انتظارات اللبنانيين… تصريف أعمال وفراغات متكررة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ما الذي ينتظر اللبنانيين في ظل حكومة تصريف أعمال؟ سؤال ليس من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع خلال الاشهر الأخيرة من عمر العهد القوي، خصوصاً في ظل التوازن الذي أسفرت عنه الانتخابات النيابية التي أطاحت بأكثرية “حزب الله”، فيما لم تتضح ما ستكون عليه صورة التحالف بين قوى المعارضة والتغيير وإمكان توحيد الشعارات المستحيلة أو خوض المعارك سوية مع المستقلين الذين لا تزال صورة تموضعهم مجهولة، فالكل يحاول جر البساط نحو طروحاته.

“حكومة الانقاذ” فشلت في مهمة تنفيذ شعارها، معتبرة انجازها الانتخابات النيابية كما جاء في كلمة رئيسها نجيب ميقاتي، نجاحاً لها، علماً أنه لولا الضغط الدولي الخارجي، لكانت محاولات تعطيل الاستحقاق من قبل “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحر” قد نجحت في تحويل لبنان الى دولة مارقة، فالحكومة أرادت باجراء الانتخابات تطويق ما يمكن أن يحدثه تفاقم الأزمة الاقتصادية على المستوى الشعبي في الشارع.

وتعزو مصادر متابعة فشل الحكومة في معالجة الأزمات الى “الخلل في تركيبتها الذي انعكس في عدم القدرة على اتخاذ قرارات تحقق انجازات أو حلحلة العقد في قضايا حيوية تهم المواطنين ومنها الكهرباء والدواء والرغيف، وهي في جلستها الأخيرة، نجحت في الاتفاق على رفع ميزانية بعض المؤسسات وقرار الاعفاء من المعاينة الميكانيكية وتمرير قرار متعلق بوزارة الاتصالات يدخل حيز التنفيذ في أول تموز الا أنها فشلت في إقرار الخطة المالية للتعافي”.

وتشير المصادر الى “تمرير ملف الجامعة اللبنانية التي عانت من عرقلة التيار الوطني الحر حلولاً مطروحة نتيجة مواقفه السياسية، ومنها نقل متفرغين الى الملاك وتفريغ المتعاقدين وتعيين عمداء كان العونيون يسعون الى نيل الحصة الأكبر منهم، عن طريق عقد صفقات مشبوهة بقرارات استثنائية، تجيز لهم الحصول على 20 عميداً من أصل 33، وهو ما يتنافى مع التوجهات الأكاديمية والتوزيع الطائفي المتفق عليه. والواضح أن التيار العوني كان يريد وضع شخصيات تتبع له بعيداً عن تقويم انجازاتها العلمية ودورها الأكاديمي، وأسر هذه المواقع من قبل مناصريه، وهو نهج له انعكس في التشكيلات القضائية التي لا تزال أسيرة رئيس الجمهورية. كما أن هناك قرارات أسيرة الرئيس نبيه بري ومنها قرار تشكيلات هيئة محكمة التمييز، الذي يمكن أن يحرك ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت وغيرها من التحقيقات ومنها انفجار عكار على سبيل الذكر، إضافة الى ما شهدناه في أزمتي الكهرباء والخبز وكانت الحكومة تسعى الى الانقاذ بحسب شعارها فإذا بها تتجاهل إنقاذ اللبنانيين من العتمة والجوع”.

وتذكر المصادر بـ “فشل الحكومة في التوقيع على اتفاق مع البنك الدولي الذي كان يريد الاسراع في توقيع اتفاقات مع هذه الحكومة، لأنه كان يرى أن هذا الانجاز متوافق عليه دولياً ويلقى دعماً خليجياً ويحفظ الودائع من خلال وضع اتفاقات واضحة أمام المجتمع الدولي لكي يبدأ بمساعدة لبنان عبر تأمين قروض له. ولكن على ما يبدو الخلاف داخل الحكومة والذي يعود الى مواقف حزب الله منعها من تحقيق انجازات فعلية مع غياب التخطيط الاقتصادي والتوافق والرؤية الاقتصادية للحد من الانهيار والخلاف الذي دار حول الهيركات واعادة هيكلة المصارف حفاظاً على الوضع المالي للبنان وعلى أموال المودعين، وربما كانت اقتراحات البنك الدولي أفضل وأكثر رأفة باللبنانيين من قرارات حكومتهم ووزرائها ومن النواب الذين حاولوا بكل الطرق أن يدفع المودعون أثمان الانهيار الاقتصادي للتهرب من مسؤولياتهم”.

