هل يقدم عون غاز “كاريش” بديلاً من الروسي؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

تغيرت صيغة المثل القائل “سمعان بالضيعة”، ذلك أن “دولة الجحيم” بدلت المصطلحات، فإذا به “سمعان ببعبدا”، وقد سمع أخيراً الأنباء التي وردت عن دخول سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه “انيرجيان باور” الى المنطقة المتنازع عليها في الحدود البحرية الجنوبية، فطلب من قيادة الجيش تزويده بالمعطيات “الدقيقة والرسمية” ليبنى على الشيء مقتضاه.

والسؤال لماذا لم يستمع الرئيس الى الأصوات التي كانت تعلو والتحذيرات من خسارة لبنان حصته في حقل “كاريش”، بعد اعتبار خط التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، هو 23 بدلاً من الخط 29، وخسارة لبنان حقوقه لتعديل المرسوم 6433، والتحرّك نحو الأمم المتحدة لتعديله، بأنّ حدود لبنان البحرية هي الخط 29 استناداً إلى خرائط الجيش اللبناني؟ لكن الكل صمت عن الموضوع، لا، بل تواطأ، إذ كان المطلوب إرسال الوثيقة الرسمية بذلك إلى الأمم المتحدة منذ أكثر من سنتين. أما اليوم فالوقت قد تأخر، وإسرائيل ستبدأ عملية سحب الغاز واستخراج النفط، وبالتالي يخسر لبنان 1640 كيلومتراً، وهي مساحة الفارق بين الخطين 23 و29، الواقعة حكماً إذا لم يتم التحرك سريعاً ولو متأخراً.

الجدال الذي استعر مع أخبار عبور الباخرة اليونانية “انيرجيان باور” لاستخراج النفط والغاز في المنطقة القريبة من البلوك 9، ليس وليد الساعة، فقد دار خلال الفترة الماضية، لما كثرت المطالبات بضرورة عدم تخلي لبنان عن حقوقه، وهو أمر جرى نقاشه مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وسيط المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، الذي حضر مرات عدة مشجعاً على استكمال المفاوضات، إلا أن التوافق لم يتم وبقي الموضوع كأنه مجمّد. وبدا واضحاً إخفاق لبنان في التوافق الداخلي، أولاً حول خط الحدود الذي اعتمد من مفاوضين لبنانيين، أي الخط 23، في حين أن خرائط الجيش بيّنت أن 29 هو خط الحدود، وهذا ما أعلنه العميد بسام ياسين أكثر من مرة، وفقاً لتقسيمات منطقية علمية أربكت الجميع.

المسألة الأساس تكمن في أن الدولة لم تأخذ موقفاً علنياً وواضحاً في عملية الترسيم، لا من رئاسة الوزراء، ولا من وزارة الخارجية المعنية بإرسال الرسالة الرسمية حول الموضوع، ولا من رئيس الجمهورية الذي يجب أن يوقع على هذا المرسوم، لكنه أودعه الأدراج وحاول طمس القضية، وظهر الأمر كأننا أمام صفقة فعلية تم إخراجها بالتوافق مع الولايات المتحدة الأميركية، لتضييع ثرواتنا وغازنا وحدودنا الإقليمية، مقابل رفع العقوبات عن صهر الرئيس جبران باسيل، المعاقب دولياً، والذي عرفه الإعلام العالمي كمنافق وفاسد، وأكبر دليل ما حدث في دافوس، أثناء مقابلته الصحافية، لا سيما عندما سئل: “كيف جئت إلى هنا ولبنان في انهيار، وأنت لا تملك ثروات؟”. فتحجج بأن أصدقاءه أمّنوا له طائرة خاصة، وظهر مربكاً، ما جعله موضع استياء في الشارع اللبناني. إلا أن عمه أراد إنقاذه، فأهداه سبيلاً لفك حصاره عبر بيع ثروات لبنان للعدو وتحدي الشعب اللبناني.

في السياق، يشير متابعون لهذه المسألة في حديث لـــ”لبنان الكبير” الى عدم متابعة الدولة موضوع الحدود عبر سلوك الطرق القانونية، من خلال إرسال رسالة الى الأمم المتحدة توجب توقف الباخرة اليونانية، وتوضح أن لبنان يريد أن يناقش خط الترسيم، وتحذر من أن أي عملية استخراج ستكون عملية تهريب وسرقة أموال لبنان وثرواته.

