العالم وسيناريو السلام غير المستقر

حسناء بو حرفوش

ما الذي ينتظر العالم وتحديداً روسيا وأوكرانيا في المستقبل القريب؟ سؤال يطرح نفسه في ظل الأحداث التي تعد بقلب الموازين ولعل أهمها غرق سفينة القيادة في أسطول البحر الأسود “موسكفا” (Moskva) في نيسان الماضي. قراءة للنقيب البريطاني الدكتور كيفين رولاندز في موقع (geostrategy) الالكتروني تعيد لفت الانتباه إلى ضرورة استثمار الامكانات المستهلكة في الحرب من أجل إحلال السلام.

وحسب التحليل، “لقد حان الوقت للتركيز على المستقبل القريب وقراءة ما تعنيه الأحداث الجارية وتحديداً في البحار بالنسبة الى قوتها في القرن الحادي والعشرين منذ اتجاه الأنظار الى السفينة موسكفا التي كانت تقود الأسطول الروسي في البحر الأسود، بالتزامن مع توجيه الأنظار الى الرعب المطلق في إطار حرب روسيا ضد أوكرانيا. ولا شك في أن غرق السفينة سطر لحظة بحرية لا تنسى، بحيث سجلت خسارة أول سفينة حربية في هجوم صاروخي منذ عقود، كما أن هناك دروساً يمكن تعلمها حول استخدام الاستخبارات والاستهداف والطائرات المسيرة ومنع الوصول والموقف التكتيكي والدفاع الصاروخي للسفن وقيادة المهمة والسيطرة على الأضرار والمزيد.

لكن هناك صورة أكبر بعد. فمنذ بداية الحرب، سعت البحرية الروسية الى السيطرة على البحر في المياه القريبة من أوكرانيا وحصلت عليها بسرعة. وكان بحر آزوف بالفعل بحيرة روسية، حيث تم تحييد البحرية الأوكرانية وإغلاق الموانئ الأوكرانية. واستخدمت المناورات الساحلية الروسية لدعم العمليات على الشاطئ. وفي البداية، شكل النجاح إنجازاً للكرملين، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت نقاط الضعف الحتمية وأوجه القصور في خطة الهجوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. وغرقت سفن روسية عدة، ولم يتحقق الهجوم البرمائي المتوقع ضد أوديسا أبداً، كما أظهرت معركة جزيرة الثعبان للعالم ليس الأهمية الاستراتيجية لهذه الجزيرة الصخرية الصغيرة وحسب، ولكن حقيقة أن أياً من الطرفين المتحاربين لم يتمكن من تحقيق قيادة البحر باستخدام السفن وحدها.

ومع ذلك، البحر الأسود مغلق في ظل تعرض السفن التجارية للهجوم والتدمير. كما لا يزال المضيق التركي، أحد أكبر الممرات البحرية في العالم، مغلقاً، ولا تزال اتفاقية مونترو بشأن نظام المضائق، محترمة في الوقت الحالي. قد تكون هذه النقطة الأخيرة انتصاراً للقانون الدولي ولكنها تحمل أيضاً عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي وأزمة الغذاء العالمية المتزايدة. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، العالم الآن من أن عدم القدرة على إخراج الصادرات الغذائية الضخمة لأوكرانيا إلى أسواقها الطبيعية عن طريق البحر يؤدي إلى زيادة المجاعة والتضخم. وبطبيعة الحال، فإن اقتصاد أوكرانيا مشلول، مع الإشارة إلى أن خطوط الاتصال البحرية تعد بمثابة شريان حياة حيوي حتى بالنسبة الى دولة قارية مثل أوكرانيا.

وسيأتي وقت، كما يأمل العالم، تنتهي فيه الحرب المروعة ويعود السلام. ومع ذلك، لن يحل السلام في البداية على الأقل كاملاً وسيبقى محفوفاً بالمخاطر. لذلك، يجب استخدام الرافعة الاقتصادية للقوة التي لعبت دوراً فاعلاً في هذا الصراع حتى الآن، مجدداً، وإن بشكل مختلف، لإعادة بناء أوكرانيا وتجنّب الأزمات الانسانية أو عكس مسارها في أماكن أخرى بأسرع ما يمكن. وفي إطار هذا المسعى، تبدو القوات البحرية في وضع جيد للمساعدة. إذن ما الذي سيأتي بعد ذلك في سلام المستقبل المحفوف بالمخاطر؟ يمكن للقوات البحرية التمسك بالقانون الدولي، وضمان طرق آمنة عبر نقاط الحصار، ويمكنها توفير الحراسة للتجارة الداخلية والخارجية وإعادة بناء القوات البحرية المحلية وتدريبها ومساعدتها لاعادتها إلى البحر، كما يمكنها مراقبة المناطق الاقتصادية الحصرية وعند الضرورة، ممارسة الضغط على الخصم وفرض أي عقوبات أو حظر قانوني تفرضه الظروف.

كما بإمكان هذه القوات وبشكل حاسم، إرسال رسالة قوية من الصداقة والتضامن والطمأنينة إلى الشركاء بعيداً من الأعباء والمتطلبات السياسية. وإلى جانب حلفاء الناتو والشركاء الإقليميين، يمكن للبحرية الملكية أن تقدم الكثير لأوكرانيا والبحر الأسود في الأشهر والسنوات المقبلة. وعلى سبيل المثال، قد تتولى السفن الحالية المختصة بالتدابير الهيدروغرافية وبالألغام، مسح المياه المتضررة وفتحها كممرات آمنة وتعزيز الأمن الغذائي. كما يمكن للفرقاطات والمدمرات الحالية والمستقبلية حماية السفن التجارية من الهجمات المارقة وغير المبررة، تماماً كما فعلت لسنوات في الخليج. ولم لا تستخدم هذه الفرقاطات والمدمرات نفسها للاعتراض والتأكد من أن السفن الروسية أو سفن الطرف الثالث لا تخرق العقوبات. وبالتوازي، تعمل سفن الدوريات البحرية مع القوات الأوكرانية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلاد لتمكين استئناف النشاط الاقتصادي المشروع هناك. من شأن هذا السيناريو أن يسمح للجميع بتنفس الصعداء في ظل بناء نسيج من الردع يتكامل مع الخدمات والدول الأخرى. لن تربح القوات البحرية مثل البحرية الملكية حرباً بمفردها، لا شك في أن الفوز بالسلام يبقى ممكناً”.

شارك المقال