بازار “برتقالي” على منصب نائب رئيس المجلس

صلاح تقي الدين

دخلت البلاد كما كان متوقعاً في نفق أزمة مستجدة سبّبتها نتائج الانتخابات النيابية، التي وإن أسفرت عن خسارة “حزب الله” لأكثرية موصوفة كان يمتلكها في المجلس السابق، إلا أنها أظهرت وصول كتل نيابية مشتتة قد تلتقي على أهداف وتختلف على أخرى، ما فتح باب المزايدات والمقايضات التي يمتهنها “التيار الوطني الحر” وأولها انتخابات رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة مكتبه.

فبعد أن أعلن ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” ترشيح رئيس مجلس النواب نبيه بري لرئاسة المجلس متسلحاً بميثاقية شيعية تمكن من المحافظة عليها وعدم خرقها مما يسمى المجتمع المدني والقوى التغييرية، بدا واضحاً أن الرئاسة معقودة اللواء لبري على الرغم من إعلان “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” وبعض نواب التغيير معارضتهم لانتخابه، إلا أن المفاوضات الجارية خلف الكواليس تشي باستعداد جبران باسيل للدخول في بازار يقايض خلاله بري على منصب نائب الرئيس، ناهيك عن شروط قديمة جديدة تتعلق بتمثيله الوزاري في الحكومة العتيدة.

لم يخف باسيل نيته الدخول في البازار على الرغم من اعلانه في خطابه في “البيال” الأسبوع الماضي: “ماذا يمنع أن يكون هناك مرشحون آخرون لرئاسة مجلس النواب؟ ومن يفكر أن يقايضنا بين رئاسة المجلس ونائب الرئيس غلطان ومسترخصنا”. قد يفهم من ذلك استعداده لفتح باب المفاوضات ورفع “سعره” حول تأمين وصول مرشح تياره النائب الياس بو صعب إلى المنصب الذي فقده النائب ايلي الفرزلي بعد خسارته المدوية في الانتخابات.

وأعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ترشيح النائب المنتخب عن بيروت الأولى النائب السابق لرئيس الحكومة غسان حاصباني للمنصب غير أن واقع الحال يشي باستبعاد فوزه به، فكيف يعقل أن يعارض جعجع بشدة انتخاب بري ويصر في المقابل على ترشيح حاصباني ليكون نائباً له؟ حتى ولو كان مدعوماً من بعض القوى التغييرية التي لن تؤمن له إمكان الفوز في المعركة التي سيخوضها في وجه الثنائي مدعوماً من حلفائه وبعض قوى التغيير ونواب “اللقاء الديموقراطي” الذي على ما كشفت مصادره لـ”لبنان الكبير” أنهم سيصوّتون لبري.

أما قوى التغيير المختلفة بين بعضها البعض، فهي وإن كانت تضم النائب المنتخب عن بيروت الثانية نقيب المحامين السابق ملحم خلف والذي يتمتع بعلاقة جيدة مع بري، إلا أنها اختلفت حول دعمه لهذا المنصب انطلاقاً من اعتبارات داخلية وشخصية بين أعضائها، اذ ليس واضحاً بعد كيف سيتجاوزون هذه الخلافات أولاً لتشكيل تكتل يضمهم جميعهم، خاصة أن من بينهم أيضاً من سرّب اسمه كمرشح لهذا المنصب هو النائب سجيع عطية المعروف بقربه من نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس.

واغتنم باسيل جرياً على عادته فرصة وجود “معركة” حول منصب نائب الرئيس ليفتح باب المساومات والعودة إلى أسلوبه القديم المعروف بتمسكه بالحصة الوازنة في المحاصصة، فبدأ بطرح سقوف عالية لشروطه حول هوية مكتب مجلس النواب بما في ذلك رئيسه ونائبه، والولوج من هذه السقوف إلى فرض شروطه المتعلقة بالمشاركة في الحكومة العتيدة وتمسكه بحقيبة الطاقة التي منذ أن تولاها وزرع أزلامه من بعده على رأسها، غرق لبنان في العتمة وفشلت كل محاولات وقف الهدر في هذه الوزارة من سدود مائية من دون جدوى إلى بواخر تغذية كهربائية مجبولة بصفقات، ولا يزال من خلال وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال الحالية وليد فياض يعرقل كل المشاريع الاصلاحية المتعلقة بهذا القطاع وخير دليل على ذلك تحدي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لوزيره بكشف هوية من طلب منه سحب بند معالجة خطة الكهرباء من الجلسة الأخيرة التي عقدتها الحكومة في بعبدا.

والمرشح المفضل لباسيل لمنصب نائب رئيس المجلس هو الياس بو صعب، ويعتقد أن بإمكانه تأمين “ميثاقية” مسيحية لبري عبر “إعطاء الحرية” لأعضاء تكتل “لبنان القوي” للتصويت لبري مقابل قبول الأخير ببو صعب.

لا يمكن لغاية كتابة هذه السطور الجزم بهوية الفائز بمنصب نائب رئيس المجلس، خصوصاً أن بري عوّدنا دائماً على إخراج “أرانب” على سبيل التسويات، لكن الواضح أن باسيل ومن يقف خلفه غير مبالين بحال اللبنانيين الذين يعانون الأمرين من مسألة تفلّت سعر الدولار في السوق السوداء، وما يعني ذلك من ارتفاع لكل أسعار المواذ الغذائية والحياتية الأخرى، وانقطاع الكهرباء وغياب المياه عن منازلهم، ما يدفعهم بالاجماع الى تمني قرب نهاية هذا “العهد القوي”، علّهم يتخلصون من “بازارات” باسيل وشروطه التي أصبحت لا تطاق.

شارك المقال