اللجان النيابية: المنازلة الثانية للتغييريين

صلاح تقي الدين

بعد النكسة الأولى التي تعرض لها النواب الجدد في معركة انتخابات رئاسة مجلس النواب وهيئة مكتبه، تتجه الأنظار إلى المنازلة الثانية التي سيخوضها هؤلاء غداً الثلاثاء في “معركة” انتخابات اللجان النيابية رؤساء، مقررين وأعضاء، خاصة وأن المواجهة المفتوحة ستكون أمام الأحزاب التقليدية المستأثرة برئاسة اللجان الرئيسة وليست حتى كتابة هذه السطور في وارد التنازل عنها.

معروف أن اللجان النيابية البالغ عددها ست عشرة لجنة يتقاسم رئاستها مناصفة المسلمون والمسيحيون، هي مطبخ التشريع حيث تناقش في جلساتها كل مشاريع واقتراحات القوانين وتحال بعدها على اللجان المشتركة التي تناقشها في صيغتها النهائية وتحيلها على الهيئة العامة لاقرارها.

غير أن تهافت النواب التغييريين على عضوية اللجان النيابية ورئاستها وإن كان مبرراً، لا يشي بأن الطريق إلى ذلك سهل خصوصاً بعدما أظهرت الرسالة التي بعثت بها المديرية العامة لرئاسة مجلس النواب إلى القصر الجمهوري لتحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة، أن التغييريين انقسموا إلى مجموعتين واحدة تضم ستة نواب والثانية سبعة نواب، في مؤشر واضح الى انقسامهم وعدم توحدهم خلف رؤية موحدة أو برنامج واحد.

في المقابل، لا يمكن في هذا الاطار التغاضي عن الكفاءات العلمية التي يتمتع بها بعض النواب التغييريين وعن أحقيتهم في الوصول إلى رئاسة لجان تتماشى كلياً مع هذه الكفاءات، وعلى سبيل المثال لا الحصر الكفاءة المهنية والتجربة الكبيرة التي يتمتع بها نقيب المحامين السابق الناب ملحم خلف الذي يسعى بإصرار الى ترؤس لجنة الادارة والعدل النيابية التي يرأسها نائب “القوات اللبنانية” جورج عدوان.

الا أن مقابل طموح خلف، يقف قرار حزب “القوات” بإعادة ترشيح عدوان لرئاسة هذه اللجنة بعدما أثبت طيلة السنوات التي كان فيها على رأسها كفاءة عالية وانكباباً وسهراً على مناقشة القوانين المحالة على اللجنة، ناهيك عن الدعم النيابي الذي يحظى به سواء من الخصوم أو الحلفاء، وبالتالي كيف لخلف الذي إذا افترضنا أنه ينطلق في هذه المعركة بإجماع النواب التغييريين الثلاثة عشر، وهذا ليس أكيداً إذا أخذنا انقسام هؤلاء في انتخابات نائب رئيس المجلس في الحسبان، أن يؤمن العدد الكافي من الأصوات التي تسمح له بمنافسة عدوان؟

كما يطمح النائب المنتخب عن دائرة عاليه – الشوف مارك ضو إلى ترؤس لجنة الاقتصاد النيابية التي يرأسها النائب في تكتل “لبنان القوي” فريد البستاني، وهذه أيضاً على الأرجح معركة خاسرة على اعتبار أن “التبادل” الخفي للأصوات بين نواب كتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها الرئيس نبيه بري وتكتل “لبنان القوي” الذي يرأسه النائب جبران باسيل في معركتي رئاسة المجلس ونيابة الرئاسة، تشي بأن الأمر سيظل على حاله في انتخابات اللجان كافة.

ولعل الكفاءة التي تتمتع بها النائبة المنتخبة عن الدائرة نفسها نجاة عون صليبا تسمح لها بكل جدارة بترؤس لجنة البيئة النيابية التي كانت في عهدة الحزب “التقدمي الاشتراكي” والنائب أكرم شهيب، لكن دون ذلك شروط وضعها “الاشتراكي” مقابل التخلي عن هذه اللجنة.

فوفقاً للتوزيع الطائفي المقيت لرئاسة اللجان، يحق لطائفة الموحدين الدروز برئاسة لجنة نيابية واحدة رست على لجنة البيئة، لكن خبرة النائب شهيب كوزير سابق للتربية تؤهله بجدارة لترؤس لجنة التربية النيابية التي كانت في عهدة النائبة السابقة بهية الحريري، وبالتالي إذا كان هناك نوع من التوافق المسبق كما دعا إليه الرئيس بري، فعندها قد يستبدل الدروز لجنة البيئة بلجنة التربية وعندها تتعزز حظوظ صليبا برئاسة لجنة البيئة التي تطالب بها.

كما يطالب الحزب “التقدمي الاشتراكي” برئاسة لجنة الصحة النيابية التي كان يرأسها النائب السابق الدكتور عاصم عراجي، ويرشح لرئاستها النائب الدكتور بلال عبد الله محترماً في هذا الاطار التوزيع الطائفي المعتمد في رئاسة اللجان، ومضموناً من حيث كفاءة النائب عبد الله الطبية وأهليته لرئاسة اللجنة.

ويبدو في المقابل أن لجنة المال والموازنة التي يرأسها النائب ابراهيم كنعان هي الأخرى ستكون محط تجاذب، بحيث يسعى حزب “القوات اللبنانية” إلى ترشيح الخبير الاقتصادي والمالي النائب رازي الحاج أو الخبيرة المالية النائبة غادة أيوب لرئاستها، لكن حسابات الحقل قد لا تأتي حسب حسابات بيدر “القوات”، اذ أن كنعان يحظى بدعم كبير للاستمرار في العمل الذي قام به في اللجنة.

ولا يمكن استثناء لجنة الأشغال النيابية التي كان يرأسها النائب السابق نزيه نجم، بحيث تسعى القوى التغييرية إلى الفوز برئاستها عبر ترشيح النائب سجيع عطية، علماً أن تسريبات كثيرة راجت بعد انسحاب عطية من معركة نيابة رئاسة المجلس لصالح الدكتور غسان سكاف، بعد وعود تلقاها بدعمه للوصول إلى رئاسة اللجنة.

من الواضح أن دعوة الرئيس بري إلى التوافق على عضوية اللجان النيابية ورئاستها قبل الجلسة المحددة غداً، تنطوي على رسالة مفادها أن النواب التغييريين الذين يريدون انطلاقاً من النظام الداخلي لمجلس النواب أن يصار إلى انتخاب أعضاء اللجان ورؤسائها قد يتسببون بانقسام حاد بين الكتل النيابية، لكن نتائج هذه الانتخابات، إن جرت، لن تأتي مغايرة لما كانت عليه، في موضوع رئاستها وتوزع القوى السياسية عليها على الأقل، ما سيشكل نكسة إضافية لمن يدعون الاستقلالية والتغيير من النواب الجدد، وهذا ما يحتم عليهم صياغة رؤية موحدة وبرنامج عمل موحد ويحددوا اصطفافهم خلال ولايتهم النيابية إلى جانب القوى السيادية أو إلى جانب الحلف الذي قاد لبنان إلى جهنم.

شارك المقال