لا “تغييريون” ولا من يحزنون

صلاح تقي الدين

إذا لم تكن نتائج الانتخابات النيابية التي أوصلت عدداً من النواب يطلقون على أنفسهم لقب “التغييريين” مفاجئة من حيث الشكل، إلا أنها في المضمون لم تخالف توقعات معظم المراقبين السياسيين الذين كانوا على حق في وصفهم بـ “فقاعة صابون”، وأنهم لن يكونوا موحدين على برنامج أو يملكون رؤية واحدة حيال العمل التشريعي الذي أوكلهم الشعب تنفيذه.

فقد ظهر تشتت هؤلاء النواب بوضوح خلال الجلسة الأولى التي عقدها مجلس النواب لانتخاب رئيسه ونائبه وهيئة مكتبه، فبين من صوّت لصالح “العدالة لضحايا تفجير مرفأ بيروت” و”العدالة للنساء المغتصبات” و”العدالة للمودعين” و”العدالة لضحايا قوارب الموت”، ضاع الصوت ولم يتضح البرنامج الواحد لهؤلاء، وإن كانت العناوين برّاقة وتحمل نفساً شعبوياً إلا أنها ابتعدت كلياً عن مضمون الجلسة التي تحدّد تركيبة مكتب المجلس النيابي.

فمن حيث الشكل، لم يدع هؤلاء “التغييريين” مناسبة في الأيام التي تلت انتخابهم وقبل دخولهم “المسرحي” إلى مبنى البرلمان، إلا وهاجموا فيها السلطة وأركانها وطالبوا بالتغيير بدءاً من رأس هرم المجلس النيابي وصولاً إلى هيئة مكتبه. وإذا كان الثنائي الشيعي قد أقفل بإحكام ترشيح الرئيس نبيه بري إلى رئاسة المجلس ولعدم وجود منافس شيعي له في صفوف “التغييريين”، فإن فوزه كان مضموناً ولن تنفع أوراق بيضاء أو أخرى تحمل شعارات في منع وصول بري للمرة السابعة توالياً إلى رأس السلطة التشريعية.

وفي الشكل أيضاً، طرح هؤلاء “التغييريين” بدعة مخالفة العرف المتبع في توزيع الرئاسات الثلاث، وهذا شيء جيد، لكن أحداً منهم لم يتجرأ على السير بهذا الطرح بحيث أننا لم نر ورقة واحدة تحمل اسماً واضحاً لمرشحهم إلى رئاسة المجلس، وهنا يظهر وجه آخر من “مراهقتهم” السياسية وعدم وجود رؤية واضحة لبرنامجهم على الأقل في المدى القصير.

أما من حيث المضمون، فإن انتخاب نائب رئيس المجلس وهيئة المكتب أظهرت بشكل فاضح انقسام هؤلاء النواب، لا بل أكثر من ذلك، فإن إحداهن ظهرت على شاشة التلفزيون لتعلن بصراحة أنها صوّتت لصالح “التغييري” غسان سكاف وهي ليست مقتنعة بما تفعل، فأي تغيير يمكن أن ننشده من “فقاعات” مثلها؟

“قوم تأقعد محلك”، هذا هو الشعار الوحيد الذي يمكن تطبيقه على هؤلاء النواب الحديثي النعمة، ويبدو أن “الخسة” كبرت كثيراً في رأسهم فسكروا وقريباً ستذهب السكرة وتأتي الفكرة.

لم يفهم أي من متابعي جلسة انتخاب هيئة مكتب مجلس النواب، السبب الذي دفع اثنان من “التغييريين” الى الترشح للعضوية، فبرز النقاش الطائفي “السقيم” واجتهد “قدامى” النواب في تفسير الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، إلى أن بلغ السيل الزبى فرجعا إلى الواقع وانصاعا لمبدأ التوزيع الطائفي والمذهبي لأعضاء هيئة المكتب، ما دفعهما إلى إعلان سحب ترشيحهما بطريقة فولكلورية أرادا من خلالها تحقيق “نصر” شعبوي، فإذا كانت بدايتهما انصياعاً للتركيبة القائمة، فلماذا المناداة بالتغيير؟

لقد أحسن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بتوجيه نصيحة إلى هؤلاء عبر تغريدة على موقع “تويتر” قال فيها: “بعد هزيمة الأمس للأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس نتيجة سوء التنسيق، قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من أجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية الايرانية التي للتذكير ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكل الوسائل ولن ترحم أحداً”. وهذا هو بيت القصيد.

على قوى التغيير أولاً وقبل أي شيء آخر الاتحاد وراء برنامج مشترك، وتعريف الخصم والحليف، فإذا كانت تعارض المنظومة القائمة والتي تسببت بالمآسي والآلام التي يعيشها اللبنانيون، عليها أن تعلن ذلك بوضوح وتقف إلى جانب، وليس خلف، القوى السيادية المعروفة والتي خاضت الانتخابات النيابية تحت هذا الشعار، وإذا لم تفعل، فلن يبقى هناك أي معنى لما تطرحه من شعارات ومواقف، وإلى حين تفعل ذلك، لا يمكن القول سوى أن “حزب الله” أدار اللعبة بطريقة ذكية جداً ويصح أن يطلق عليه لقب “مايسترو” طبعاً بالمعنى السلبي وليس الايجابي.

شارك المقال