“حزب الله”… الحرب يمكن أن تنتظر!

أنطوني جعجع

لم تنفجر المنطقة رداً على “مسيرة الأعلام” الاسرائيلية، ولم يحرك أي عربي ساكناً، لا من معسكري الممانعة والتطبيع ولا من ترسانات “حزب الله” في لبنان أو ترسانات “حماس” في غزة.

فعلامَ اعتمد السيد حسن نصر الله عندما حذر من تداعيات تلك المسيرة، في شكل بدا معه الأمر وكأن الحرب ستقع لا محالة…؟

لا أحد يملك جواباً حاسماً عما دفعه الى اطلاق ذاك التحذير الذي جاء بعد أيام قليلة على الانتخابات النيابية التي سحبت منه الغالبية وأبقت لديه الفيتو والقدرة على التعطيل، على الرغم من أن مقربين من “حزب الله” كشفوا أن أمينهم العام توخى من لغة التهويل فتح الطريق بالقوة نحو رئاسة البرلمان الجديد ونيابتها يساعده في ذلك حليفه النائب جبران باسيل وحلفاؤه وخلفهم الرئيس ميشال عون.

والواقع، أن جل ما ينشده “حزب الله” هو الاحتفاظ بالورقة اللبنانية لا الذهاب الى حرب غير مضمونة النتائج من جهة، وغير شعبية من جهة ثانية، معتبراً أن كل الظروف الاقليمية والدولية تقف في مواجهة “المقاومة الاسلامية”، وتحشر ايران في الزاوية الصعبة وتخيّرها بين التعامل مع حصار خانق وقلاقل متصاعدة في الداخل وحرب غير متكافئة ومتعددة الجبهات في الخارج.

والواقع أيضاً، أن الرئيس جو بايدن لم يكن الرئيس “الضعيف” الذي اعتقده البعض قبل عامين، ولا الرئيس الذي يتهالك لابرام أي اتفاق مع طهران على غرار ما فعل سلفه باراك أوباما في العام ٢٠١٥، ولا الرئيس الذي يبدو مديناً لموسكو في انتخابه رئيساً للولابات المتحدة كما بدا سلفه الآخر دونالد ترامب.

فالرجل يبدو مصراً على إبرام اتفاق شامل مع ايران لا اتفاق على القطعة، حتى لو أدى ذلك الى قطيعة كاملة بين بلديهما أو الى مواجهة عسكرية مباشرة أو بالواسطة، يساعده في ذلك تطوران مهمان: الانشغال الروسي بالحرب الاستنزافية في أوكرانيا، وعودة الحرارة الى العلاقات الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية، إضافة الى الوضع المتفجر في الداخل الايراني، والطموحات التركية في سوريا، والانكفاء العسكري الحوثي في اليمن، والانكفاء السياسي الايراني في بغداد، وفوز قوى المعارضة في الانتخابات النيابية في لبنان، والاصرار الاسرائيلي على سحب الخطر الايراني من التداول بأي ثمن.

وأكثر من ذلك، لم يعايش البيت الأبيض منذ انتهاء الحرب الباردة رئيساً يواجه في وقت واحد، الروس في أوروبا والصينيين في تايوان وكوريا الشمالية وايران في آسيا، يساعده في ذلك حلف الأطلسي بكامل عديده وعتاده والجيش الاسرائيلي بكامل سلاحه، اضافة الى دول عربية ترى في ايران ما هو أخطر على أمنها من أي عدو آخر في المنطقة، وتحديداً اسرائيل و”داعش” و”الاخوان المسلمون”.

