النصر للقراصنة!

حسناء بو حرفوش

ما الذي سيحسم المعركة على الأرض الأوكرانية ومن الذي سيفوز بالحرب؟ الفوز لا محالة للقراصنة الذين يستخدمون الفضاء الالكتروني لقلب المعادلات حسب قراءة في موقع “غلوبال فويسز” (globalvoices) الالكتروني. ووفقاً للقراءة، “لاحظت شركة Microsoft نشاطاً غير عادي في 3 كانون الثاني 2022، مصدره Microsoft Exchange، حيث أرسلت كميات كبيرة من البيانات إلى عناوين IP كشفت التحقيقات من خلالها أن المهاجمين هم قراصنة روس، استخدموا ثغرة أمنية في Microsoft لسرقة المحتويات الكاملة للعديد من صناديق بريد المستخدمين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوكرانيا والولايات المتحدة وأستراليا. وشكلت هذه الحادثة أول سلسلة من الهجمات الالكترونية على أوكرانيا، وضمناً على المواقع الحكومية بالتزامن مع نشر رسائل تهديد ودفع الأوكرانيين الى سحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي. تضاف إلى ذلك الهجمات على المصارف والتهديدات للمدارس، وحتى البرامج الضارة التي من شأنها محو جميع البيانات في الشبكة.

وعلى الرغم من أن روسيا لم تعترف بهذه الهجمات قط، تتوافر أدلة مقنعة على أنها إما تستأجر قراصنة روس أو تشجعهم على شن هجمات من هذا النوع. وقد تورطت في السابق في هجمات إلكترونية في أوكرانيا وإستونيا وجورجيا والولايات المتحدة. ففي العام 2014، أي قبل أربعة أيام من الانتخابات البرلمانية الأوكرانية، ثبتت برامج ضارة على نظام الانتخابات المركزي الأوكراني، لتصور المرشح المؤيد لروسيا على أنه الفائز. واخترقت هذه البرامج الضارة الملفات الهامة وحذفتها، وعطلت نظام فرز الأصوات. وبعد إغلاق صناديق الاقتراع، واجهت لجنة الانتخابات المركزية الأوكرانية هجمات عطلت شبكتها ولم تتمكن من إعلان النتائج لمدة ساعتين، أعلنت خلالهما وسائل الاعلام الروسية أن المرشح الذي تدعمه فاز في الانتخابات بنسبة 37% من الأصوات.

وفي العام 2015، شنّت القوات الالكترونية الروسية هجمات بالبرمجيات الخبيثة عن بُعد ضد أوكرانيا. واستهدفت البرمجيات الضارة المعروفة باسم BlackEnergy رسائل البريد الالكتروني للأفراد في شركات الطاقة المختلفة، الذين بمجرد قيامهم بالنقر على روابط هذه البرمجيات الضارة المرفقة، ينشط برنامج KillDisk المدمر الذي يمحو أجزاء من محركات الأقراص الثابتة لأجهزة الكمبيوتر ويمنع الأنظمة من إعادة التشغيل. وأدى ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي في أوكرانيا. كما أطلق المتسللون في الوقت عينه هجوم TDoS (رفض الخدمة الهاتفية) لمنع المواطنين من الاتصال بمركز مساعدة الكهرباء للابلاغ عن أي فقدان للطاقة. وتسبب هذا الهجوم المزدوج بانقطاع التيار الكهربائي الحاد في أوكرانيا الذي أثر على أكثر من 225000 مواطن. ويعتبر الحادث أول هجوم على البنية التحتية العامة عن بعد باستخدام الأسلحة السيبرانية.

استراتيجية قديمة

أثناء نزاع بين روسيا وإستونيا بعد قرار تالين عاصمة الأخيرة بنقل أحد النصب التذكارية للحرب العالمية الثانية السوفياتية من مكانها الأصلي في العام 2007، أسقطت القوات الالكترونية الروسية أنظمة الادارة العامة والمصرفية للدولة الإستونية بعد اختطاف وتسخير مليون جهاز كمبيوتر في جميع أنحاء العالم في عملية سميت BotNet. وأشارت التقديرات إلى أن روسيا استخدمت في هذا الهجوم أكثر من مليون جهاز كمبيوتر من 70 دولة مختلفة. وطلبت إستونيا المساعدة من الناتو بموجب المادة الخامسة، لكن الناتو لم يكن قادراً على تقديم الدعم في ذلك الوقت، وهو الوضع الذي أثار قضية الهجمات الالكترونية والتي تتطلب دفاعاً جماعياً. وفي وقت لاحق، تبنى التحالف المفهوم الاستراتيجي “لمنع الهجمات الالكترونية واكتشافها والدفاع عنها والتعافي منها”.

وفي آب 2008، انخرطت روسيا وجورجيا في نزاع مسلح حول أوسيتيا الجنوبية، التي انفصلت عن جورجيا. وأشرفت روسيا أثناء قيامها بعمليات عسكرية، على هجمات DDoS ضد العديد من المواقع الالكترونية الجورجية التي أثرت بشدة على خدمات الاتصالات والخدمات المالية (…). وبعد هجوم DDoS الالكتروني الروسي، بدأ العديد من المتسللين المؤيدين لجورجيا بهجمات مضادة ضد الخوادم الروسية، بما في ذلك عدد قليل من مواقع وسائل الاعلام الروسية. ولكن مع حجب المواقع والاتصالات والأخبار الروسية، سرعان ما غرق المواطنون الجورجيون في تعتيم إعلامي. وخلقت الرقابة على وسائل الاعلام وتصفية الانترنت حالة من الذعر وساعدت في نشر الشائعات والمعلومات المضللة حول انتصار روسي. وحققت روسيا في هذه الحرب، انتصارها من خلال التحكم في التدفقات والإنترنت والسرد عبر تعطيل الخدمات الحكومية والمواقع الالكترونية والخوادم المالية ومنع المواطنين الجورجيين من الوصول إلى المعلومات.

دروس لأوكرانيا

وتحمل هذه التجارب دروساً في التحديات الحالية التي تواجه أوكرانيا، حيث بمجرد أن بدأت الهجمات الالكترونية الروسية في شباط 2022، أعلنت جماعة قرصنة مجهولة مؤيدة لأوكرانيا أنها استهدفت قنوات تلفزيونية روسية لعرض رسائل مؤيدة لأوكرانيا. وعلى عكس جورجيا في العام 2008، تحظى أوكرانيا بدعم إلكتروني من قبل الناتو وجيرانها. فبعد أن نقلت روسيا قواتها نحو كييف، وقع الناتو اتفاقية مع أوكرانيا لتعزيز قدراتها الالكترونية ومنحها إمكان الوصول إلى منصة مشاركة معلومات البرامج الضارة التابعة للحلف. كما عرض البيت الأبيض الدعم الالكتروني للحكومة. وعرض إيلون ماسك خدمة Starlink، لتشغيل الخوادم الحكومية. كما شكل الاتحاد الأوروبي فريق الاستجابة الالكترونية السريعة، وأطلقت رومانيا شراكة لتقديم دعم تقني مجاني ومعلومات عن التهديدات للحكومة والشركات والمواطنين في أوكرانيا (…) ومع تقدم الحرب، يبقى الدرس المستفاد من جورجيا هو دور تدفق المعلومات إلى المواطنين كعامل حاسم في سياق الحرب”.

شارك المقال