تسونامي الانهيارات… تحضير الساحة اللبنانية لصراع إقليمي؟

هيام طوق
هيام طوق

على صفيح ساخن يمضي اللبنانيون يومياتهم بانتظار الهزة الكبيرة التي تنقلب فيها الدنيا رأساً على عقب، وما التحركات لمختلف القطاعات واعلاء الصوت من كل الجهات وقطع الطرق في كل المناطق سوى جرس انذار للارتدادات القوية المتوقعة والتي تتخذ طابع موجات غضب شعبية أو ثورة جياع بعد أن حاصرتهم نيران الأزمات من كل جانب.

تسونامي الانهيارات الذي جرف معه الأخضر واليابس في البلد، لم يسلم منه الا المسؤولين الذين يتلهون بعملياتهم الحسابية الدقيقة في الحصص والأحجام في الاستحقاقات الدستورية المقبلة حيث “البازار” مفتوح على مصراعيه حول نيابة رئيس المجلس النيابي، مروراً بتشكيل الحكومة التي يبدو مسارها محفوفاً بكل أنواع العرقلة، وصولاً الى الاستحقاق الرئاسي الذي يلفه الغموض والضابية من كل حدب وصوب.

وإذا كانت مؤشرات الخبراء تنذر بقرب الارتطام الكبير، ومعطيات المسؤولين الأمنيين تجعلهم يتخوفون من أحداث أمنية تكبر ككرة الثلج يوماً بعد يوم إن كان على صعيد فردي أو على صعيد مجموعات وعصابات، فإن ما يزيد الطين بلة أصداء المواقف الآتية من خلف البحار والتي تتحدث جميعها عن شلل سيصيب البلاد على مدى سنوات طويلة. كل ذلك، يبقى مقبولاً عند الحديث عن اشارات مقلقة تنذر بحرب محتملة أو مواجهة عسكرية بين “حزب الله” واسرائيل قبل نهاية الصيف، في ضوء توعد الجيش الاسرائيلي بسيناريو قاس للحرب المقبلة في حال حصولها.

الخطر داهم على المستويات كافة، وهستيريا الأسعار فاقت القدرة على التحمل، والمنظومة الحاكمة في غيبوبة تامة عن أوجاع الناس لتثبت مرة بعد مرة أنها في عليائها “تطنش” عن صرخات المتألمين، ولا تزال تفاخر بإتمام انتخابات نيابية على أنقاض البلد وأهله وكأنها أدّت قسطها للعلى على عيون المجتمع الدولي، حتى بات القاصي والداني يعترف بأن لا خلاص للبنان سوى بعجيبة سماوية أو تدخل دولي حاسم وجازم.

وفي الانتظار، سيدفع اللبنانيون الفاتورة الباهظة من جيوبهم وصحتهم وأعصابهم وإحباطهم طالما أن هناك طبقة سياسية لا تبالي إلا بتقاسم الحصص، وما تبقى من خيرات البلد، وما الانهيار السريع والكبير مباشرة بعد إقفال صناديق الاقتراع الا خير دليل على أن السلطة كانت تعمل على ضبط الأمور لتمرير الاستحقاق النيابي ومن بعده “خللي البطيخ يكسر بعضو”، بحيث أن العديد من المحللين يربطون الانهيار بصورة مباشرة بنتائج الانتخابات، ولا يستبعدون أن يكون الانهيار “قبة باط” من محور الممانعة لايصال رسالة الى السياديين والتغييريين والأحزاب التقليدية المعارضة مفادها أنه لن يكون من السهل تحقيق أهدافهم سواء في انتخابات رئيس المجلس ونائبه أو تحقيق الحلم بأن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض. الجميع كان يتوقع الانزلاق نحو الهاوية، ولكن بعد أسابيع من الانتخابات التي كان من الطبيعي أن ترخي بظلالها الايجابية، ويرتاح البلد مرحلياً إلا أن ما حصل هو العكس كلياً، فسادت أجواء سلبية ما يعني أن السلطة تتبع سياسة المد والجزر حسب ما تقتضيه رياح مصالحها.

وفي السياق، شدد الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين على وجوب “أن نخرج من العقل المؤامرتي وكأن ما يحصل نتيجة حصار أميركي”، سائلاً: “هل يُدار البلد بشكل صحيح؟ هل هناك اجراءات اصلاحية؟ وكيف يصمد البلد في ظل السياسات التي تُمارس؟”.

وأكد أن “المنظومة الحاكمة ليست مستعدة ولا تريد أن تقوم بأي اجراء اصلاحي ايجابي كي تعطي الثقة لفرملة التراجع. الواضح أن الذهنية التي كانت سائدة قبل الانتخابات لا تزال هي نفسها. ليس هناك من خطاب يدفع نحو التفاؤل”، معتبراً أن “المنظومة ليس باستطاعتها التهديد وليست لديها خيارات بافتعال الانهيار أو الانقاذ، وهي ليست مرتاحة على وضعها، ولا فكرة لديها للاستمرار سوى بخراب البلد وليس اصلاحه. لا يجوز أن نعطيهم مكسباً وهم خاسرون”.

ورأى أن “المنظومة أوصلت البلد الى مكان بات من الملح القيام بعملية انقلابية سياسية بمعنى منهج جديد في ادارة الأزمة للخروج منها. الادارة السيئة للمنظومة السياسية أوصلت الأمور الى مكان يؤكد حاجة لبنان الى التغيير بمعنى أن الاوضاع لن تتحسن ويلجم الانهيار اذا لم يحصل التغيير الحقيقي”، لافتاً الى أن “الأزمة تعبير عن تشبث المنظومة بأسلوبها وسلوكها وسياستها”.

من جهته، اعتبر مدير “المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات” حسان قطب أن “كل ما قامت به السلطة قبل الانتخابات لتمرير الاستحقاق ليس سوى محاولة لتهدئة الأمور لأن الوضع الحالي لو كان سائداً قبل الانتخابات لما حصلت. وبحسب فريق الممانعة، فإن الانتخابات لن تغيّر في شيء، وبالتالي، نحن محكومون بالسلاح الذي يفرض شروطه”.

وأشار الى أن “مصير البلد مرتبط بما سوف يجري الأحد خلال مسيرة الأعلام الاسرائيلية في القدس، اذ أن الفصائل الفلسطينية هددت والسيد حسن نصرالله وضع البلد على سكة الانفجار الاقليمي اضافة الى المشهد السوداوي في المنطقة من توقف مفاوضات فيينا وغيرها من التطورات التي تؤشر الى أن الأمور خطيرة جداً، وما يجري في الداخل اللبناني تهيئة ظروف لما سيجري اقليمياً”.

أضاف: “لبنان جزء من المنطقة، ويتأثر ولا يؤثر بما يجري حوله، لذلك نحن مرهونون بالواقع المتغيّر في المنطقة. نحن رهائن، وفريق الممانعة يوجه تحذيراته الى المجتمع الدولي الذي يحتضن لبنان وخصوصاً العرب، من أنه اذا لم يتجاوب مع رغبات ايران وطموحاتها في المنطقة، فالساحة مفتوحة على كل الاحتمالات. ما يجري اليوم تحضير الساحة اللبنانية لتكون ساحة صراع اقليمي، اذ ليست هناك حرب أهلية لأن فريقاً واحداً يملك السلاح”.

ونبّه على أن “الأمور خطيرة وليست سهلة، وغير محصورة بما يجري في الساحة الداخلية التي ليست سوى انعكاس لما يحضّر في الخارج. نحن أمام مفصل تاريخي يحدد مستقبل لبنان والمنطقة”.

شارك المقال