وانطلاقاً من هذا المشهد، يمكن القول ان مروحة الخيارات أمام ايران و”حزب الله” قد ضاقت، وباتا أمام خيار واحد يصعب ايجاد خيار ثان له وهو الرهان على الوقت لا على الحرب التي تبدو أقرب الى الانتحار منه الى الانفراج، وذلك وسط تقارير تفيد بأن توازن الرعب الذي يتغنى به نصر الله تحول الى توازن بائد لا يجد بيئة تباركه، وهو ما برز في مزاج الناخبين اللبنانيين سواء في البيئة الشيعية أو السنية أو المسيحية أو الدرزية، أي البيئة التي بنت برامجها السياسية على شعار الرفض لسلاح “حزب الله”.

أضف الى ذلك أن هذا السلاح، على أهميته، لم يعد ذاك السلاح المجهول الذي يمكن أن يأخذ اسرائيل المستنفرة على حين غرة كما حدث في “حرب تموز” من دون أن يعني ذلك أنه لم يعد في حسابات الاستراتيجيين الاسرائيليين سلاحاً مزعجاً ولو على مستوى التدمير لا على مستوى التحرير.

أمر واحد، قد يجعل الحرب أمراً مقبولاً في البيئة اللبنانية والعربية، وأمراً مفهوماً في البيئة الدولية، هو الدفاع عن الحدود البحرية المتنازع عليها مع اسرائيل، وأي حرب أخرى لا تصب في هذا الاتجاه قد تعني بداية العد العكسي لموقع “حزب الله” في لبنان والمنطقة.

حتى الآن، لا يبدو “حزب الله” في وارد الذهاب الى حرب، قبل استعادة السلطة المطلقة في لبنان، بدءاً من مجلس النواب مروراً بتشكيل الحكومة العتيدة وصولاً الى رئاسة الجمهورية، معتبراً أن خيار الحرب لا يمكن أن يكون خياراً صائباً في ظل فراغات أو عداوات في مفاصل الحكم في لبنان.

البداية تبدو مشجعة بالنسبة الى “حزب الله”، فهو سيسيطر في ما يبدو مع “التيار الوطني الحر” على مطرقة مجلس النواب ومفتاحه، وسيعملان معاً للسيطرة على الحكومة وقصر بعبدا.

انه السيناريو نفسه القائم منذ العام ٢٠٠٦ من دون زيادة أو نقصان، لكن مع فارق أكثر خطورة هذه المرة ويتمثل في أن “حزب الله” يراهن هذه المرة على جبران باسيل الذي يدخل مجلس النواب خلافاً لعمه ميشال عون، من دون غطاء مسيحي أو سني، رافعاً بيارق “المقاومة الاسلامية” التي طوّعت المعارضة الشيعية ومعها تحفظات نبيه بري الذي يجد نفسه مضطراً لبيع رئاسة الجمهورية لشراء رئاسة البرلمان.

ويقول سياسي مخضرم في هذا المجال: اذا أردتم أن تعرفوا كيف سيكون لبنان الغد، فتمعنوا جيداً في الصورة التذكارية التي تضم حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” جنباً الى جنب سواء في قمة البرلمان أو بين مقاعده، متسائلاً في الوقت عينه عما ستكون عليه الصورة لدى جميع الأطراف في حال رحل نبيه بري على حين غفلة.

وختم قائلاً: لا أحد في كتلة “التنمية والتحرير” قادر على ملء فراغ بري، ولا أحد في كتلة “الوفاء للمقاومة” قادر على الاستقطاب والاستيعاب، مشيراً الى أن لبنان قائم في الأشهر الستة المقبلة على عمر عجوزين واهنين، الأول في ساحة النجمة والثاني في قصر بعبدا، اضافة الى رجل في الضاحية ربط مصيره بمصير ايران، فاما يغرق معها واما يتبنى ما تصل اليه من تسويات من بوابة “المرغم” لا البطل.

اما المعارضة، يقول الرجل المخضرم، فهي في موقع “المنتصر المهزوم”، وان دورها حتى الآن، وفي غياب كتلة اعتراضية وازنة ومؤثرة لا يبدو أكثر من زوبعة في فنجان.

شارك المقال