علامات استفهام حول الاستراتيجية الأوروبية تجاه الصين

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تصب فيه أوروبا اهتمامها على الحرب الأوكرانية، حذر تحليل من ضرورة التفاتها الى التحدي الهائل الذي تطرحه الصين. وإذ ذكّر التحليل بوصف “الاتحاد الأوروبي في العام 2019، الصين بشريك مفاوض يحتاج إليه لإيجاد توازن في المصالح ومنافس اقتصادي في السعي الى تحقيق الريادة التكنولوجية ومنافس منهجي يروّج لنماذج بديلة للحكم، لفت إلى تغير التوازن بين الشراكة والتنافس، بحيث أصبح التنافس النظامي في صميم تفاعلات أوروبا مع الصين.

سياسة قائمة على افتراضين

وقامت سياسات الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة، تجاه الصين على افتراض صحيح وافتراضين خاطئين. بالنسبة الى الافتراض الدقيق فهو أن الصين قوة اقتصادية طاغية: ارتفعت حصتها من الناتج المحلي الاجمالي العالمي في 40 عاماً من أقل من 2% إلى ما يقرب من 18%. أما عن الافتراضات الخاطئة، فليست الصين مؤثرة سياسياً في أوروبا أولاً، وثانياً، الصين دولة بعيدة كل البعد عن القضايا الأمنية الأوروبية، مع الاشارة إلى أنها أصبحت لاعباً مهماً في المشهد السياسي والأمني ​​في أوروبا.

وصدق الاتحاد الأوروبي عندما رأى في الصين منافساً منهجياً في العام 2019، لكنه لم يفهم سريعاً أن بكين تنظر إلى أوروبا، وليس الولايات المتحدة فقط، من المنظار نفسه. وعلى عكس الولايات المتحدة، لا تنظر الحكومات الأوروبية إلى صعود الصين كتهديد. بالنسبة الى الحزب الشيوعي الصيني، تشكل الديموقراطية الليبرالية نموذج الحكم الخاص به. وبينما تتعاطى أوروبا مع مجالات التعاون، مثل مكافحة تغير المناخ ومجالات المنافسة مثل الابتكار التكنولوجي، بناءً على مزاياها الخاصة، يرى قادة الصين هذه المجالات من خلال عدسة التنافس النظامي. وتوفر الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الكربون، على سبيل المثال، فرصاً لإتقان التقنيات مثل تلك اللازمة للخلايا الكهروضوئية، ومن ثم اكتساب النفوذ من خلال السيطرة على السوق العالمية لها. وتدرك أوروبا متأخرة أنها تتنافس مع الصين على النفوذ على مستقبل النظام الدولي والديموقراطية في أوروبا والبلدان الثالثة.

ومن أجل تحقيق بعض الأهداف الأوروبية، تفترض بعض المجالات التعاون مع الصين. وفي ما يتعلق بالمنافسة الاقتصادية، أصبحت الصين جزءاً أساسياً من سلاسل التوريد عبر الوطنية والشريك التجاري الأول لمعظم البلدان في العالم. واعتبرت الشركات الأوروبية أنها سوق ومصدر للسلع المصنعة، ولكن جهود بكين للحد من دور الشركات الأجنبية في اقتصادها المحلي، واستبدادها المتزايد يجعلها شريكاً أقل جاذبية. وعلى عكس المدافعين الأوروبيين عن الاعتماد الاقتصادي المتبادل، ترى قيادة الحزب الشيوعي الصيني الثروة التي جلبتها العولمة للصين في المقام الأول كوسيلة لإضفاء الشرعية على قوة الحزب، بدلاً من تعظيم رفاهية الشعب الصيني. وتسعى الصين حالياً الى الهيمنة على المؤسسات التي تحافظ على هذا النظام أو استبدالها بالتزامن مع زيادة قوتها العسكرية، بما في ذلك مخزونها من الأسلحة النووية. وعلى الرغم من أن الصين لا تسعى الى قلب النظام الدولي بالكامل (على عكس روسيا)، تهدد جهودها لإعادة النظام المصالح الأوروبية الأساسية.

ويتعين على الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بذل كل ما في وسعهم لجعل أوروبا أكثر مرونة ولحماية هويتها كقارة ديموقراطية يسود فيها القانون والتعددية والتنمية المستدامة. لذلك، يجب تعزيز الشراكات مع الديموقراطيات والدفاع عن المؤسسات التي مكّنت العولمة ودعمت الحكم الرشيد وسيادة القانون على الصعيد الدولي. كما تحتاج أوروبا الى تقليل نقاط ضعفها وادارتها في مواجهة الصين وإلى استراتيجية فاعلة للتعامل مع الصين من خلال:

– حماية نفسها ومؤسساتها الديموقراطية من عمليات المعلومات والهجمات الإلكترونية.

– منافسة النفوذ الاقتصادي الصيني على أراضيها ومقاومة الإكراه الاقتصادي عند الضرورة.

– مساعدة الشركات على تحديد نقاط ضعف سلسلة التوريد ودعم التنويع بعيداً عن الاعتماد على الموردين الصينيين.

– عدم تسهيل حصول الصينيين على ملكية الأوروبيين الفكرية، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني.

– فحص الاستثمارات الصينية عن كثب والعمل مع المؤسسات التعليمية والبحثية لعرقلة جهود اكتساب التكنولوجيا التي ترعاها الدولة.

كما تحتاج أوروبا الى تعزيز نفوذها في تعاملاتها مع الصين، بناءً على فهم أعمق لمصادر القوة الأوروبية وعلى قدرتها على تنظيم سوقها الضخم، ومنع عرقلة القرارات السياسة الخارجية والأمنية، وتنسيق السياسة مع الدول الأوروبية غير الأعضاء، بما في ذلك المملكة المتحدة وإظهار أن نماذجها الخاصة للحكم الديموقراطي والسوق الحرة تنتج نتائج أفضل من النظام الاستبدادي في الصين. ولا بد لأوروبا من تمكين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ضد الجهود الصينية لإعادة استخدامها. كما يجب أن تستمر في التعامل مع الصين من أجل المنفعة المتبادلة وتعزيز المنافع العامة العالمية. كما يجب أن تظل أوروبا منفتحة على مشاركة اقتصادية أكبر مع الصين، طالما أن الصين توفر للشركات الأوروبية مجالاً متكافئاً. وأخيراً، لا بد للقارة من معرفة المزيد عن الصين وفهم الروابط بين الشركات الصينية الخاصة ظاهرياً والأهداف السياسية للحزب الشيوعي الصيني. ولكن حسب ما يبدو اليوم فإن أوروبا اليوم بعيدة كل البعد عن مستوى الثقة هذا”.

شارك المقال