الحكومة تودّع اللبنانيين بالانهيار… والتأليف طار

هيام طوق
هيام طوق

على وقع الأزمات المتفاقمة والخانقة والحارقة، عقدت حكومة “معاً للانقاذ” جلستها الوداعية، هي التي وعدت الشعب ذات يوم بـ “المن والسلوى”، لكنه لم يستطعم سوى بالمر والعلقم، وبأنه سيخرج من نار جهنم ليضع يديه ورجليه في مياه باردة، ويعيش في نعيم دولة فعلية، لكن مقولة “ع الوعد يا كمون” خير وصف لحال الناس الذين حاصرتهم نيران الأسعار المتنقلة من المحروقات الى الخبز وشح الطحين، الى أدوية الأمراض المستعصية وفقدانها، الى قطاع الاتصالات المهدد بالاستمرارية، الى القطاع الكهربائي المعلق على حبال التوتر العالي الوهمي، والحبل على الجرار طالما التلاعب قائم… بسعر صرف الدولار.

كل ذلك ليس مستغرباً، بل على العكس فالمؤشرات والدلائل كانت تشي بأن الآتي أعظم نتيجة اعتماد سياسة “الترقيع” في حل التراكمات بدل السير وفق استراتيجية مستدامة، واعطاء إبر مورفين وجرعات تخدير لقطاع من هنا وآخر هناك لتمرير مرحلة ما قبل الانتخابات بأقل خسائر ممكنة، بدل أن تقر المشاريع الفاعلة وبشكل جذري للخروج من “عنق الزجاجة” ليبقى الانجاز الوحيد الذي سجّل للحكومة هو اجراء الانتخابات النيابية.

واشتعلت المنابر بالتصريحات والمواقف بين من يشددون على ضرورة أن تنجز الحكومة في جلستها الوداعية كل ما عجزت عنه على مدى أشهر سعياً الى تسهيل مهمتها في مرحلة تصريف الأعمال التي على ما يبدو ستدوم الى فترة طويلة، وبين من يحذرون من أن تتسلل الحكومة نحو اجراءات تتخذ طابع “التهريبة” على حساب المواطنين، وهذا ما حذر منه عدد من النواب المنتخبين الجدد خصوصاً التغييريون الذين أكدوا أنهم سيكونون بالمرصاد لأي اجراء ليس بمقدور الناس تحمله.

كل الدلائل تشير الى أن المرحلة ضبابية وقاتمة ليس على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وحسب، انما على الصعيد السياسي أيضاً في ظل الكباش الحاصل بين الأطراف السياسية التي وضعت طبخة الحكومة المقبلة على نار حامية على الرغم من أن الكثير من المحللين يشكك بإمكان التأليف لأسباب كثيرة، مع العلم أن القوى السياسية تطرح الملف الحكومي من “باب عال” بحيث تتشبث كل جهة بشكل الحكومة ومواصفاتها وهوية رئيسها، والانقسام حاد بين من يريدها حكومة وحدة وطنية ومن يريدها حكومة مستقلين واخصائيين مع قدرة أي جهة على التعطيل، ما يحتم عدم تشكيلها في ظل دخول معطيات جديدة على خط التأليف من خلال إعادة طرح اسم نواف سلام لرئاسة الحكومة.

مجلس الوزراء الذي تفادى مناقشة الكثير من الملفات الخلافية قبل استحقاق 15 أيار، أعدّ جدول أعمال فضفاضاً ومكثفاً لطرحه في جلسته الأخيرة في قصر بعبدا، مؤلفاً من 133 بنداً، ولكن بغض النظر عن نتائج الجلسة ومقرراتها، كان لافتاً موقف الديبلوماسي الأميركي دايفيد هيل الذي عمل سفيراً لبلاده في لبنان، حين تحدث عن أزمة حكومية ستطول، وشلل يصيب البلد في الأسابيع وربما الأشهر المقبلة.

هذه الأجواء ليست بعيدة عن أجواء مصادر مقربة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أشارت لموقع “لبنان الكبير” الى أن “البلد ذاهب الى المجهول على الصعيد الحكومي، والكل بانتظار الجلسة الأولى لمجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه، ولتكوين الانطباع الأول إن كان المنحى نحو المزيد من الاحتكاك على مستوى القوى السياسية أو هناك وحدة في التوجه نحو التهدئة”.

