حكومة ميقاتي وامتحان الأشهر التسعة

هدى علاء الدين

وُلدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بعد مخاض عسير دام أشهراً من الفراغ الحكومي في مهمة أراد فيها تحمّل أعبائها الثقيلة على فترة امتدت تسعة أشهر، شهدت خلالها الكثير من المطبات والعراقيل وصعوبة تخطي الحواجز واتخاذ القرارات الصائبة. ميقاتي الذي كشف في البيان الوزاري عن خريطة عمل من أجل إخراج لبنان من أزمته المالية، لم ينجح في منع حكومته من الانزلاق في المواقف والسجالات السياسية، فشهدت بعد أقل من شهر على تشكيلها وتحديداً في 13 تشرين الأول الماضي تعليق “الثنائي الشيعي” مشاركته في الجلسات الحكومية قبل العودة عن اعتكافه بعد ثلاثة أشهر من التعطيل بحجة الاستجابة لاحتياجات الناس.

وعود حكومة ميقاتي للبنانيين كانت كثيرة وعديدة، أبرزها استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي والاتفاق على خطة دعم من الصندوق، تعتمد برنامجاً إنقاذياً قصير ومتوسط الأمد، والعمل على إنجاز الخطة الاقتصادية والالتزام بتنفيذها مع مصرف لبنان بعد إقرارها من الحكومة، فضلاً عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتعزيز علاقات لبنان الدولية وتفعيل انخراطه مع المجتمع الدولي وشريكه الأوروبي بما يخدم المصالح العليا للبلاد، وتنشيط الدورة الاقتصادية بما يُسهم في تمويل القطاع الخاص بفوائد مشجعة مع إعطاء الأولوية لضمان حقوق المودعين وأموالهم. كذلك العمل على إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، ووضع مشروع قانون من شأنه معالجة الأوضاع المالية والمصرفية لاسيما تلك المتعلقة بتحويل الأموال إلى الخارج، والاتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام بحيث لا تُحمل الدولة أعباء كبيرة.

اليوم، ومع دخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، يمكن القول إن حكومة ميقاتي لم تستطع تحقيق ما عجزت عنه حكومة حسان دياب، باستثناء إقرار موازنة عامة غير واقعية تتضمن رزماً عالية من الضرائب والرسوم، والتوصل إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، وإقرار خطة اقتصادية في اللحظات الأخيرة قيل عنها الكثير بسبب بنودها غير العادلة لا سيما تلك المتعلقة بأموال المودعين الذين سيتحملون الجزء الأكبر من الخسائر المالية، فضلاً عن شطب جزء كبير من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف التجارية بالعملات الأجنبية بقيمة 60 مليار دولار، وصولاً إلى حلّ المصارف غير القابلة للاستمرار بحلول شهر تشرين الثاني 2022 من دون خطة واضحة في ظل صراع واضح بين المصارف والحكومة حول خطة التعافي التي لم ترق إلى مستوى الحلول الجذرية. أما عن سعر صرف الدولار، فقد شكّل المعضلة الأكبر بسبب عدم القدرة على توحيده، وبقي عالقاً بين سعر منصة “صيرفة” والسوق السوداء وتدخلات حاكم مصرف لبنان للجم صعوده.

كذلك فشلت الحكومة في تمرير قانون “الكابيتال كونترول” في المجلس النيابي، وفي إقرار الدولار الجمركي في جلستها الأخيرة، فما كان لها إلا أن رفعت من تعرفة الاتصالات والانترنت بأسعار ستطيح مع أسعار المحروقات وارتفاع الدولار بمفاعيل مرسوم إقرار زيادة غلاء المعيشة الذي أقرته مؤخراً، لتضع بذلك الحجر الأساس لمرحلة صعبة تنتظر اللبنانيين. فما لم تقره خلال فترة عملها أقرته في الساعات الأخيرة، مع علمها المسبق أن فترة ما بعد الانتخابات ستكون أكثر وطأة على اللبنانيين لناحية ارتفاع الدولار وغلاء الأسعار من دون وضع أي سياسات اجتماعية وحمائية ودخول لبنان مرحلة عدم اليقين السياسي وما قد ينتج عنه من فراغ حكومي في المرحلة المقبلة. من جهة أخرى، لم يحصل القطاع الخاص على أي مبادرات أو تحفيزات استثمارية، على خلاف ما ذكرت الحكومة في بيانها، ولم تُدخل على خزينتها العاجزة أي مورد مالي، حتى أن علاقات لبنان مع الدول العربية شهدت انتكاسات خطيرة قبل أن يٌفك الحصار الديبلوماسي عنه بعد قطيعة خليجية دامت أكثر من أربعة أشهر بسبب تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي.

على الرغم من الاستحقاقات الكبيرة التي كانت على عاتق الحكومة، إلا أن حكومة ميقاتي أخفقت في الإيفاء بوعودها وفي إقرار خارطة طريق اقتصادية لمعالجة التحديات والأزمات التي يعاني منها لبنان بعدما فقدت في الكثير من المحطات استقلاليتها وروح العمل كفريق واحد، وبقيت معظم الملفات معلّقة ولم تشهد أي تقدم ملموس حتى أن إيجاد الحلول أصبح أكثر صعوبة بسبب تفاقم الأزمات وتشابكها. صحيح أن حكومة “معاً للإنقاذ” توّجت مسيرة تسعة أشهر من العمل الحكومي بإجراء الانتخابات النيابية كأحد أبرز إنجازاتها القليلة، لتدخل بعدها مرحلة تصريف الأعمال التي قد تطول مدّتها إلى أجل غير مسمى في حال عدم التوافق على التكليف والتشكيل، وما سيتبعها من استحقاق رئاسي قد يمدد مهام تصريف أعمالها، لكنها فشلت في اتخاذ ما هو الأهم من خلال وضع سياسات واضحة وجدية بعيداً من الشعارات والوعود، لتُشعر المواطن اللبناني بجديتها على أرض الواقع.

تسعة أشهر مصيرية شكلت فرصة للحكومة من أجل النجاح في امتحانها وفرصة للبنان من أجل النهوض مجدداً في اقتصاده، لكن غياب البرنامج الإصلاحي الذي يشمل مكافحة الفساد ووقف الهدر في العديد من قطاعات الدولة مقابل توسع رقعة الخلافات السياسية أفقد الحكومة الحصول على المفتاح الرئيس لتدفق المساعدات المالية واستعادة الثقة داخلياً وخارجياً، واجتياز امتحان إنتشال لبنان من عهد الإنهيار.

شارك المقال