الترويج لميقاتي بين حسابات “حزب الله” ومجلس النواب

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يجمع كثيرون على أن كل القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب لا يمكن لها أن تقرر في موضوع الانتخابات الرئاسية من دون التسويات التي تطبخ عادة في الخارج، ومن هنا يعتبرون أن من يستطيع فرض رئاسة المجلس النيابي أو نائبه لا يستطيع فرض رئيس للجمهورية الذي يجب أن يأتي بمباركة خارجية، عبر تزكية إسم ما كما هي العادة، وأن اطلاق يد ايران بعد انتخابات مجلس العام 2018 جاء نتيجة تسوية داخلية، لم يكن بإمكان القوى السياسية المحلية الاعتراض عليها أو فرض وضع مغاير، خصوصاً بعد حال الفراغ في الرئاسة الأولى التي استمرت أكثر من سنتين ونصف السنة برضى من أميركا و”حزب الله”.

وبتقدير متابعين فإن “حزب الله لا يستطيع فرض رئيس الجمهورية لأن التسويات الخارجية ستكون مختلفة، فإيران ليست في وضع يخوّلها التفاهم مع الولايات المتحدة، والروس في أزمة، وأوروبا في عالم آخر بعد حرب أوكرانيا، وبالتالي الحزب مطوّق من كل الاتجاهات، ولم يستطع تقديم أي اشارات الى حليفيه الطامعين بالرئاسة سليمان فرنجية وجبران باسيل، وهذا ما بدا واضحاً عندما جمعهما السيد حسن نصر الله في عشاء في الضاحية في 9 نيسان الماضي، وتردد لاحقاً أنه طُلب من فرنجية الذهاب الى الخارج لتسويق نفسه في موسكو وباريس، لا سيما وأنه كان سابقاً مطروحاً من الروس ووافق عليه الفرنسيون وأقنعوا به الرئيس سعد الحريري. لذلك، فإن تحميل تسوية انتخاب ميشال عون للقوات اللبنانية والحريري ليس دقيقاً، فالحالة الموضوعية قد تكون فرضت على الحريري الذهاب في مثل هذه التسوية وعون انقلب عليها كما انقلب التيار الوطني الحر على اتفاق معراب، ومن هنا فإن جلد الذات يجب أن يتوقف، فنحن لا نصنع القرار السياسي. ولذلك يعرف الجميع اليوم أن عون لن يبقى في هذا الموقع وسوف يرحل”.

ولا يتوقع هؤلاء أن “يجري ملء الفراغ الحكومي سريعاً، الى أن يتم التوافق على الشخصية المناسبة، وأن رمي أسماء هنا وهناك، بمثابة بالونات اختبار لكشف التوجهات، وما الصورة التي ظهرت في مجلس النواب الا للايحاء بإمكان التوافق على ترتيبات لتذليل العقبات وتسمية الرئيس المكلف لكن غيث التشكيل قد لا يكون قريباً، وستدخل الأمور في بازار المساومة. واليوم ليس لدى الرئيس عون هامش للمماطلة والخضوع لابتزاز صهره جبران باسيل، كما حاول سابقاً عبر إحراق المراحل وإبتزاز الناس للحصول على الأكثرية وإبقاء باسيل في الواجهة السياسية، فالمسار متغير والتأثير العوني في الشارع المسيحي تراجع، والخطاب الباسيلي الكاذب فُضح من خلال ما جرى في جلسة مجلس النواب والاتفاق الذي تم بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، وهو ما يؤشر الى إمكان حصول انقسامات في صفوف القواعد والقيادات الوسطى في هذا التيار”.

ويعتبر المتابعون أن “أجواء المجلس النيابي الحالي مختلفة عما سبقه، فالكتل لن تذهب نحو المناكفات السياسية منذ البداية وستقدم تسهيلات، ولكن هل يعني ذلك أن هناك انتصاراً بطعم الهزيمة للرئيس نبيه بري الذي أنهى حياته السياسية باللجوء الى إستعطاف الكتل لانتخابه وتحديداً اللقاء الديموقراطي والكتلة السنية العكارية، لأن الكتلة العونية لم تصوّت له بالكامل؟ وبدا وليد جنبلاط وكأنه يسدد ديناً لبري، وهو أمر سيكون مختلفاً مع استحقاقي رئاسة الحكومة والجمهورية، فالتباعد محتمل، وعملية التحالفات ستكون معقدة”.

