الاستحقاق الرئاسي… فراغ وأسماء بنكهة تسوية دولية

هيام طوق
هيام طوق

طُويت صفحة الانتخابات النيابية إلا أن ما يتبعها من استحقاقات دستورية مهمة يجعل البلاد والعباد على كف عفريت لأن الانقسامات كبيرة في الكتل المتعددة بحيث ضاعت نظرية الأقلية والأكثرية في الصناديق الانتخابية، واستمر الكباش على مدى أيام حول الحواصل والتمثيل الشعبي الصحيح خصوصاً لدى الطائفة المسيحية لا سيما أن من يملك مفتاح التمثيل الماروني الأكبر ستكون حظوظه أوفر نحو قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية العهد الحالي في 31 تشرين الأول المقبل، وهذا ما يفسر شراسة المعركة التي شهدتها الدوائر والمناطق المسيحية.

صحيح أن الكل ينشغل حالياً بتمرير الاستحقاقات بتسلسلها القانوني بدءاً من انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه مروراً بتشكيل حكومة وما يعترضها من صعوبات وعرقلات، وصولاً الى انتخابات الرئاسة الأولى، إلا أن الأخيرة تعتبر المحطة الأهم بحيث أن أبواب هذه المعركة فُتحت على مصراعيها بين شخصيات تعتبر نفسها مؤهلة لتتسلم الموقع الأول في الدولة ومنها بعض السياسيين التقليديين مثل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. واعتُبر فرنجية قبل الانتخابات النيابية الأوفر حظاً إلا أن النتائج قلصت حظوظه كما حظوظ باسيل ليس بسبب التراجع في المقاعد، انما للتقلص الكبير في شرعية التمثيل المسيحي اذ أن الناس قالت كلمتها في صناديق الاقتراع بأنها ترفض أن يقود رئيس الجمهورية الماروني أي حزب داخلي أو دولة اقليمية. كما يتم التداول باسم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لرئاسة الجمهورية إلا أن هذا الترشيح ستواجهه عقبات كثيرة بسبب عدم قبوله من حلف “الممانعة”. ومن خارج الأحزاب التقليدية يتداول بأسماء كالنائب نعمة إفرام، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، والعديد من الشخصيات التي تتمتع بصفات معينة تمكنها من قيادة المرحلة المقبلة الأكثر دقة وصعوبة، وهذا ما يناقش في الصالونات السياسية حتى أن المعلومات تحدثت عن تواصل جهات عربية وأجنبية مع قوى لبنانية بمباركة فاتيكانية لاقتراح عدد من الأسماء المؤهلة لمنصب رئاسة الجمهورية بمعنى أن يكون الرئيس المقبل وسطياً وعقلانياً وغير استفزازي، ويزين الأمور بميزان الجوهرجي لأن الوضع لا يحتمل الفراغ ولا أي خطوة ناقصة.

وفي هذا الاطار، أكدت أوساط معنية لـ “لبنان الكبير” أن هناك حديثاً عن لائحة بأسماء لديها صفات معينة بعيدة عن تلك التي طرحت سابقاً، ولكن لا معلومات دقيقة إن كانت هذه اللائحة مطلوبة من خارج الحدود. وفي حال صحّت هذه المعطيات، فإن ذلك دليل غير جيد لأن الآلية الديموقراطية يجب أن تسلك مسارها القانوني الصحيح عبر مجلس النواب.

وبينما حدد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي مواصفات رئيس الجمهورية الذي “يعمل على تحديثِ علاقاتِ المكونّاتِ الميثاقيّةِ في ظل دولة قادرةٍ على استيعاب التعدّديّةِ واحتضانِ الجميع في نظامٍ لامركزيٍّ موسّع. ويعمل ساعياً على أن يتوحّد الولاءُ، ويُلتزَم بالحيادِ، وتُطوى جميعُ المشاريعِ الدخيلةِ على وطنِنا ومجتمعِنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان، ويَنظر الأفرقاءُ إلى بعضِهم البعضِ كشركاء وأخوة، لا كأعداء وإقصائيين. ويصبّ الرئيس الجديد قواه على تعزيزِ استقلالِ لبنان وسيادتِه وهُويّتِه الأصيلةِ من خلالِ شرعيّةٍ ملتزِمةٍ بالدستورِ والميثاق”، تسرّب معلومات عن أن البطريركية وضعت لائحة من الأسماء ليتم التوافق على اسم من بينها، إلا أن مصادر بكركي أكدت لـ “لبنان الكبير” أن هذه المعلومات لا تمت الى الحقيقة بصلة لأن بكركي لا تدخل في لعبة الأسماء، ولا تتدخل في هذه التفاصيل، ولا يجوز انتظار اقتراح أي اسم من البطريرك لرئاسة الجمهورية.

