أوكرانيا لن تسامح روسيا لأجيال قادمة

حسناء بو حرفوش

حذر الكاتب والمؤرخ الخبير في الشؤون الأوكرانية، البروفسور سيرهي بلوخي من أن أوكرانيا لن تبدي القدرة على مسامحة روسيا في ظل الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب لعقود ولأجيال قادمة. وحسب مؤلف كتاب “الرماد والذرات”، فان “العالم شهد خمس كوارث نووية، بما في ذلك الانفجار الذي وقع في محطة تشيرنوبيل للطاقة في أوكرانيا في العام 1986، ومع ذلك، استيقظ العالم على واقع جديد من حيث المخاطر النووية وسط تقارير عن قتال في كل من محطة تشيرنوبيل وأكبر مفاعل نووي في أوروبا في بلدة زاباروجيا الأوكرانية”.

ووفقاً للبروفسور بلوخي، “لم تطلق روسيا صواريخ على محطات الطاقة النووية في أوكرانيا في وقت سابق من هذا العام بقصد التسبب بحادث نووي كبير، ولكن هذه الخطوة الخطيرة كانت جزءاً من استراتيجية مدروسة بشكل سيء تغلغلت في الحرب. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد المزيد من مخاطر الأضرار التي لحقت بالمحطات النووية خلال الحرب”.

كما علق أستاذ التاريخ الأوكراني ميخائيلو هيروشفسكي بالقول: “أتت الحرب بمثابة صدمة. وفي البداية، ساد اعتقاد بأن الحروب لن تتكرر وأن القصف العشوائي للمواطنين لن يحدث أبداً. واعتقد الجميع أننا في عالم مختلف. ربما كانت هذه في الأصل أمنية كل من يراقب.  ويأتي ذلك خصوصاً وأن هناك الكثير من التقارب والثقافة وغير ذلك بين أوكرانيا وروسيا. لكن المدن التي تعرضت للقصف لا بل وحتى للمحو من الوجود هي المدن الناطقة بالروسية. كان الأمر سريالياً تماماً”.

 

أضاف: “من شأن ما حصل أن يخلق فجوة بين أوكرانيا وروسيا وهي فجوة لن تزول لأجيال قادمة. هذا شيء لا يمكن نسيانه غداً أو في عام أو في السنوات العشر المقبلة. من حيث الجيل القادم، لا تقتصر هذه الفجوة على العلاقات على مستوى الدول، وإنما على مستوى العلاقات بين الناس وبين الأمم”.

وفي 24 شباط، سيطرت القوات الروسية على جميع مرافق محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، بينما حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أوائل آذار الجيش الروسي من أمر العاملين في محطة زابوريزهجيا النووية باتخاذ إجراءات تنتهك بروتوكولات السلامة الدولية. وبعد أسبوع، نفذت القوات الروسية انفجارات بالذخيرة في الموقع، مما أثار مخاوف حول مزيد من الهروب الإشعاعي.

وقال البروفسور بلوخي: “كان هناك قتال يدور في محطة الطاقة النووية زابوريزهجيا. تعرض المبنى للقصف واشتعلت النيران في بعض المباني. كان الأمر في غاية الخطورة، وهذا يعني أننا استيقظنا على واقع جديد تماماً. من بين 440 مفاعلاً (نووياً) موجودة اليوم في العالم، لم يصمم أي منها مع التركيز على الحرب. علاوة على ذلك، لا يوجد شيء، تقريباً، في القانون الدولي هذا من شأنه أن يوحي بأن شن حرب على موقع محطة الطاقة النووية أمر غير قانوني، لذلك نحن غير مستعدين تماماً”.

أضاف: “لا أعتقد أن الروس خططوا لحادث في محطة الطاقة النووية في تشيرنوبيل، لأنها قريبة جداً من الحدود الروسية ويمكن أن يتغير اتجاه الرياح. لم يكن هناك تفكير في عمليات محطة الطاقة النووية أكثر من التحضير لتلك الحرب بأكملها. وسيطرت الفكرة التي تقول بأن الحرب ستنتهي في غضون يومين إلى ثلاثة أيام، وأن الأوكرانيين سيستقبلون الغزاة بالزهور، لذلك أتت العمليات ضد محطات الطاقة النووية لتؤيد جزءاً من هذا التفكير. أعتقد أنه كان هناك منطق في ذلك بمعنى أن الاستيلاء على منطقة تشيرنوبيل النووية كان الطريقة الأسهل للوصول إلى كييف، ولكن لم يكن هناك أيضاً تفكير حقيقي في كيفية تحقيق ذلك، أو ما هو الخطر الذي يتسبب به”.

وأشار الى أن القوات الأوكرانية منعت المحاولات الروسية للاستيلاء على محطة الطاقة النووية في جنوب أوكرانيا في آذار ونيسان، لكنه حذر من اتخاذ خطوات مماثلة في وقت لاحق من الحرب. ومع ذلك، أعرب البروفسور بلوخي عن اعتقاده أن الحرب ستنتهي لا محالة، وأن نوعاً من “التطبيع” سيحدث بين الجانبين. كما لفت إلى صورة مختلفة تماماً في العام 2014، عندما انتهى الوضع في منطقة دونباس وشبه جزيرة القرم باستسلام أوكرانيا وتوقيع اتفاقيات للسيطرة على المناطق. واعتبر أنه حتى لو لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسؤولاً، فلن يحدث التغيير على الفور في روسيا.

“إنها حرب بوتين، استطرد المؤرخ، لكنني لا أتوقع أيضاً تغييرات بين عشية وضحاها في التحول الدراماتيكي للمجتمع الروسي، حيث تؤيد غالبية الروس الحرب، وقد عاشت بالفعل في فقاعة المعلومات هذه. ومع ذلك، إذا نظرت إلى المستقبل بعد بوتين، فهو أكثر تفاؤلاً من درجة التشاؤم التي قد يقدرها البعض”.

شارك المقال