لبنان يخسر “كاريش”… التحرك السريع نحو الأمم المتحدة

هيام طوق
هيام طوق

منذ سنوات وترسيم الحدود البحرية عالق في عنق زجاجة المفاوضات ليس لأن الخلاف لا يزال يتمحور حول الخطوط بين لبنان واسرائيل وحسب، انما لأن اللبنانيين لم يتوحدوا في موقف واحد على ملف بهذه الأهمية ولم يتمسكوا بحقوقهم، واعتمدوا سياسة التمييع والتطنيش والمراوغة حتى فقد لبنان أهم ورقة في يده كان بإمكانها انتشاله من أزماته وربح معركة ديبلوماسية وقضائية وتقنية مع العدو، واستفادت الأجيال الطالعة من خيرات بلادها.

المعنيون الذين واكبوا ملف المفاوضات عن قرب يأسفون لطريقة تعاطي الدولة مع الموضوع، ولطالما حذروا من خسارة لبنان حصته من حقل “كاريش” بعد التنازل عن اعتماد الخط 29 كمنطلق للتفاوض. وما يزيد الطين بلة، والأزمة تأزماً أن الفرصة باتت ضيقة ومحصورة بأيام أمام لبنان للتحرك باتجاه الأمم المتحدة وتعديل المرسوم 6433 والذي يفيد بأن حدوده البحرية من الخط 29 استناداً الى خرائط الجيش، بحيث يؤكد المتابعون أنه كان يجب على لبنان إرسال وثيقة رسمية بذلك منذ سنوات خصوصاً وأن اسرائيل باتت قاب قوسين من البدء بالانتاج من حقل “كاريش” لتكون الخسارة 1460 كيلومتراً مربعاً من الحدود البحرية. وبمجرد البدء بضخ الغاز يكون سقط حق لبنان كلياً بالمطالبة بأي حصة من حقل “كاريش”، ويصبح أمام الأمر الواقع.

وفي جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 5 أيار الماضي، مددت الحكومة فترة الاستكشاف أي البدء بحفر بئر استكشافية لشركة “توتال” 3 سنوات للبلوك 9، تنتهي في العام 2025، وسنة للبلوك 4 تنتهي في العام 2023، بعدما كانت المهلة النهائية للبدء بالحفر في شهر تشرين الأول من العام 2022. ويتخوف الخبراء من عدم تقدم الشركات بعروض التلزيم على الرغم من أن دورة التراخيص المفتوحة لمدة 6 أشهر تنتهي في 15 حزيران الحالي ما يعكس عدم حماس الدول للتعامل مع لبنان في هذا الشأن.

وللاضاءة على الموضوع وعلى المعلومات التي تتحدث عن أن أمام لبنان 10 أيام مصيرية للتحرك باتجاه الأمم المتحدة قبل أن يفقد حقه نهائياً من حقل كاريش، تواصل “لبنان الكبير” مع رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض السابق حول الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن ​بسام ياسين الذي لفت الى أن “أمام لبنان فرصة من الآن الى لحظة بدء اسرائيل بإنتاج أول متر مكعب من الغاز. وهذه الفرصة ضيقة أي شهر ونصف الشهر أو شهرين قبل أن يقدم لبنان اعتراضه لأن مرحلة الانتاج باتت قريبة، لكن لو كنا في دولة محترمة لما انتظرت الى الشهرين الأخيرين لتعترض بل كان يجب أن نسجل الاعتراض لدى الامم المتحدة منذ سنة 2015 أو عندما بدأنا بالمفاوضات”، معتبراً أنها “سياسة المماطلة التي تجعلنا حالياً نسابق الوقت خصوصاً وأن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال، والأعذار التي أُعطيت سابقاً لعدم الاقدام على هذه الخطوة غير مقبولة”.

