إلى “المزايدين الجدد”… الحريرية “أدرى بشعابها”!

عبد السلام موسى

يتنطح بعض “المزايدين الجدد” على الرئيس سعد الحريري بالقول إن ما ميّز انتخابات 2022 “حدث فريد” تمثل بقراره تعليق العمل السياسي، والعزوف عن خوض الانتخابات ترشحاً، من دون أن يروا، لـ”غايات في نفس سنيورة”، سلسلة “أحداث فريدة” وُلدت من رحم “قرار الحريري” الذي صعق الحياة الوطنية بخطوة من خارج الكتاب التقليدي للممارسة السياسية.

كان الأجدر بـ”المزايدين الجدد”، ولا سيما المسؤول الاعلامي للرئيس فؤاد السنيورة الزميل عارف العبد، أن يتحدث في مقاله في موقع “المدن”، أولاً عن “الحدث الأفرد” الذي أفرزته نتائج انتخابات 2022، ولا سيما في العاصمة بيروت، وما شهدته من “سباق مخز” على إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من قبل رفيق دربه الرئيس فؤاد السنيورة، الذي شمّر عن زنوده، ونزل إلى الميدان “يواجه” بالمزايدة على “أخيه سعد”، ومنيَ بخسارة مدوية، تكاد تكون عبرة لمن يريد أن يعتبر، أن السباق على إرث رفيق الحريري “سباق فوق الشوك”!.

بعض الدائرين في فلك السنيورة، من شخصيات وزملاء إعلاميين كانوا حتى الأمس القريب في قلب “بيت الوسط” و”تيار المستقبل”، ولا سيما عندما كان السنيورة في صلب دائرة القرار، ممثلاً لـ “تيار المستقبل” على رأس حكومتين، ورئيساً لكتلته النيابية على مدى 9 سنوات، وأخاً للرئيس الحريري في نادي رؤساء الحكومات، لم يتعلموا على ما يبدو، أو لا يريدون أن يتعلموا، من أخطاء من سبقهم من “خوارج” في الإصرار على تحميل الحريري ذنوب كل شيء، حتى تحميله مسؤولية “ثقب الأوزون”، والأنكى، إصرارهم على المزايدة عليه، في عز تعليقه العمل السياسي وإخلائه الساحة لهم، وتحميله مسؤولية مشاركتهم في انتخابات قدموا فيها أنفسهم كبديل عن الأصيل، ولكن اتضح أنهم كانوا أوهن من الظفر بنائب واحد في العاصمة بيروت، على الرغم من كل ما استنفروه من عصبيات دينية وطائفية ومذهبية وسياسية وحريرية حتى!.

أراد الزميل العبد أن يقرأ في تحولات المشهد الانتخابي بالنسبة الى “تيار المستقبل”، ولكن بـ”المقلوب”، وحاول كعادة “الخوارج” أن يُعلق “خيبة” هزيمته النكراء في الانتخابات على شمّاعة الحريري الذي لم يخضها، لكونه، وبخلاف ما يدّعون بكيدية، كان أول من تلقف نبض اللبنانيين في ثورة 17 تشرين، وقدم استقالة حكومته استجابةً لإرادتهم، واستمر كذلك في ظل “إنكار” باقي القوى السياسية، وفي مقدمهم السنيورة مثلاً، لنبض اللبنانيين و”الجماعة السنية” كما يسمّونها، وصولاً إلى اتخاذه القرار بتعليق العمل السياسي وعدم خوض الانتخابات ترشحاً، إفساحاً في المجال أمام ضخ دم جديد في شرايين الحياة الوطنية.

وهذا ما حصل بالفعل، بخلاف كل الدعاية الانتخابية الساقطة، بأن قرار الحريري سيؤدي إلى سيطرة “حزب الله” على الأكثرية، فإذ بقراره يساهم في انتزاع الأكثرية من “حزب الله” لصالح قوى التغيير و17 تشرين، بفعل غياب أي منافسة من مرشحين للتيار، أو محاربة منه، ومقاطعة فئة وازنة من جمهوره، وتفضيل الفئة التي شاركت صبّ أصواتها لمرشحي التغيير في بيروت والاقليم والبقاعين الغربي والأوسط وطرابلس وصيدا والجنوب، ما دام الحريري ترك لهم حرية الخيار والاختيار.

يغيب عن بال المسؤول الإعلامي للرئيس فؤاد السنيورة أن “تيار المستقبل” لم يكن مشاركاً في الانتخابات، وما خلص إليه من استنتاجات “غب الطلب” تفتقد إلى الحد الأدنى من الموضوعية والمصداقية والمهنية، حتى العلمية منها، فلا يمكن قراءة ما أفرزته نتائج الانتخابات على المشاركين فيها وإسقاطها على من لم يشارك فيها، كما فعل في إسقاطها على “تيار المستقبل”. يمكنه أن يفعل ذلك، لو كان التيار مشاركاً، ويمكنه أن يجري مقارنات ويصل الى خلاصات، لو خاض التيار الانتخابات بكل ثقله في كل المناطق.

بهذا المعنى، غياب “تيار المستقبل” أفسح في المجال أمام فوز هؤلاء، ولم تكن هناك أي منافسة بينهم وبين التيار في أي منطقة، وما أفرزته الانتخابات من نتائج يؤكد أن بعضهم ما كان ليصل إلى مجلس النواب لو كان لـ”تيار المستقبل” مرشح او لوائح، أو أقله لو كان لدى التيار توجيه لجمهوره بانتخاب هذا المرشح أو ذاك، في هذه المنطقة أو تلك. وما أفرزته نتائج الانتخابات أيضاً، يؤكد أن بعض “المتزعمين الجدد” ممن لم يعد رأسهم يحملهم، مثل أشرف ريفي، وصل بنسبة أصوات متدنية قياساً إلى عدد الناخبين في طرابلس، وقد يصح القول فيه، إنه “نص نائب” وليس “زعيماً” ينافس السنيورة في زعامته الساقطة كما حاول العبد تصويره!.

غاب عن بال “المزايدين الجدد” أن في خلفية قرار الحريري خارطة طريق للعودة إلى مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع الناس، وليس الاستمرار في سلطة أوصلت اللبنانيين إلى جهنم، وأطاحت، بفعل التعطيل ووهج السلاح والتبعية لإيران والعناد والعداء للأشقاء العرب، بما حققه الرئيس الشهيد للبنان، في سنوات تلت الاغتيال المشؤوم، وكانت حافلة بويلات ونكبات لم توفر كل “الجماعة السنية” في العراق وسوريا والبحرين واليمن، باستثناء لبنان الذي كان لتضحيات الحريري الفعل والفضل في تجنيبه “نار الإقليم”، وحماية “الجماعة السنية” فيه من أخطار التطرف في زمن “داعش” و”النصرة” وتورط “حزب الله” في الحرب السورية.

مشكلة هؤلاء أنهم لم يروا كل “المياه الآسنة” التي رموها في آبار شربوا من خير مائها حتى ارتووا، ورأوا فقط بركة سباحة في شارع أراد بعض أبنائه، من شباب السنة الذين كانوا يستجدون أصواتهم بالعويل والتهويل والتمويل، أن يعبّروا عن موقف من انتخابات لا تعنيهم، وهذا حقهم، ولا يحق لأحد، ولا سيما لمن ابتكروا مسرحيات هزلية ودرامية انتهت بسقوط هزلي ودرامي، أن يُعيرهم به!.

يقول المثل :”الجمل لو شاف حردبتو…”.

شارك المقال