إلتباس بسبب “حماس” وتبرير غير مبرّر

زاهر أبو حمدة

لم يخرج أي قيادي بارز في “حماس”، حتى الآن، ليشرح للناس لماذا لم تنفذ الحركة تهديداتها ووعودها؟ نقول “حماس” لأن قادتها أرعدوا عبر الشاشات وزلزلوا بتصريحاتهم قبل يوم الاحد الماضي. يكفي أن تسمع إسماعيل هنية: “لن نسمح مطلقًا باستباحة الأقصى أو العربدة في شوارع القدس”، لتعرف أن رئيس “حماس” جاد جداً بأقواله وستتحول لأفعال. أما خالد مشعل، فكان كلامه أقوى: “المساس بالأقصى سيُسقط السماء على الأرض”. بينما يحيى السنوار أكد أن “المشاهد في القدس لا يجب أن تتكرر” وأن “المساس بالقدس والأقصى يعني حرباً دينية إقليمية”، وثبّت مع شقيقه محمد السنوار، أن الاحتلال سيتلقى 1111 صاروخاً كمجموع الرشقة الأولى، وأن قصف تل أبيب “أسهل من شربة الماء”. نذكر تصريحات “حماس” قبل مسيرة الأعلام وحضور 70 ألف مستوطن الى باب العمود وحائط البراق، لأن الواقع يشير إلى أن الحركة وكتائبها هي من تسيطر على قرار الغرفة المشتركة في غزة. علماً أن قيادات أخرى في الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي هددوا أيضاً، لكن القرار المركزي في الحرب يبقى لـ”حماس”.

لم تقع غزّة في فخ مسيرة الأعلام. كان المخطط الإسرائيلي استدراج غزة ولبنان الى حرب سريعة وخاطفة وحاسمة بتعدد الجبهات، وجيش الاحتلال في جاهزية عالية على المستويات كافة. ومن حق صنّاع القرار وأصحابه اتخاذ ما يرونه مناسباً وفقاً للقدرات والتوقيت، لكن التلويح بالقوة يعني التلويح بالقدرة. وهنا في التحليل استناداً لبعض المعلومات، استنفرت غزة ومعها “حزب الله” ووجهت رسائل أن المعركة آتية.

أطلقت “كتائب القسام” صواريخ بعيدة المدى تجاه البحر كرسالة تحذيرية، وانسحب مهندسون مصريون من القطاع وأخلت المقاومة المراكز الحزبية والحكومية. لكن ما تغيّر في اللحظات الأخيرة، أن ضغوطاً قطرية وتركية ومصرية، شملت الترغيب والترهيب. في الترغيب، إعطاء بعض التسهيلات لقطاع غزة مع عدم استخدام “القوة المفرطة” في القدس أي لا يرتقي شهداء أثناء المسيرة. أما في الترهيب، فالحديث كان عن هجوم إسرائيلي ضد غزة يشمل تطبيق نهج “الأرض المحروقة” ولو سقط ألف شهيد فلسطيني يومياً وقصف أي شيء يتحرك في القطاع وخارجه بسرب طائرات مجهز بأكثر من مئة طائرة حربية ناهيك عن الطائرات المسيّرة والمدفعية، يتبعها اجتياح برّي مهما كلف الأمر.

لذلك، لا نقول إن غزة رضخت للضغوط إنما اشترت وقتاً إضافياً للتجهيز لمعركة آتية لا محالة ربما يختار الفلسطينيون توقيتها وكيفية ادارتها. وهذه الأمور في العادة لا يتفهّمها الجمهور، ولا سيما مع رفع السقوف في التهديدات. فالحروب في أولها هي حرب إعلامية نفسية ومن يربح المعركة الإعلامية يربح نصف الحرب. هذا المضمار تميز فيه الفلسطينيون في أيار الماضي أثناء معركة “سيف القدس”، فحين يقول أحد “الملثّمين” أنه في هذا الوقت سيحظر التجوال في تل أبيب، كان ينجح بذلك. أما “التجييش” والتحشيد الخطابي قبل بدء المعركة فكان يركن به المصرّحون إلى أن تسوية ستحصل في نهاية المطاف، أي أن يغيّر الاحتلال خط سير المسيرة وألا تمر بباب العمود، وهذا لم يستجب له نفتالي بينيت، لأن بنيامين نتنياهو والمعارضة نصبوا له شركاً عبر المسيرة: إذا ما تمت كانت الحكومة ستسقط شعبياً وسياسياً.

أخطر ما حصل يوم الأحد، ولم يعالجه قادة المقاومة حتى الآن، هو الارباك والإحباط في الجمهور الفلسطيني. هذا استدعى تبريرات غريبة عجيبة من قاعدة “حماس” وتخبّط في الأداء، حتى أن قيادات في الحركة لم تعد تجيب على هاتفها وترفض إعطاء تصريحات للصحافة. مما اضطرهم لتسريب تسجيل صوتي لهنية، ينقل فيه حديثه لمبعوث الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينزلاند، ويشير فيه إلى أنه لا ضمانات لما سيحدث لاحقاً.

وبعدها، أطل القيادي البارز محمود الزهار ليقول إن “الاحتلال التزم بشروط المقاومة”؛ وهذا غير مقنع بتاتاً. ووجّهت بعض الجيوش الالكترونية انتقاداً حاداً لمن ينتقد هذا الأداء وصلت إلى “التخوين والتكفير”. فكانت هجمة مرتدة من “حماس” على “فتح” والسلطة الفلسطينية بدلا من الهجوم على الاحتلال، فطالبوا بتدخل الرئيس محمود عباس، لحماية أهل القدس والأقصى؛ وكأن عباس وسلطته من هدد ولم ينفذ. هذا أشبه بالهروب من مأزق إلى مأزق آخر ينقسم فيه الشارع الفلسطيني أكثر وأكثر. هكذا تبريرات غير مبررة، والمطلوب هو مصارحة الشعب بكل أطيافه بالحقيقة، لأن بعض الوهن بدأ يدخل النفوس ولا سيما بعد رؤية إنجازات المعركة الماضية تتلاشى.

وقع التباس سياسي وتقدير خاطئ عند “حماس”، وهذا ممكن أن يحصل ولا سيما في طريق التحرير الطويل. لكن المصداقية هي الأساس كي يصدّق شعبك قبل عدوك ما تقول. وتصحيح المسار يبدأ بالاعتراف بالخطأ وعدم تكراره كي لا يتحول ما تبقى من أمل إلى احباط كامل، ولا سيما أن الاحتلال سيكثّف “أسرلة” القدس وأمامه تحديات في جنين، والمعارك مستمرة ودائمة طالما هناك فعل مقاومة.

شارك المقال