من الواضح، أن الحكومة مع دخولها مرحلة تصريف الأعمال لا تريد وضع أو إقرار أي خطة، وهذا ما يعكس عمق الأزمة التي ستتفاقم، لا سيما أن المجلس النيابي المنتخب قد لا يتفق على إقرار الموازنة أو الخطة المالية التي عرضتها الحكومة على المجلس السابق، ما يظهر أنها أرادت ترحيل هذه المشكلات الى المجلس الحالي ولجانه التي ستتألف حديثاً ومنها لجنة المال.

وبرأي متابعين “أننا أصبحنا اليوم أمام حكومة كانت تأمل أن تنجز، وكان الرئيس ميقاتي يتصرف وكأنه عائد الى الرئاسة ليدير العملية السياسية بتكليف من المجلس الجديد، ريثما ينتهي عهد العماد عون. لكن كما نرى أنه بنتيجة الانتخابات لم يحرز فريق السلطة نجاحاً وتحديداً الرئيس ميقاتي الذي أصبح عارياً من التغطية المحلية عبر الحلفاء وربما الخليجية، وعلى الرغم من محاولاته تدوير الزوايا، الا أن الخليجيين يريدون التطبيق والتنفيذ وهذا ما لم يروه في ميقاتي. لذلك نحن اليوم أمام أزمة فعلية مفتوحة، فمن خلال التركيبة الجديدة للبرلمان من غير المعروف كيف سيتم التوافق على رئاسة المجلس في ظل تمثل الغالبية بــ 68 نائباً والأقلية بـ60 نائباً، وفي ظل توجه واضح للأكثرية الى رفض التجديد لرئاسة بري، الا اذا قدم تنازلات وانتخبه البعض بشروط معينة”.

ليست هذه الصعوبة الوحيدة، ففي ظل تركيبة المجلس الجديد يطرح السؤال كيف سيتم التوافق على الحكومة المقبلة ومن سيكون الرئيس؟ وهل سيطرح السياديون والتغييريون اسماً يتحدون به “حزب الله” والرئيس بري ومن هي هذه الشخصية التي قد ترضي الداخل والخارج؟

يقول المتابعون: “نحن ذاهبون الى رئيس مجلس نيابي ضعيف لا يتمتع بالأكثرية وفي كل المرات قد يتم الاعتراض في جلساته، وهذه مشكلة قد تعني العودة الى السابق، عندما أقفل بري البرلمان في أيام حكومة فؤاد السنيورة لسنتين، واليوم يحاولون تكرار العملية، ويرفضون أي تشريع قد يقدمه نواب الأكثرية، وبالتالي يخيّم الفراغ الكامل في ظل استمرار حكومة تصريف أعمال عرجاء، لا تستطيع اتخاذ قرارات، وتدخل البلاد بعد أشهر قليلة في التحضير لمعركة رئاسة الجمهورية التي قد يكون مصيرها مجهولاً وحسب رياح الوضع الدولي والمنطقة، علماً أن تطويق حزب الله سيفرض عليه تنازلات وبالطبع لن يكون القرار له كما كان عليه الوضع عندما أصر على فرض ميشال عون رئيساً وطبخ التسوية. فهذه المرة الوضع الدولي مختلف وليس لصالح النظام السوري وخاصة بعد الهزيمة التي تلقاها أزلامه في الانتخابات وإسقاطهم شعبياً. كما أن الحليف الروسي لن يكون له قدرة على التشجيع أو المباركة. وبالتالي الفرنسي لن يستطيع عقد صفقات من تحت طاولة بين الايراني وحزب الله وتعويم دوره، لأنه يحاول اليوم عقد شراكة مع السعوديين الذين لن يقبلوا برئيس يشابه عون، ولا برئيس وزراء ضعيف يتم التحكم به من خلال تسويات مع التيار العوني أو حزب الله على الأرض”.

وفقاً لهذه الصورة، من المرجح أن تطول مرحلة تصريف الأعمال حتى تتغير الظروف الاقليمية والدولية التي قد تفرض انتخاب رئيس جديد للبنان، شبيهة بمرحلة ما قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان. ولذلك يطرح السؤال هل سيكون جوزف عون خياراً للحل أم سيطرح اسم مستقل ونكون أمام تجربة مختلفة لا تشبه التجارب السابقة؟

شارك المقال