ويلفتون إلى أن “مثل هذا الرد لم نسمعه عندما قال بشار الأسد إن مزارع شبعا لبنانية، إذ فاجأنا حزب الله برده بأننا معنيون بحماية البحر والثروات البحرية والنفطية، وكأنه يضعنا مجدداً أمام معادلة جديدة تعيدنا إلى المربع الأول عام 2006، عندما قال: نحن لا ننسى أسرانا، وكان سبباً في إشعال حرب هدمت لبنان، وخرج السيد يومها ليقول: لو كنت أعلم. واليوم يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية الكبرى والأساس، في حال اندلاع حرب عسكرية في الجنوب، لأن حزب الله لم يعد باستطاعته سوى الرد ليحفظ ماء الوجه، ولأنه أخذ قراره بحماية الثروات، بينما تعتبر إسرائيل أنها تمارس حقها القانوني. والمسؤولية تقع على الدولة اللبنانية التي أهملت تعديل خط الحدود، علماً أن الجيش كان واثقاً بعمله وبضرورة الحفاظ على كل شبر من أراضي لبنان، ولكن على ما يبدو أن السياسيين لم يتبنوا ولم يجاهروا بالخط 29، حتى لو كان هذا الخط قابلاً للتنازل عنه من إسرائيل”.

ويوضح المتابعون أن “خط 23 بدأ مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة، عندما كان يريد الاتفاق مع قبرص لتحديد الحدود البحرية، ومن ثم توقفت عملية التفاوض، ولكن لم تسحب الأوراق من قبرص، إذ اعتمد الخط 23 افتراضياً، وهو الذي بنينا عليه النقاش مع قبرص خطأ، وكان يجب رفع رسالة لسحب الاتفاق معها والتوافق على الخط 23. لكن الاسرائيليين ذهبوا ووافقوا على الاتفاق، وفوّضوا نبيه بري التفاوض الذي دام عشر سنوات مع المفاوض الأميركي، المعروف بـ(خط هوف)، أي الخط 23. أما الاسرائيلي، فأصبح اليوم أقل من الخط 23، المتعرج بحرياً، والذي يمكنه من الوصول إلى أكبر نسبة من سرقة الاحتياطات في الغاز من البلوك 9”.

وبحسب المتابعين، فإن للبلوك 9 قصة غريبة، إذ أنه “ضمن شركات سمسرة روسية إيطالية لها علاقات مع ايران وإسرائيل، ولها علاقة مباشرة بعملية هذا الإخراج، ولذلك بات هذا المخرج هو المعني بالدور الأول، كأنه اتفاق غير مباشر ما بين الإسرائيلي والإيراني على مدى نجاح بعض الملفات وتوافقها وفك أسرها، إذا تمت عملية التفاوض بين المفاوض الأميركي والمفاوض الإيراني حول الملف النووي. وعندها يمكن للبنان التضحية بكل شيء، فقط ليبقى المعبد في طهران هو الآمن”.

وبرأي المتابعين فإن “هناك رائحة صفقة ما تشم في الخفاء، يحاول رئيس الجمهورية إخراجها من الصندوق، كما يحاول المقارنة مع إخراج التجنيس لبعض العراقيين والسوريين، لينتهي بكسب بعض الأموال الكثيرة. والصفقة الثانية متصلة بأزمة العقوبات، أي بيع ثروات لبنان من أجل إنقاذ الصهر الحبيب”.

ويشيرون إلى أن “إسرائيل أصبحت تعلم بأن اللبنانيين غير متفقين، وغير قادرين على الالتزام بموقف موحد من ترسيم الحدود وفقاً للخط 29، وتريد السيطرة على مخزونه وثرواته في عرض البحر، والسؤال كيف يمكن لأي دولة كانت أن تتنازل عن سيادتها وحقها في ثرواتها الطبيعية؟ كما أن إسرائيل تدرك أن عملية استخراج النفط هي عند المفاوض الإيراني، وإيران تستطيع أن تفجر الحرب إذا أرادت، وبإمكانها تمرير رسائل من هنا وهناك، ضمن مخطط واضح يدفع ثمنه الشعب اللبناني. ربما ما يحصل اليوم يشكل فرصة ثمينة للرئيس ميقاتي كي يخرج بطلاً من القصر الحكومي، وأن لا يسدد فاتورة للذين أتوا به، ويستغل وجوده في هذه الكرسي كي لا يمضي في صفقة مشبوهة باتت رائحتها العفنة تفوح من القصر الجمهوري، الذي قام بإخفاء وتعطيل هذا المرسوم الذي وقعته حكومة حسان دياب، كمرسوم وزاري إلى رئيس الجمهورية”.

نحن أمام مشكلة جديدة، إذ ستبدأ عملية سحب الغاز، وربما علينا أن نسكت ونقول لا قوة لنا للرد، نتيجة الضعف الداخلي وتواطؤ السلطات وغياب إراداتها في حماية الثروات الطبيعية والدفاع عنها، ما قد يأخذنا به “حزب الله” إلى الأخطر، بتنفيذه أوامر الحرس الثوري في طهران، بمنع الاستخراج. والسؤال أين سيذهب هذا النفط؟ هل سيذهب إلى أوروبا التي ستكون في تبديل المواقع، ليكون هذا الغاز بديلاً من الغاز الروسي؟ وهل ستقبل روسيا بهذا الأمر؟ القضية معقدة وربما نكون أمام جولة من الاشتباكات المقبلة، قد يفرضها رئيس الجمهورية علينا نتيجة حساباته الخاصة، ما من شأنه أن يترك الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات.

شارك المقال