وفي حين يتم التداول في شروط يطرحها الرئيس ميقاتي في حال تسميته لتشكيل الحكومة، بمعنى أنه يريد حكومة تنجز للخروج من النفق ولا تكتفي بإدارة الأزمة، أكدت المصادر أن “الرئيس ميقاتي يشترط شبه اجماع حوله من القوى السياسية، وأن يكون التشكيل في وقت سريع، وتحديد مهمة الحكومة بوضوح كي يستطيع الانجاز”.

وشددت المصادر على أن “لا وعود للرئيس ميقاتي بإعادة التشكيل لأن مجلس النواب هو من يسمّي الرئيس المكلف. والرئيس ميقاتي لا ينتظر أي شيء من أي طرف انما ينتظر سير اللعبة الدستورية كما يجب لا أكثر ولا أقل”، موضحة أن “لا علاقة لعدم ترشحه للانتخابات النيابية بوعود تلقاها لاعادة تكليفه. فهو لم يترشح لأنه اعتبر نفسه في موقع الحكم وليس مضطراً الى أن يكون طرفاً. وبالتالي، اعادة تسميته من عدمها منوطة بالمجلس النيابي الجديد”.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي جوزيف أبو فاضل أن “لا حكومة جديدة قبل نهاية ولاية العهد الحالي في 31 تشرين الأول المقبل، وبالتالي، ستستمر حكومة الرئيس ميقاتي في تصريف الاعمال”.

وقال: “في حال تشكلت الحكومة، فإن اسم السفير نواف سلام مطروح بقوة، لكن رئيس الجمهورية ميشال عون لن يوقع تشكيلته الوزارية لأن الأكثرية لن تكون لفريقه كما لن يكون للنائب جبران باسيل دور فيها، ولن يحصل على الوزارات (المدهنة) التي يسعى الى الحصول عليها لأن الوزارات السيادية والخدماتية ستوزع وفق مصلحة اللبنانيين. لن يكون هناك بعد اليوم موقع ودور للغنج والدلع السياسي للنائب باسيل، بل ستكون المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار نظراً الى الوضع المتفاقم”.

أضاف: “النائب المنتخب أشرف ريفي يحاول أن يكون له دور في هذا الاطار، لكنه يواجه صعوبة في ذلك لناحية عدم تقبل حزب الله له. أما الرئيس ميقاتي فيمكن طرح اسمه كحل وسط، لكن حظوظه مقيّدة بتدخل الرئيس الفرنسي أو عدم تدخله كما هناك اختلاف في وجهات النظر بينه وبين العهد خصوصاً في ملف الكهرباء. وبالتالي، الرئيس عون يسعى الى أن تستمر حكومة الرئيس ميقاتي الى 31 تشرين الأول المقبل في حين يحاول النائب باسيل تدوير الزوايا من خلال زيارته الى سوريا مع وفد من النواب والوزراء في منتصف حزيران المقبل” .

ورأى أن “المجلس النيابي ليس كما يشاع أنه مؤلف من موزاييك نيابي بل منقسم الى قسمين: قسم مع قوى المعارضة والقوى التغييرية وآخر مع فريق 8 آذار، وبيضة القبان في المجلس هي للحزب التقدمي الاشتراكي”، لافتاً الى أن “باسيل مستقو بعضلات غيره لأنه حصل على 9 نواب بأصوات الطوائف الأخرى، وهذا ما يحمّله عبئاً ثقيلاً، وأن يكون ملتزما بالخط الذي أوصله الى هذه النتيجة” .

وأشار الى أن “التيار الوطني الحر يصرح بشيء لكنه يلتزم بما يمليه عليه حليفه، وهو يعيش حالة من التناقضات ومن الانهيار والمشكلات داخل التيار وخارجه. أما القوى التغييرية فتجمعها مصيبة واحدة وهي رغبتها في أن تثبت للشعب أنها قوى تغييرية فعلية، وهي أمام اختبار صعب في انتخاب نائب رئيس المجلس النيابي، فحينذاك تظهر مدى التزامها مع بعضها البعض ومع القوات اللبنانية”، مذكراً بأن “حزب الله ينتظر نتائج المفاوضات الأميركية – الايرانية، والنقاشات السعودية – الايرانية. نحن أمام مرحلة انتظارية، ولكن في هذا الوقت هناك انهيار اقتصادي كبير”.

شارك المقال