منتدى دافوس العالمي: الحرب تغيّب “العمل المعتاد”

حسناء بو حرفوش

ينعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في ظل شبح الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فما هو المتوقع بعد غياب فرضته جائحة كورونا لأكثر من عامين؟ وفقاً لقراءة في موقع صحيفة “واشنطن بوست” الالكتروني، “ليس هناك عمل كالمعتاد” في دافوس. فقبل أن يحد الوباء من تجمعات النخب السياسية والتجارية في العالم في هذه المدينة السويسرية الجبلية، احتلت روسيا مساحة مركزية بكل ما للكلمة من معنى. وكان بإمكان أي شخص يتجول على طول كورنيش دافوس الرئيسي أن يجد مبنى خشبياً تطلق عليه تسمية “البيت الروسي”. ولطالما شكل هذا المبنى جزءاً من لعبة القوة الناعمة للكرملين في المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث عرف كمركز للحفلات الصاخبة واللوحات المبتهجة التي تعكس فرص الاستثمار والسياحة في روسيا.

ولكن هذا الأسبوع ومع انطلاق المنتدى بعد فراغ كبير، لم توجه الدعوات الى الشركات والسلطات السياسية الروسية، نتيجة كل من العقوبات الغربية التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا وكذلك الموقف المبدئي الذي اتخذه المنتدى. أما عن “البيت الروسي”، فاستولت عليه مؤسسة الأوليغارشية الأوكرانية التي من المقرر أن تعرض صوراً التقطت في أوكرانيا على مدار الصراع وتوثق أدلة على عمليات الاغتصاب والاعدام وفظائع أخرى، إلى جانب سلسلة من المناقشات حول انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا.

ويعكس هذا المعرض تحولاً رمزياً يمهد الطريق لإجراءات هذا الأسبوع. فللمرة الأولى في تاريخ المنتدى الذي يعود لنصف قرن، سيعقد التجمع في ظل حرب بين دول في أوروبا، بمشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وخطاب له، عدا عن مشاركته فعلياً في عدد من الأحداث الأخرى لتسليط الضوء على عاصمة بلاده التي مزقتها الحرب. وفي دافوس، وفد أوكراني كبير، بما في ذلك وزير الخارجية ونائبا رئيس الوزراء وخمسة برلمانيين وعمدة كييف.

ومن بين العناوين الرئيسة الأخرى، خطابات للمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عن الأزمة في أوكرانيا، في ظل التركيز على إعلان شولتس السابق بأن الحرب تمثل “نقطة تحول في التاريخ”، بحيث ركز الموضوع التوجيهي لتجمع هذا العام بصورة مباشرة على كيفية تعامل الحكومات والشركات مع عنوان المنتدى الذي يلحظ وقوف “التاريخ عند نقطة تحول”.

وتعكس الحالة السائدة قناعة أوسع في الغرب، وبالتأكيد في الولايات المتحدة، حول دخول العالم حقبة جديدة في السياسة العالمية. وفي هذا السياق، جادلت سوزان غلاسر في عمودها في صحيفة “نيويوركر” بأن 24 شباط، وهو التاريخ الذي أطلقت فيه روسيا غزوها لأوكرانيا، “يمثل واحدة من تلك اللحظات المفصلية التي تحدث كل عقد أو عقدين، بحيث يمثل حدثاً تحولياً ليس لأوكرانيا وأوروبا وحسب، ولكن لواشنطن. وسيعاد بعد هذا التاريخ تحديد القوة والغرض الأميركي بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسنوات قادمة. وسيميز العالم بين ما قبل 24 شباط وما بعده”.

ولا تنقص المنتدى أزمات أخرى أيضاً، مع الإشارة إلى تشابك كثير منها، فلا تزال البلدان تكافح من أجل التعافي من الوباء. وبينما لا تزال هناك حاجة الى إرسال اللقاحات إلى بعض أجزاء العالم، تلقي الرياح الاقتصادية المضطربة التي أثارها الوباء بظلالها على الأسواق المالية العالمية وتثير مخاوف من حدوث ركود في الولايات المتحدة.

وأدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم الأزمات الغذائية المتصاعدة في جميع أنحاء العالم النامي، مع ارتفاع أسعار قائمة من السلع الأساسية مما أدى إلى نقص الوقود والحبوب في بلدان متباينة مثل تونس وسريلانكا. وفي هذا السياق، كان كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي قد لفت إلى أن “كل تلك القوى المعطلة مثل عودة الحرب والأوبئة وأزمة المناخ، قد أخرجت التعافي العالمي عن مساره. عدا عن أن أزمة الغذاء العالمية، على وجه الخصوص، تحتاج إلى الاهتمام الفوري”.

وسيحاول المنتدى، كما جرت العادة، التركيز على الحلول الاستباقية والايجابية لهذه التحديات، وتحفيز التعاون بين صانعي السياسات والقطاع الخاص. وفي العام الماضي، صاغ المنتدى برامجه حول التعافي من الوباء ضمن التحديات الكبرى، مما يشير إلى أن التجربة العالمية لفيروس كورونا قدمت نافذة ضيقة للحكومات والشركات “لإعادة تصور وضبط العالم”. ومع ذلك، قد يجد المجتمعون في دافوس هذا الأسبوع، أنفسهم في مواجهة حيلتهم المحدودة في التعامل مع أزمات العالم العديدة التي تلوح في الأفق، من شبح تغير المناخ إلى الصراع المستعصي بين روسيا وأوكرانيا. وقال بورج بريندي رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي العالمي الأسبوع الماضي “ان العمل ليس كالمعتاد لكن العالم بحاجة الى التعاون والغوص في المسائل المجهولة”.

شارك المقال