ويرى المتابعون في قراءتهم لمشهدية نواب التغيير في المجلس النيابي، الذين جاؤوا من مرفأ بيروت ومروا أمام نصب سمير قصير على وقع الهتافات ونحو ساحة الشهداء، التي تعتبر مكان الانطلاق الأول لثورة 17 تشرين ومنها انطلق هؤلاء النواب في عملية اعتراضهم، أن “هذه المسألة سجلت لهم اذ دخلوا متحدين المنظومة ولم يستطع بري أن يبقى في امبراطوريته المحاصرة بالكتل الاسمنتية، فاستجاب لطلب هؤلاء النواب بعد رسالتهم بأنهم لن يدخلوا الى المجلس قبل انتزاع جدران العار. وحمت سرية بيروت هؤلاء النواب لدى دخولهم الى المجلس بعد إبعاد حرس بري الذين كانوا أداة الضرب والقمع في الثورة من قبل الجيش اللبناني اثر محاولات الاستفزاز التي قاموا بها وهم يحملون العصي”.

اما في عملية التصويت العلني فيشير المتابعون الى أن “الأمر الأهم بغض النظر عن انتخاب بري والياس بو صعب، هو كيف أجبر بري للمرة الأولى على أن يقرأ ما كتب في الأوراق التي اعتبرت ملغاة، وهي تحد مباشر له ولنواب موجودين من كل الكتل صمتوا ولم يواجهوا”.

ويلفتون الى أن “الانتخابات الرئاسية متعلقة بالتسوية ولا يمكن أن تحصل بشروط حزب الله المحاصر دولياً ومحلياً لا سيما أن البلاد تعيش المعاناة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية تتفاعل ولن يكون أحد موجوداً في رأس الدولة تابعاً أو مغطى من حزب الله، فالكل فهم رسالة الدول الخليجية لاسيما المملكة العربية السعودية بأنه لم تتم مساعدة مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها الدويلة وتجعلها عرضة للنهب والافلاس. فعلى الرغم من الاعتكاف الا أن السعودية استطاعت أن توازن الأمور فلم تترك لبنان وحده كي يتفرد حزب الله بقراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وأكدت دعمها للبنانيين في المقابل وعدم تركهم كبش فداء لحزب الله وايران، وبالتالي على اللبنانيين اليوم إنجاز توجه اقتصادي فاعل والتفاوض مع صندوق النقد الدولي لتأمين مطالبه ولإعادة الهدوء الى البلد وفقاً لخطة اقتصادية واضحة، وحكومة قادرة على اتخاذ قرارات فاعلة ومنطقية وليس مثل قرارات حكومة حسان دياب التي ارتكبت جريمة بالتخلف عن سداد الديون وعدم التفاوض مع المجتمع الدولي لتأجيل دفعها في ظل حكم العصابة التي كان يديرها حزب الله وتخضع سياساتها المالية لحكمه، لأنه كان يعتبر نفسه أقوى من المجتمع الدولي”.

اما لناحية تشكيل الحكومة فعلى الرغم مما يتردد عن أن “حزب الله” يريد عودة الرئيس نجيب ميقاتي لادارة المرحلة الانتقالية، الا أن هذا الأخير لم يحصل الا على نائب واحد في المجلس النيابي كما أن الكتلة السنية الطرابلسية ليست في صفه، وبالتالي فإن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، لذلك لا بد من التوافق على شخصية سنية تستطيع المواجهة والافادة من الأخطاء السابقة، وتكون محمية عربياً ودولياً ولا تسلم بما يريده “حزب الله”، بحسب ما يرى المتابعون، الذين يتوقعون أن يكون “تأليف الحكومة صعباً مع عدم وجود مثل هذه الشخصية، ولأن أي شخصية اذا لم تكن محمية من الدول العربية ومن أوروبا والفرنسيين فلن تجرؤ على الدخول لقيادة البلد ورعاية المرحلة، اضافة الى أن عون لن يقبل بتسليم البلد الى حكومة قوية”.

وباعتقادها أن “حكومة ميقاتي، ستدير البلد وهي مشلولة ومقيدة ومن دون صلاحيات، وحتى لو شهدنا سيناريو آخر، بمعنى تكليف ميقاتي فهل يمكن لحكومته أن تأخذ الثقة في مجلس النواب؟ سؤال يجيب عن نفسه”.

شارك المقال