الأزمات تنذر بانهيارات وانزلاقات… والمسؤولون سجالات وسمسرات

هيام طوق
هيام طوق

بينما يجهد العالم لاحتواء فيروس من هنا، وتوحيد الجهود في ايجاد العلاجات والأدوية واللقاحات لأمراض من هناك، يجد اللبنانيون أنفسهم غارقين من رأسهم حتى أخمص أقدامهم في بحر من الفيروسات السياسية والاجتماعية والمعيشية والمالية والصحية، ويضعون في آخر سلم أولوياتهم أخبار الأوبئة، اذ بكل بساطة أصبحت لديهم مناعة اجتماعية مرتفعة، وتحولت أجسامهم الى مضادات حيوية لكل أنواع نزلات البرد والحرارة، متفوقين على كل شعوب الأرض في مواجهة الفيروسات السياسية المعدية والمتنقلة بسرعة قياسية من قطاع الى آخر.

انتهت سكرة الانتخابات، وطُويت صفحة العد للكراسي البرلمانية وما رافقها من حسابات وسجالات حول الأكثرية والأقلية، لتدخل البلاد في مدار انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وما يرافقه من صفقات ومساومات والعمل وفق مبدأ “مرقلي لمرقلك”، مروراً بالسجالات المكهربة حول تشكيل الحكومة وشكلها ورئيسها على الرغم من أن كل المعطيات تشير الى أن الحكومة الحالية ستصرّف الأعمال على مدى الأشهر المقبلة، وما لذلك من تداعيات خطيرة على بلد بات قاب قوسين من الانهيار التام وصولاً الى الاستحقاق الرئاسي الذي فُتحت معركته باكراً وسط الحديث عن أن جهات عربية وأجنبية بمباركة فاتيكانية تتواصل مع قوى لبنانية لاقتراح عدد من الأسماء المؤهلة لمنصب رئاسة الجمهورية بمعنى أن يكون الرئيس المقبل وسطياً وعقلانياً وغير استفزازي، ويزين الأمور بميزان الجوهرجي لأن الوضع لا يحتمل الفراغ ولا أي خطوة ناقصة.

هذا هو المشهد السياسي في اطاره العام الذي تخترقه مواقف وتصريحات واحياء للمناسبات وتقديم الطعون بالانتخابات أمام المجلس الدستوري، والوقفات الاحتجاجية على صعيد القطاعات، لكن أين يصرف اللبنانيون هذه السيناريوهات والفبركات والخزعبلات والمساومات والصفقات والسمسرات طالما أصبحت يدهم قاصرة حتى عن تأمين أولى الأولويات؟ وماذا يجنون من السجالات الحاصلة بين أهل البيت الواحد على ملف الكهرباء والاتصالات سوى الجلوس في العتمة ليل نهار؟ ماذا سيحصدون لو جلست هذه الشخصية أو تلك على يمين رئيس المجلس النيابي طالما أن التشريعات التي يمكن أن تنقذهم موضوعة في “ثلاجة” الانتظار الطويل الى ما بعد بعد إتمام الاستحقاقات الموعودة والتوافقات والاتفاقات المنشودة؟ وهل تراشق الاتهامات يسهل أمورهم في الاستشفاء الذي أصبح حكراً على الأغنياء وتأمين الدواء المفقود؟ وهل الطعون التي ستقدم أمام المجلس الدستوري ستغيّر نمط حياتهم المطعون في صميمها بكل أنواع الأزمات والعذابات؟

أسئلة لا يمكن ايجاد أجوبتها لدى المنظومة الحاكمة لأن من كان سبب الداء لا يمكن أن يصف الدواء، والناس اليوم باتوا في مكان آخر يبحثون عن لقمة عيشهم، ويفتشون في كومة الأزمات المتلاحقة عن قشة نجاة، وتحول همهم الأول والأخير الى كيفية الاستمرار بعد الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار وما تبعه من جنون في أسعار المحروقات والمواد الغذائية ما ينذر بأزمة اجتماعية وفوضى عارمة ربما تتحول الى أحداث أمنية وفق أكثر من مصدر، وأنه في حال استمرت الأمور على ما هي عليه، فإن كل السيناريوهات واردة.