وفيما قال رئيس الجمهورية ميشال عون انه لن يسلم البلاد للفراغ ليعود ويوضح أن موقفه هذا استثمر بشكل خاطئ وأن التمديد غير وارد وسيترك قصر بعبدا في 31 تشرين الأول المقبل ولن يبقى لحظة واحدة فيه بعد هذا التاريخ، فإن الدستور ينصّ على انتخاب الرئيس الجديد في مهلة الـ60 يوماً التي تسبق موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي، ما يعني أنّ هذه المهلة تبدأ في أول ايلول وتنتهي في 31 تشرين الأول.

أشهر قليلة تفصلنا عن الاستحقاق الرئاسي لكنها مليئة بالتحليلات والتوقعات بين من يؤكد أن العهد مصر على إيصال باسيل إلى رئاسة الجمهورية، وإذا لم ينجح فسيرفض الرئيس عون مغادرة قصر بعبدا وصولاً الى التمرد على الدستور، وبين من يعتبر أن الفراغ الرئاسي واقع لا مفر منه إلا اذا حصل تدخل دولي ما.

وفي هذا السياق، اعتبر مجد حرب أنه “لو كنا في نظام ديموقراطي شرعي، لا يتم طرح هذا الاسم أو ذاك انما يفوز من يحصل على الأكثرية النيابية، ولكننا في بلد يسيطر عليه السلاح، والدستور فيه وجهة نظر بحيث أن البدع عطلت النظام الديموقراطي، وفرضت انتخاب رئيس جمهورية بصورة غير ديموقراطية، وهذا كرّسه عرف السلاح”. واذ أعرب عن أسفه “ألا تحصل الانتخابات الرئاسية الا بصورة توافقية”، رأى “أننا متجهون الى فراغ رئاسي اذا لم تحصل تسوية كبرى”.

وأشار الى أن “هناك أسماء محايدة تطرح لرئاسة الجمهورية، لكن هذا لا يدل على نظام ديموقراطي سليم. ليست لدينا أسماء معينة ولكن يمكن أن نرسم الشخصية التي يتم الحديث عنها”، مشدداً على أن “العودة الى الدستور والمؤسسات هي التي تنقذ البلد وليس إسم الشخص لأنه اذا وصل شخص آدمي الى موقع الرئاسة في ظل السياسات التي تمارس، فلا يمكنه الانقاذ”.

وأكد أن “وضع أي استحقاق دستوري في خانة التوافق، يضرب النظام الديموقراطي، وهذا أساس البلاء الذي أوصل البلد الى هذه المرحلة”، لافتاً الى أن “احتمال الفراغ الرئاسي كبير بسبب الممارسات السابقة وسلطة السلاح”.

من جهته، رأى الصحافي طوني عيسى أن “موضوع الانتخابات الرئاسية يتم سلقه خصوصاً أن الأزمات التي تسبقه كبيرة وعديدة من المجلس النيابي الى الحكومة وصولاً الى انتخاب رئيس الجمهورية. إذاً، من المبكر التنبؤ بجو البلد الذي يسبق الاستحقاق الرئاسي، وما اذا كانت هذه الانتخابات ستجري في موعدها”، معتبراً أن “الكلام اليوم عن أسماء، بمعزل عن أن هناك من ارتفعت حظوظه ومن انخفضت، لا يزال باكراً ليس لناحية تاريخ الاستحقاق بعد أشهر قليلة، بل لناحية تسلسل الأحداث والاستحقاقات التي تسبقه”.

وقال: “لم يحصل نقاش حتى الآن حول اسم الرئيس المقبل، وربما الظروف تستدعي أن يكون هناك حوار وطني قبل الاتفاق على اسمه”.

شارك المقال