انقلاب “حزب الله” والتيّار

الراجح
الراجح

عندما اندلعت حرب لبنان في نيسان عام 1975، لم تكن شرارتها مسألة اطلاق النار على كنيسة في عين الرمانة، ولا مقتل فلسطينيين على أيدي عناصر كتائبية بل نتيجة الاحتقان الايديولوجي، والخلل في التوازنات السياسية والتناقضات بين اللبنانيين والفوارق الاجتماعية الطائفية. وقد تغذت هذه التناقضات من وضع لبنان الجغرافي السياسي بين سوريا واسرائيل والصراعات العربية – العربية والدولية على الساحة اللبنانية، فضلاً عن نمو المقاومة الفلسطينية بعد عام 1967 وترسيخ دورها السياسي والعسكري في لبنان، وتدخلها في الأزمة اللبنانية، لصالح القوى اليسارية الساعية الى اقامة نظام يساري متحالف معها.

سببت التطورات الداخلية آنفة الذكر وتقاطعها مع العوامل الخارجية اندلاع الحرب في لبنان التي تميزّت بمحطاتها الانتحارية القاتلة. فمنذ انشاء “دولة لبنان الكبير” وباستثناء أزمة عام 1958 التي استمرت بضعة أشهر، لم تصل الخلافات بين اللبنانيين الى درجة التفجير العسكري، ولم تأخذ بعداً طائفياً خطيراً واقتصرت على النزاع السياسي، فكانت ديموقراطية لبنان التوافقية وتداخل مصالح الطوائف والقوى السياسية بعضها مع البعض الآخر صمام أمان قادراً على ضبطها.

على عكس ذلك تداعت في الفترة ما بين عامي 1975 – 1990 صيغة “التعايش الطوائفي” التي كانت أساس تسوية 1943 وحدث انشطار مجتمعي على أساس طائفي ومذهبي – مناطقي ناتج عن مشاريع التقسيم والتهجير والنزوح داخل البلاد. وعندما انتهت الحرب في عام 1990 بلغ عدد المهاجرين والمهجرين حوالي مليون لبناني فيما فاقت الخسائر البشرية والمادية كل تصور. وكان لهذه الحرب أكثر من محطة قاتلة جعلت لبنان في حالة انتحار متواصل، بدءاً بحرب السنتين، مروراً بالاجتياح الاسرائيلي للبنان عامي 1978 و1982، وتداعيات انتفاضة 6 شباط 1984 وانتهاءً بحروب الجنرال ميشال عون عامي 1989 و1990. واتسمت هذه المرحلة أو المراحل بتأزم سياسي طائفي أسقط كل أسس التعايش بين اللبنانيين، وخلال تلك الفترة صدر عن مرجعيتين أساسيتين وبفارق حوالي عشر سنوات ما يلي:

صدر عن المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى برئاسة الامام موسى الصدر ورقة عمل للاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤكد على نهائية الوطن اللبناني وفي حدوده الحاضرة والتشديد على عروبته والتزامه بقضايا العرب الأساسية. وأصرت الورقة كذلك على رفض التقسيم تحت أية ذريعة وستار، وطالبت بما يلي:

  • الغاء الطائفية السياسية من كل مرافق الدولة.
  • فصل النيابة عن الوزارة.
  • انتخاب رئيس مجلس النواب لمدة أربع سنوات.
  • انتخاب رئيس مجلس الوزراء من قِبَل المجلس النيابي وإشراكه مع رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة!!.
  • تحديد صلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بشكل واضح.

وكان ذلك في 11 أيار 1977 وتلا ذلك وبعد مرور تسع سنوات بيان الفعاليات المسيحية وجاء كالآتي:

“على خط مواز مع بيان مجلس المطارنة الموارنة في 25 كانون الثاني 1986 الذي تزامن مع أحداث المنطقة الشرقية”، بعد الانقلاب على “الاتفاق الثلاثي” ومأزق الرئيس أمين الجميل مع سوريا ومطالبة الحبر الأعظم القيادات المارونية بعدم التطرف، صدر في 9 آذار 1986 عن الفعاليات المسيحية (حزب الكتائب، حزب الوطنيين الأحرار، القوات اللبنانية، تجمع النواب الموارنة المستقلين، نواب الأرمن ومندوبون عن الطائفة الأرثوذكسية والرابطة المارونية) مشروع اتفاق لحل وطني في لبنان أكد على ما يلي:

  • عروبة لبنان انتماءً وهوية.
  • التعددية الطائفية والحضارية والثقافية لكل طائفة من طوائف لبنان.
  • رفض التقسيم والفيدرالية والأمن الذاتي، والقبول بلبنان وطناً نهائياً للجميع.
  • تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي.
  • تطوير الصيغة اللبنانية وإدخال تعديلات على الحكم تشمل المساواة بين المواطنين سياسياً واجتماعياً وصولاً الى العلمنة.
  • مداورة الرئاسات الثلاث بين المسيحيين والمسلمين مرة كل أربع سنوات.
  • المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في المجلس النيابي، وانتخاب رئيس مجلس الوزراء من قِبَل المجلس المذكور.
  • التدرج في الانتقال من مرحلة النظام الطائفي الى الانصهار الوطني.
  • انشاء محكمة دستورية ومجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء ومجلس اقتصادي اجتماعي.
  • اللامركزية الادارية واعادة بناء الجيش واصلاح الاقتصاد وتنمية المناطق بصورة عادلة، وتعزيز التعليم الرسمي وتوحيد الكتاب المدرسي.
  • علاقات مميزة بسوريا بحكم الواقع الجغرافي والتاريخي وأن تتجسد في مجالات السياسة الخارجية والعلاقات العسكرية والأمنية والاعلامية والاقتصادية.

من هذه الطروحات ولد اتفاق الطائف دستوراً للبلاد، والدستور لا تغيّره موازين القوى الداخلية، فحين يتغيّر ميزان القوى تتغير البرامج الاقتصادية الاجتماعية من دون المس بالدستور الذي لا يغيّره الا المجلس النيابي وبأكثرية الثلثين بحسب الدستور أو الانقلاب بحكم القوة العسكرية، وفي حال كان هذا ما يسعى اليه “حزب الله” وحليفه العوني “ذو التيّار الوطني الحر” فما عسانا الا استخدام اللغة المتداولة حالياً “فشرتو”…

شارك المقال