وفي هذا الاطار، أكد مصدر أمني لموقع “لبنان الكبير” أن “معاناة عناصر القوى الأمنية والمؤسسات العسكرية الذين يمرون بظروف أصعب من الجميع لم تؤثر على أدائهم حتى الآن، ونحن سنقوم بواجباتنا حتى الرمق الأخير، ولا يجوز أن نترك البلد للخارجين عن القانون تحت أي ذريعة أو سبب انما سنقف الى جانب الناس”، مشيراً الى أن “لا معطيات لدينا عن أحداث أمنية، ولا يمكننا الارتكاز على التحليلات. وبالتالي، لا نريد اخافة الناس بل طمأنتها”.

وفي السياق، قال العميد الركن هشام جابر: “نسمع يومياً عن حوادث أمنية جنائية، ولكنني لا أتخوف من أعمال إرهابية أو حرب. وهذه الجرائم الجنائية التي لا تتخذ طابعاً سياسياً انما هي نتيجة الأزمة الاجتماعية الخانقة، منتظرة دائماً. انها كرة ثلج ستكبر لأن الناس لم تعد لديها قدرة على الاحتمال، ولكن الى الآن الأمن ممسوك الى حد كبير. والسؤال هنا: الى متى سيتحمل الشعب، والطبقة السياسية في عالم آخر تتلهى بتراشق الاتهامات، وهمها تحقيق المآرب السياسية والمالية؟”.

ورأى أن “هناك تخوفاً ليس من انفجار كبير انما كرة الثلج ستكبر شيئاً فشيئاً بحيث يمكن أن نشهد يوماً بعد يوم خللاً أمنياً على صعيد فردي أو مجموعات أو عصابات”، متسائلاً: “الى متى يحمي الجيش والقوى الأمنية هذه الجماعة الفاسدة وهم يعانون من الأزمات؟ الطبقة الحاكمة لا تعمل بضمير ولا حل سريعاً الا اذا قام الجيش بمبادرة ما كأن يتسلم المرافق الأساسية التي تسودها السرقة والنهب، ويشرف عليها، ولكن لا أنتظر أي مبادرة في هذا الاطار لأن المرحلة صعبة وأمامنا استحقاقات كبيرة”.

من جهته، اعتبر العميد الركن نزار عبد القادر أن “هناك لعبة يلتقي فيها السياسيون مع بعض كبار التجار الذين يستغلون الأزمة لخلق نوع من حالة الضغط والخوف في البلد، والتهديد بإنفلاش أمني”. وقال: “في القراءة السياسية للانهيار الذي نراه وارتفاع الاسعار، نرى أن ذلك يتعلق بصورة مباشرة بنتائج الانتخابات. وأعتقد أن تحريك سعر الصرف صعوداً هو سياسي. وبدل أن ترخي الانتخابات بظلالها الايجابية، ويرتاح البلد راحة مؤقتة، سادت أجواء سلبية لخلق مناخ من التصعيد”.

ورجح “أن تكون هناك وراء حركة انهيار العملة الوطنية (قبة باط) من محور الممانعة لايصال رسالة الى السياديين والتغييريين والأحزاب التقليدية المعارضة مفادها أنه لن يكون من السهل تحقيق أهدافكم سواء في انتخابات رئيس المجلس ونائبه أو تحقيق الحلم بأن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض”، معتبراً أن “لا هدف يتقدم أمام الأهداف السياسية لهذا الفريق”.

ورأى أنه “لولا التدفقات والمساعدات المالية لكنا شاهدنا مجاعة منذ فترة، لكن هناك نهاية لهذا المسار، ونحن نقترب منها لأنه ليس باستطاعة الدولة اللحاق بهذه الكارثة. وقد نصل الى فوضى أو انزلاق أمني في حال استمر الانهيار، ووصلت الناس الى المجاعة”.

شارك المقال