حقبة نووية جديدة وفوضى عالمية غير مسبوقة

حسناء بو حرفوش

تسلّط تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضوء على مخاطر حقبة نووية جديدة أكثر خطورة من تلك التي عهدها العالم في سياق الحرب الباردة، حسب تحليل لموقع “نيويورك تايمز” الأميركية. ووفقا للقراءة، “تفسح التطورات الحالية المجال أمام حقبة من الفوضى لم يسبق لها مثيل منذ بداية الحقبة النووية. وفي الأصل، كان النظام النووي القديم المتجذّر في نتائج الحرب الباردة التي لا يمكن تصورها، يتآكل قبل أن تغزو روسيا أوكرانيا”.

ويحذّر المقال من أن “رسائل التذكير الروسية المنتظمة خلال الأشهر الثلاثة الماضية بشأن قوتها النووية، تشكّل أحدث دليل على كيفية ظهور التهديد المحتمل بطرق أكثر خطورة وعلانية. وقد كانت كافية لتوجيه الرئيس الأميركي جو بايدن تحذيرا إلى موسكو الثلاثاء فيما كان بمثابة اعتراف ضمني بأن العالم قد دخل في فترة من المخاطر النووية المتزايدة.

وكان بايدن قد كتب أن “أي استخدام للأسلحة النووية في هذا الصراع على أي نطاق سيكون غير مقبول تمامًا للأميركيين ولبقية العالم وسيترتب عليه عواقب وخيمة. كما قال المسؤولون إن هذه العواقب، على الرغم من ذلك، ستكون بالتأكيد غير نووية، في تناقض حاد مع نوع التهديدات بالتصعيد النووي الذي اتبعته واشنطن وموسكو خلال الحرب الباردة. وتمتدّ مثل هذه التحولات إلى ما هو أبعد من روسيا لتشمل تحركات الصين لتوسيع ترسانتها، وانهيار أي أمل بوضع حد لكوريا الشمالية ومخابئ الرؤوس الحربية النووية وظهور ما يسمّى بدول العتبة، مثل إيران (…) ومع تصعيد إدارة بايدن لتدفّق الأسلحة التقليدية إلى أوكرانيا وارتفاع التوترات مع روسيا، أقر مسؤول كبير في الإدارة بأنه “في الوقت الحالي يكاد يكون من المستحيل تخيل كيفية استئناف المحادثات قبل انتهاء صلاحية المعاهدة النووية الأخيرة أوائل العام 2026.

وخلال الصيف الماضي، ظهرت المئات من صوامع الصواريخ الجديدة في الصحراء الصينية. وأعلن البنتاغون أن بكين تتحرك لبناء ترسانة من ألف سلاح نووي “على الأقل” بحلول العام 2030. وأعربت القيادة الإستراتيجية للولايات المتحدة عن قلق إزاء تعلّم بكين الدروس من تهديدات موسكو بشأن أوكرانيا وأنها ستطبّقها على تايوان، التي تعتبرها حالة انفصالية مشابهة. أما مسؤولون آخرون في الإدارة فبدوا أكثر تشككًا، مشيرين إلى أن قعقعة السيوف الروسية فشلت في ردع الغرب عن تسليح أوكرانيا وأن الدرس الذي قد تتعلمه الصين هو أن التهديدات النووية قد تأتي بنتائج عكسية.

ويتعلم الآخرون دروسهم الخاصة. حيث تقوم كوريا الشمالية، التي تفاخر الرئيس دونالد ترامب بنزع أسلحتها بديبلوماسية فردية، ببناء أسلحة جديدة. كما تناقش كوريا الجنوبية، التي زارها بايدن الشهر الماضي، علانية ومجددا ما إذا كان ينبغي بناء قوة نووية لمواجهة الشمال، وهو نقاش يذكرنا بسبعينيات القرن الماضي، عندما أجبرت واشنطن الجنوب على التخلي عن برنامج قنابل سرية. وينظر البعض في كوريا الجنوبية وخارجها، إلى تخلي أوكرانيا عن ترسانتها النووية قبل ثلاثة عقود على أنه خطأ تركها عرضة للغزو. وبدورها، أعادت إيران بناء الكثير من بنيتها التحتية النووية منذ تخلّي ترامب عن الاتفاقات النووية للعام 2015. وتشير التقارير الواردة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنه يمكن لطهران الآن إنتاج الوقود اللازم لسلاح نووي في غضون أسابيع، على الرغم من أن الرأس الحربي سيستغرق عامًا أو أكثر.

حقبة نووية محفوفة بالمخاطر

ويُجمع الخبراء على أن العالم على أعتاب حقبة نووية محفوفة بالمخاطر والشكوك الجديدة، وهي أقل قابلية للتنبؤ به مما كان عليه الوضع خلال الحرب الباردة، مع وجود قيود مفروضة تفسح المجال أمام المزيد من التهديدات المجرّدة للوصول إلى مثل هذه الأسلحة والحاجة إلى استراتيجيات جديدة للحفاظ على السلام النووي (…) وافتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرب أوكرانيا بإعلانه وضع قدراته النووية في حالة تأهب قصوى وهي رسالة واضحة لواشنطن للتراجع. كان هذا أحدث تعبير عن استراتيجية بوتين لتذكير العالم بأنه حتى لو كان الاقتصاد الروسي بحجم اقتصاد إيطاليا وخسر نفوذها بفعل صعود الصين، فإن ترسانتها النووية تظل الأكبر.

وخلال المناورات الحربية والتدريبات الميدانية، قامت القوات الروسية بمحاكاة الانتقال من الأسلحة التقليدية إلى الأسلحة النووية التكتيكية كتجربة لتخويف الأعداء، وهذا ما يسمى في العقيدة العسكرية الروسية بـ “التصعيد للتهدئة”. وترجمت إحدى العلامات على مخاطر هذا العصر الجديد بسلسلة من الاجتماعات العاجلة في الإدارة لتحديد الطريقة التي يجب أن يستجيب بها بايدن في حال نفّذ بوتين تهديده. ويقوم البيت الأبيض والبنتاغون ووكالات الاستخبارات بفحص تداعيات أي ادّعاء روسي محتمل حول إجراء تجربة نووية أو استخدام قواتها لسلاح نووي صغير نسبيًا في ساحة المعركة لإثبات قدرتها.

ويكشف الوضع الجديد اللغز الصيني، فبعد عقود من الزمن تقبّلت فيه بكين امتلاكها بضع مئات من الأسلحة النووية لضمان عدم إمكانية مهاجمتها، أثير نقاش حول الصوامع الصينية، في البنتاغون وضمن وكالات المخابرات الأميركية حول ما كان يقصده الزعيم الصيني، شي جين بينغ، الذي ظهر وكأنه يتجه نحو مواجهة حول تايوان. وتقول أبسط نظرية أنه إذا كانت الصين ستصبح قوة عظمى، فإنها بحاجة إلى ترسانة بحجم قوة عظمى. فهل يبرز نظام نووي ثلاثي الأقطاب؟ يقول مسؤولو الإدارة الأميركية أن الصينيين لن يناقشوا الدخول في اتفاقيات الحد من التسلح. وبالنتيجة، لا وضوح حول النوايا الصينية. كما تتجه العيون نحو الشرق الأوسط في ظل الطموحات الإيرانية”.

شارك المقال