الحرب الأوكرانية وكارثة الأمن الغذائي الأفريقي

حسناء بو حرفوش

لم يعد خفياً أن الحرب الأوكرانية تسببت بارتفاع التكاليف ونقص السلع الأساسية في مناطق عديدة من العالم وفي أفريقيا على وجه التحديد. وسلط تقرير لأوغوشي أنياكا في موقع (New Internationalist) الضوء على الأزمة التي تواجهها البلدان منخفضة الدخل.

وحسب التقرير، “على الرغم من أن الحرب تدور بالفعل على بعد عدة أميال، تعاني نيجيريا في الواقع من محاولة درء الجوع، هي التي اعتمدت إلى حد كبير على أوكرانيا وروسيا. وفي العام 2020 وحده، شكل القمح 90% من صادرات روسيا إلى أفريقيا بقيمة 4 مليارات دولار، في حين تلتها أوكرانيا بصادرات بقيمة 3 مليارات دولار، شكل القمح 48% منها والذرة 31%.

وعانت أفريقيا منذ سنوات وحتى يومنا هذا من الآثار الاقتصادية للصراعات المختلفة إضافة إلى التحديات التي يفرضها تغير المناخ، في ظل التعافي البطيء من جائحة كورونا. كما أدت الحرب الروسية – الأوكرانية إلى زيادة انعدام الأمن في البلدان منخفضة الدخل في القارة. وتعاني معظم البلدان في أفريقيا بالفعل من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب المناخ الشديد وانعدام الأمن وانتشار الوباء. ويواجه الملايين جوعاً شديداً بحيث تهدد الحرب إمدادات المحاصيل الأساسية، ويتقلص الحصول على الغذاء وتوافره والقدرة على تحمل تكلفته بسرعة، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة. وفي السودان، أدى نقص العملة الصعبة إلى ارتفاع حاد في تكاليف الغذاء والنقل، ويجد العديد من العائلات صعوبة في تأمين وجبة لائقة في اليوم. ومع الأسف، يبدو أن السيناريو الغذائي والاقتصادي في نيجيريا يسير في الاتجاه نفسه.

ويحذر المعهد الدولي للزراعة الاستوائية من أن بلداناً أفريقية عدة لم تتعاف بعد من آثار جائحة كورونا ومع غزو أوكرانيا، وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية إلى مستويات قياسية جديدة. ووفقاً للمتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي في السودان: “قد يُجبر حوالي 18 مليون شخص على استنزاف أصولهم المعيشية الأساسية أو لن يكون لديهم المزيد لبيعه لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، بحيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والوقود، مما يجعل من الصعب على الأسر الفقيرة وضع الطعام على المائدة.

وارتفع السعر الحالي للقمح في السودان بنسبة 180% مقارنة بالعام 2021، مما يعكس صعوبة استيراده من منطقة البحر الأسود. ولا يختلف الوضع في نيجيريا مع ارتفاع أسعار الأطعمة المطلوبة مثل الكاسترد ورقائق الذرة والشوفان وحتى المواد محلية الصنع. وتعتبر روسيا مورداً رئيساً للبوتاسيوم والنيتروجين والفوسفور، وهي ثلاثة مكونات أساسية للأسمدة. وفي نيجيريا، ارتفع سعر كيس الدقيق من 37 دولاراً في العام 2020 إلى 60 دولاراً. ونادراً ما تتوافر الكفاية من الذرة لتصنيع رقائقها، وهي وجبة الإفطار المفضلة، أما القليل المتاح فيخضع للتضخم الهائل.

وفي الوقت نفسه، يفكر المزارعون في التخلي عن إنتاج الغذاء والبحث عن عمل آخر في ظل ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية الأساسية مثل الأسمدة والبذور في نيجيريا والسودان. ولا شك في أن الخطر الذي يشكله ذلك على الأمن الغذائي في المستقبل القريب واضح. كما يشير تقرير حديث صادر عن برنامج الأغذية العالمية إلى أن إنتاج الحبوب في أفريقيا من 2021 إلى 2022 لا يغطي احتياجات السكان، مما يجعل الأفقر يعتمدون على المساعدة الإنسانية.

ويدعم أحد البرامج في إثيوبيا مخططاً لزراعة القمح في الأراضي المنخفضة على مساحة 20 ألف هكتار، مما أدى إلى زيادة إنتاج المزارعين بمقدار أربعة أضعاف ونصف. ولكن يعتقد المحلل الاقتصادي دومبي أولوول أن أسواق السلع الأفريقية تضررت بشدة من الحرب لدرجة أنها قد لا تتعافى في أي وقت قريب.

في نهاية المطاف، يجب أن يتضمن حل مشكلة الأمن الغذائي في أفريقيا قدراً أكبر من الاكتفاء الذاتي، وهي وجهة نظر يروّج لها أيضاً بنك التنمية الأفريقي، لأن إنتاج مجموعة متنوعة من المحاصيل التقليدية والمناسبة بيئياً، في مجموعة واسعة من البلدان والمناطق المختلفة في العالم هو مفتاح الصمود (…) وهذا يعني أيضاً استخدام طرق الإنتاج المبنية على مبادئ التنوع البيئي والمساواة، والتي تقدم ضمن مجموعة من أنواع مختلفة من أنظمة التجارة، بما في ذلك الأسواق المحلية والإقليمية في توازن أفضل مع سلاسل التوريد العالمية. وتواجه النظم الغذائية في جميع أنحاء العالم، وليس في أفريقيا فقط، ضغوطاً خطيرة بسبب الصراع بين بلدين يمثلان معاً ثلث إنتاج القمح العالمي. لكن في أفريقيا المثقلة بالفعل بنقص البنية التحتية وسوء إدارة الموارد العامة في كثير من الحالات، تعد الحرب أحدث سبب لزيادة حدة الجوع”.

شارك المقال