّ شخص موجود في الاحتفال من تصويره، وكان يُمكنه (لو أراد) التعامل مع الموقف بديبلوماسية والتنصل من هذه المسؤولية بحنكة يفتقدها معظم العاملين في المجال السياسيّ محلّيًا.

في المقابل، ليس خافيًا تمتّع منطقة جبل محسن بخصوصية واضحة سياسيًا، دينيًا، عائليًا، ومناطقيًا وهي حقيقة يُدركها أيّ طرابلسي وأمر واقع فُرض على هذه المدينة سياسيًا واجتماعيًا، وبعد معارك عدّة واجهتها المدينة وتحمّلت عواقبها بين منطقتيّ بعل محسن وباب التبانة، عانت المنطقتان من صعوبة في إعادة الاندماج مع الاختلاف الجذري بينهما، في وقتٍ يُدرك أبناء طرابلس أنّ معظم سكان الجبل يُناصرون سياسة المحور السوري، لكن المفارقة أنّ النواب الذين وصلوا إلى مواقع ومناصب رسمية، لم يكن ليُظهر أيّ منهم هذه السياسة مباشرة، خلافًا لسلوم الذي يُطالبه الكثير من الطرابلسيين اليوم بالاستقالة فورًا.

سلوم والتغيير الحقيقي

بعد انتشار الفيديو الذي أحدث بلبلة كبيرة، اتُهمت لائحة التغيير الحقيقي بطرفيها النائب المنتخب إيهاب مطر و”الجماعة الإسلامية” بتحالفهما، باحتيالها على الناس، كما باتهام النائب المنتخب سلوم بأنّه “أخفى حقيقة يُدركها الجميع”، وفق ما كان يتردّد، خاصّة أنّ اللائحة وقبل فترة الصمت الانتخابيّ كانت قد جالت في جبل محسن أيّ منذ أيّام.

وعلى الأثر، أصدر مطر بيانًا أعلن فيه صدمته من الشعارات التي رافقت احتفالات سلوم بالفوز، والذي ضرب بها “كلّ ما توافقنا عليه، خصوصًا أنّه كان يُخفي هذا الانتماء السياسي الذي تعترض عليه طرابلس ولا يشبهها ودماء شهداء التقوى والسلام لا تزال تنتظر تسليم المجرمين، وكنّا نتمنّى التزام سلوم بالبرنامج المتفق عليه ضمن لائحة “التغيير الحقيقي”، قبل أنْ ينكث بعهده…”، داعيًا إياه إلى الاستقالة.

أمّا الجماعة الإسلامية في طرابلس والشمال، فقالت في بيانٍ: “نحن براء من أفعاله ومن أقواله، ونعلن أنّه لا يمثّلنا، ولا يمثّل لائحة التغيير الحقيقيّ، التي كنّا شركاء فيها”.

واقعة سلوم كانت بمثابة هدية لكثيرين أزعجهم الحضور القوي المفاجئ لرئيس لائحة “التغيير الحقيقي” الشاب المغترب ايهاب مطر الذي أمطروه بـ”اتهامات باطلة لا تشبهني” على حد قوله، إذ أنه بعيد عن حساسيات فرعية كهذه على أهميتها، فيما حساسيات كهذه لا يمكن ان تغيب عن طرف سياسي عتيق مثل “الجماعة الاسلامية” شريكة مطر في تشكيل اللائحة بوجود أمينها العام عزام الأيوبي، الذي كان يفترض أن يكون “العين الساهرة” على أسماء ووجوه الأعضاء وميولهم السياسية وتجانسها مع مزاج مدينة عاشت لسنوات في حسابات “المحاور”.

وعن تفاصيل هذه الحادثة التي أثارت الجدل، تواصل “لبنان الكبير” مع الناطق الإعلامي لسلوم (رفض البوح باسمه) والذي قال: “إنّ الاحتفال الذي نشر افتراضيًا لا يُعدّ منظمًا، إذ تمّ تنظيم احتفال رسمي واحد في صالة دعي إليها الناس واستقبلهم سلوم الذي ألقى كلمة بعد فوزه”.

وإذْ اشار إلى أنّ الجبل احتفل بسلوم بإقامة احتفالات شعبية عفوية عدّة في كلّ حيّ، منها الحيّ الذي صوّر فيه المقطع، يُؤكّد أنّ موقف سلوم واضح ويتوافق مع رؤية “التغيير الحقيقي”.

أضاف: “لا ندري ما إذا كان التصوير مقصودًا أم لا بهدف إثارة البلبلة أو إفشال اللائحة مع التناغم الذي تتمتّع به، لكن سلوم لم يكن يومًا تابعًا لأيّ حزب، بل لديه قدراته وفريق عمله الخاصّ الذي يُحاول من خلاله مساعدة أبناء البلاد للنهوض بهم جميعًا وليس في الجبل فحسب، ولهذا السبب ما نشر لا يُعبّر عن موقف سوريّ على الرّغم من خصوصية الشارع العلوي المعروف بولاء معظم أبنائه للنظام، ووضعت أغنية نشغلها جميعًا في الاحتفالات والأعراس، وهو لم يتمكّن من قول (لا) لهم كيّ لا يكسر بخاطرهم”.

وعن تواصل سلوم مع مطر بعد الحادثة، لفت إلى إجراء اتصالات ثنائية بينهما لتوضيح تفاصيل ما حدث، مؤكدا “لن يتجه سلوم إلى الاستقالة، وهو لم يغش أحدًا، وبالتالي إنّ سلوم كان شدّد على ضرورة الاندماج مع المجتمع الطرابلسي، فكيف يعمل على الاندماج ويدفع المحيط إلى النفور منه؟ والحقيقة أنّ موقف سلوم واضح من ضرورة إقامة علاقة جيّدة مع المحيط العربي والخليجي والسوري تحديدًا لأنّه يوصلنا إلى العمق العربي”.

شارك المقال