وأوضح أن “مهلة الأيام العشرة التي يتم الحديث عنها ليست موجودة، لكن في الوقت نفسه ما إن تنتج اسرائيل أول نقطة فيول يصبح حقل كاريش خارج النزاع وفقاً للقانون الدولي. ويبدو أن الاسرائيليين سيبدأون بالانتاج فعلياً، والباخرة التي ستصل الى الحقل ستكون مهامها جمع انتاج الآبار التي حفرت سابقاً، لتفرز الغاز عن الفيول ثم تطلق العملية التجارية. الاسرائيليون قالوا ان عقود تسليم الانتاج تبدأ في الربع الثالث من العام 2022، والفصل الثالث يبدأ في 21 الجاري ما يعني أن انتاج الغاز والنفط من حقل كاريش قريب جداً اللهم الا اذا حصل تدخل كبير ما من الدولة اللبنانية أو حزب الله لايقاف عملية الاستخراج”.

ورأى أن “على وزارة الخارجية التحرك فوراً بأن ترسل انذاراً الى الشركة المعنية والتبليغ عن تعدّ على حقوق لبنان وفقاً للرسالة التي أرسلتها في 28 – 12-2021 الموجودة على صفحة الأمم المتحدة والتي تنص على أن حقل كاريش هو حقل مشترك وأن لبنان يحذر من العمل ضمن هذا الحقل كما وارسال احداثيات الخط 29 الى الأمم المتحدة. وفي حال اتخذت هذه الاجراءات لا بد أن الشركة ستتوقف عن العمل لأن ما من شركة في العالم تجرؤ على العمل في منطقة نزاع اذ أن هناك خسارة لمليارات الدولارات”، مؤكداً أنه “بمجرد الانذار والتهديد بمتابعات قانونية واجراءات أخرى، يتوقف العمل أو على الاقل يطلب الاسرائيليون من الأميركيين التدخل لايجاد حل للنزاع”.

وشدد على أن “المطلوب اليوم حركة ديبلوماسية كبيرة تؤكد على رسالتنا في الأمم المتحدة، وتحذر الشركة من العمل في كاريش لأن الحقل مشترك بين لبنان واسرائيل، وتضع الاحداثيات للخط 29 في الأمم المتحدة للحفاظ على كرامة البلد”.

وقال ياسين: “في حال نجحنا في إجراءاتنا نكون فرضنا على الاسرائيلي أن يجلس على طاولة المفاوضات بشروطنا وليس بشروطه. واحتمال الربح في هذا الاطار كبير في حال اتخذت الدولة اللبنانية الاجراءات المطلوبة، لكن اذا لم يسارع وزير الخارجية ويرسل رسالة الى الأمم المتحدة، فيكون مشاركاً في ضياع حقوق لبنان، وكل المسؤولين سيتحملون نتيجة التقصير”.

وأشار الى أن “الشركة تتجرأ على البدء في العمل لأنها تكون حصلت على تطمينات أميركية بأن حقل كاريش خارج النزاع كما يعمد الاسرائيليون الى طمأنتها، ونحن جعلناهم يرتاحون أكثر على وضعهم حين قلنا إن خطنا الحدودي 23”.

وسأل: “كيف يقول الثنائي الشيعي انه يجب البدء بالاستكشاف خلال شهر في حين يجري التمديد 3 سنوات لشركة توتال؟ كيف تستكشف خلال شهر ونحن مددنا لها 3 سنوات؟”، لافتاً الى أن “ليس هناك من شركات قدمت عروضاً في هذه الفترة، وذلك بسبب الضغط الأميركي”.

أضاف: “لم يعد بالامكان العيش في البلد لأن ما يحصل لا يُصدق. وأنا لست متفائلاً بأي خطوة تقوم بها الدولة نحو الأمم المتحدة. لبنان سيفقد خلال أيام أهم ورقة قوة في المفاوضات الحدودية البحرية وهي موضوع الضغط على اسرائيل عبر كاريش، وهذا كله بسبب رجال السلطة في لبنان. انه الملف الوحيد الذي كان بإمكانه اإنقاذ لبنان، وكان بإمكاننا من خلاله أن نربح معركة ديبلوماسية وقضائية وتقنية مع العدو لكنهم على ما يبدو لا يريدون ذلك مع الأسف”.

شارك المقال