خطر تدهور العلاقات الأميركية مع روسيا والصين

حسناء بو حرفوش

أثارت ملاحظة مرتجلة مؤخرا وغير مخطط لها من الرئيس الأميركي جو بايدن جدلاً مرة أخرى، على الرغم من أنها تندرج في إطار إشارته للالتزام بالدفاع عن تايوان. وفي كل مرة، كان فريق الأمن القومي التابع لبايدن، حسب تحليل لملفين غودمان، يعمل على التراجع عن تصريحات الرئيس، لكن “حقيقة الأمر هي أن الولايات المتحدة تنتهج سياسة المواجهة والاحتواء مع الصين. ولم تكن هناك محاولة لمتابعة حل ديبلوماسي للخلافات مع الصين أو لإعطاء الزعيم الصيني شي جين بينغ سببًا للاعتقاد بإمكانية تحسين العلاقات الصينية – الأميركية من خلال السعي إلى حوار ديبلوماسي جاد.

ولم يصعب تقويم الصين في الماضي لأن بكين اضطرت للتعامل مع الوجود السوفياتي على طول حدود دولية طويلة منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي تطلب عمليات انتشار عسكرية وموارد مكثفة. لم تعد هذه هي الحال. أثناء وجود بايدن في اليابان الأسبوع الماضي، أجرت روسيا والصين مناورة كبيرة في المحيط الهادي، حيث كانت تحلق بقاذفات استراتيجية فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي. وتدل المناورة المشتركة على النجاح الذي تحققه بكين وموسكو في تنسيق السياسة العسكرية ضد مصالح الولايات المتحدة.

وتمتعت الولايات المتحدة بالحظ بشكل خاص لأنه على الرغم من حربها واسعة النطاق ضد فيتنام الشمالية في الستينيات، منح النزاع الصيني – السوفياتي إدارة جونسون ونيكسون حرية التصرف في جنوب شرق آسيا. وأدى النزاع إلى مواجهة دامية على طول نهري أمور وأوسوري عام 1969. وبينما لم تفهم إدارة جونسون طبيعة وشدة النزاع الصيني – السوفياتي، تحركت إدارة نيكسون ببراعة لضمان علاقات أفضل مع بكين وموسكو. وحصدت الديبلوماسية الثلاثية للرئيس ريتشارد نيكسون ومستشار الأمن القومي هنري كيسنجر أرباحًا كبيرة، بما في ذلك معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية ومعاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية مع الاتحاد السوفياتي بالإضافة إلى العلاقات الثنائية المحسّنة مع الصين. وكانت الولايات المتحدة محظوظة بالمثل فيما يتعلق بعلاقاتها الثنائية مع كل من الاتحاد السوفياتي والصين نتيجة تغييرات القيادة في موسكو وبكين. وفي العام 1979، غيّرت الصين مسارها جذريًا واتبعت الإصلاح الاقتصادي والسياسة الخارجية غير الايديولوجية. وأتاحت أزمة تشيرنوبيل عام 1986 فرصة لتطهير الجيش وإنشاء فريق للأمن القومي موجه نحو تحسين العلاقات مع الغرب. والآن، يجب على الولايات المتحدة التعامل مع النزعة القومية المتطرفة ومعاداة واشنطن لفلاديمير بوتين وشي جين بينغ.

أما اليوم، فتهدّد سياسة المواجهة والاحتواء التي تنتهجها واشنطن بتصعيد الضغط العسكري والاقتصادي على الصين. وتفضّل افتتاحيات “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” هذه السياسة المتشددة، كما تدعو إلى زيادة الإنفاق الدفاعي لتمكين “التحديث وإعادة التسلح بشكل أسرع للجيش الأميركي”. ويُفترض أن استراتيجيي البنتاغون يعدّون بالفعل طلبات الميزانية الموجهة نحو “حرب على جبهتين”، والتي دفعت الإنفاق الأميركي إلى مستويات قياسية في الثمانينيات حتى انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. وخلال الأسبوع الماضي، جادل مقال في صحيفة “ذا بوست” أنه “إذا قررت الصين شن حرب على الولايات المتحدة اليوم، فستفعل ذلك بأسلحة حديثة تم شراؤها بأموال أميركية وغالبًا ما يتم بناؤها باستخدام التكنولوجيا المصممة من قبل الولايات المتحدة”. إن الفكرة القائلة بأن الصين “ستقرر شن حرب على الولايات المتحدة” هي فكرة منطقية بشكل خاص. الاعتقاد أن سياسة الاحتواء ستخلف نتائج إيجابية مجرد وهم.

وربما ليس من الكافي تشكيل إطار اقتصادي بين الهند والمحيط الهادي، وهو اتفاق يضم 13 دولة استبعد الصين لأن إطار العمل ليس بديلاً عن الشراكة عبر المحيط الهادي التي تفاوضت عليها إدارة أوباما وتخلت عنها إدارة ترامب. وأدى قرار بايدن الإبقاء على الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى انقسام فريق الأمن القومي الخاص بالرئيس وجادل نائب مستشار الأمن القومي داليب سينغ، بأن إدارة بايدن ورثت التعريفات من إدارة ترامب وأن التعريفات “لا تخدم أي غرض استراتيجي”. وحتى الآن، أقنع المتشددون بأن التعريفات توفر نفوذًا للولايات المتحدة في مواجهة الصين.

لكن لسوء الحظ، لا يبدو أن أي شخص في إدارة بايدن يدعي أن سياسة فصل الولايات المتحدة عن العلاقات مع الصين ومحاولة مواجهة كل من روسيا والصين ستكون باهظة الثمن من حيث الموارد والاعتمادات. وسيتطلب نهج بايدن نفقات ضخمة لكل من المنصات الجوية والبحرية، مما يترك موارد غير كافية للمتطلبات المحلية، ولا سيما للبنية التحتية وتحدي المناخ. وفي الأشهر الأولى له، أكد بايدن أنه ستكون هناك مراجعة للوجود العسكري العالمي. لكنه عهد بهذه المهمة إلى البنتاغون، الذي أوصى بعدم الانسحاب أو التخفيضات. والواقع أن أهم تغيير كان تحسين المطارات في مناطق آسيا والمحيط الهادي.

ومن المؤسف أن بايدن قد شكل فريقًا للأمن القومي من دون جديد لتغيير مخلفات ترامب فيما يتعلق بالسياسة تجاه الصين وإيران وكوريا الشمالية. وفي خضم ذلك، الإنفاق الدفاعي مستمر في الارتفاع والمبادرات الجديدة المتعلقة بالحد من التسلح ونزع السلاح غير موجودة والانتشار العسكري مستمر بالارتفاع. ويطالب محللو الدفاع بالفعل بتوسيع الوجود العسكري في دول البلطيق ودول أوروبا الشرقية الرئيسية مثل بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا. وتهدف هذه الدعوات لإنشاء قاعدة دائمة للوحدات الأميركية من أجل إضفاء الطابع المؤسسي على موقف قوة الجبهة”.

شارك المقال