الاستحقاقات على ايقاع التسويات… والسياديون أمام الامتحانات

هيام طوق
هيام طوق

يبدو أن الاستحقاقات الدستورية كما الأحوال المعيشية معلقة على حبل رفيع يتأرجح بين السماء والأرض، فإما سيرتطم بالبلد وأهله محدثاً انفجاراً اجتماعياً لا تُحمد عقباه، وإما سيلتف على رقاب الناس ليخنقهم حتى الرمق الأخير وصولاً الى الانتخابات الرئاسية في 31 تشرين الأول المقبل، لأنه وفق معطيات المحللين ليست هناك أي بوادر انقاذية أو اجرائية أو تنفيذية أو اصلاحية قبل نهاية العهد، وبالتالي، الأشهر الخمسة المتبقية ستكون محفوفة بكل أنواع المخاطر السياسية والأمنية والاجتماعية وصولاً الى المجاعة.

المرحلة ضبابية بامتياز، وغيومها ملبدة وقاتمة تنذر بأزمات متتالية على صعيد المجلس النيابي والحكومة ورئاسة الجمهورية إلا اذا استجدّ جديد في الساعات الأخيرة يفرمل السقوط كالتعويل على الدور الفرنسي المنتظر في المرحلة المقبلة من خلال وساطة تسهّل تأليف الحكومة سريعاً لأن الوضع لا يحتمل أي تأخير. واذا لم تنجح فرنسا في ذلك، فستقود حواراً بين اللبنانيين يتم خلاله التوافق على سلة من الاستحقاقات ومنها الحكومة ورئيسها وشكلها ومهامها، واسم رئيس الجمهورية، وما يستتبع ذلك من اصلاحات واتفاقات مع صندوق النقد الدولي.

إذاً المشهد السياسي على الشكل التالي: بدأت مهلة الـ 15 يوماً لانتخاب رئيس المجلس النيابي الجديد وأعضاء هيئة مكتبه أول من أمس في ظل التناحر والمواقف التصعيدية غير المسبوقة خصوصاً لناحية انتخاب الرئيس ونائبه بحيث أن من المفترض أن يوجه الرئيس نبيه بري بصفته رئيساً للسن، دعوة الى المجلس الجديد للانعقاد خلال أسبوعين وسط انقسام كبير حول تسميته رئيساً للمجلس للمرة السابعة على التوالي، مع توقعات أن يحصل على رقم قياسي هذه المرة من الرافضين اعادة انتخابه أي من أحزاب المعارضة والنواب التغييريين والمستقلين على الرغم من أن الاجماع الشيعي للنواب الـ27 على ترشيحه يلغي وجود أي منافسة.

وفي ظل الحديث عن مقايضات وتسويات بين “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل” بوساطة من “حزب الله” لانتخاب نائب رئيس المجلس، فإن المعلومات تتحدث عن اتصالات قائمة بين أحزاب المعارضة والنواب التغييريين للتنسيق في ما بينهم لخوض معركة رئاسة المجلس ونائبه وغيرها من الاستحقاقات المقبلة.

أما على المقلب الحكومي الذي دخل “البازار” السياسي من بابه العريض، فلا يبدو أفضل حالاً بل على العكس، فإن مسار التكليف والتأليف مليء بالمطبات والعرقلات والصعوبات لناحية التوافق على شخصية سنية للتأليف، لكن على الرغم من الأسماء التي يتم التداول بها، فإن المعطيات تشير الى أن حكومة تصريف الأعمال هي الأوفر حظاً للاستمرار الى حين الاستحقاق الرئاسي خصوصاً أن التجاذبات بين القوى السياسية في أعلى درجات الحماوة، مع العلم أن من بين الخيارات التي تدرس حالياً في الصالونات المغلقة، اعادة تشكيل حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي مع بعض التعديلات في أسماء الوزراء ، ومن بينها النائب جبران باسيل على أن يتولى حقيبة وازنة مع عدد من الوزراء المحسوبين عليه لإدارة مرحلة الفراغ الرئاسي المتوقع، بحسب مصدر متابع اعتبر أن هذا هو سبب اصراره على حكومة ذات خلفية سياسية، وهذا ما يلتقي عليه مع “الثنائي الشيعي”. وهنا السؤال: هل تجري الرياح بما تشتهيه سفن 8 آذار ومحاولتها شرذمة صفوف المعارضة والنواب التغييريين والمستقلين، وبالتالي، تكون هي المستفيد الأكبر من وحدة صفوفها في التأليف؟ وربما تحذير البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من الالتفاف على الإرادةِ الشعبيّةِ يأتي في هذا الاطار. وهل الأكثرية الجديدة ستتمكن من رص صفوفها في جبهة موحدة أقله حول العناوين الكبرى، وتفرض حضورها الوازن في الحكومة المقبلة؟ في ظل الاستحقاقات المتعثرة، هل الفراغ هو الحاكم الأكبر الى حين انتهاء العهد؟ وما صحة الكلام عن أن أي توافق لبناني على رئيس حكومة أو رئيس جمهورية بات من سابع المستحيلات، وبالتالي، كل التعويل اليوم على انقاذ خارجي؟

رأى المحلل السياسي أمين بشير أن “النواب التغييريين لا يريدون أن يظهروا أنهم محسوبون على أحزاب سياسية تقليدية، بل ان لديهم شخصية مستقلة في المجلس، ولكن في الوقت نفسه يرفعون عن أنفسهم صفة الانعزالية. وبالتالي، هم واضحون في مواقفهم الوطنية الأساسية القريبة من الأحزاب التقليدية المعارضة مثل تطبيق اتفاق الطائف واحترام القرارات الدولية وعدم موافقتهم على بيان وزاري يتحدث عن ثلاثية: شعب وجيش ومقاومة، ولن يقبلوا بالوزير الملك أو تكريس وزارة كوزارة المالية لطرف معين. نحن بانتظار مواقفهم في أول امتحان من خلال انتخاب رئيس المجلس ونائبه”، مؤكداً أنهم “لن يساوموا على ثوابتهم التي تلتقي مع أحزاب المعارضة مع العلم أن الاختلاف يمكن أن يكون على الأولويات لكن هذا لا يفسد للود قضية”.

وتحدث عن أكثر من سيناريو في تأليف الحكومة، لكنه أمل “أن يتحد التغييريون والأحزاب المعارضة لفرض مواقفهم في الاستحقاقات المقبلة، وهذا ما يصر عليه عدد كبير منهم بحيث هناك احتمال للاتفاق على حكومة أكثرية تحكم وأقلية تعارض”.

واعتبر أن “تكليف الرئيس ميقاتي وارد كونه يعتبر نفسه وسطياً، لكن التشكيل سيكون صعباً جداً ما يستدعي تدخلاً خارجياً فرنسياً من خلال مؤتمر ما”، مشدداً على أن “المرحلة صعبة اذا لم يكن هناك وعي سياسي للحفاظ على البلد”.

من جهته، أشار الناشط السياسي والصحافي سمير سكاف الى أن “التغييريين يتفقون مع أحزاب المعارضة على العناوين السيادية الوطنية الكبرى مثل سلاح حزب الله والتحقيق في انفجار المرفأ والدولة المدنية، لكن ربما يختلفون على الأولويات. وبالتالي، لا أعتقد أنه ستكون هناك جبهة كبيرة انما تحالف أو تفاهم على القطعة”.

وشدد على أن “التغييريين كما الأحزاب المعارضة يؤكدون أنه لا يمكن الاستمرار بالنهج السابق في العمل السياسي لناحية المحاصصات والمساومات”، لافتاً الى أن “الموالاة لا يمكنها أن تتصرف متجاهلة نتائج الانتخابات”.

وقال: “يجب أن نعتاد على نوع جديد في العمل السياسي اذ لم يعد جائزاً فرض الرأي على الآخرين أو استخدام فيتو ميثاقي، ولكن علينا اعطاء التغييريين بعض الوقت كي يرتبوا أوراقهم ، وينظموا أنفسهم . وطالبت بأمانة سر للتنسيق بين بعضهم البعض وبين الكتل الأخرى”.

شارك المقال