جلسة انتخاب اللجان لم تخل من مشادات… والخصوم تبادلوا الأصوات

محمد شمس الدين

الجلسة الثانية لمجلس النواب الجديد تشبه الجلسة الأولى ولكن بإثارة و”أكشن” أكثر، ربما يعود ذلك الى كونها غير منقولة على الهواء مباشرة. فانتخاب اللجان منذ العام 1992 لم يأخذ هذا الوقت، بحيث كان التوافق سيد الموقف اجمالاً مع بعض الاستثناءات. وكان بارزاً أداء النواب الجدد، الذين حاربوا من أجل حصول تصويت وليس توافق، معتبرين أنها العملية الديموقراطية الحقيقية. في المقابل، على الرغم من تقبل نواب “القوات” و”الكتائب” العملية الديموقراطية، إلا أنه كان واضحاً تململهم من البطء في عملية الاقتراع وفرز الأصوات، وكاد يبح صوت أمين سر المجلس النائب هادي أبو الحسن، وهو يقرأ أسماء المرشحين للجنتي المال والموازنة، والادارة والعدل، اذ أنه وفق النظام الداخلي لمجلس النواب يجب تلاوة اسماء المقترعين اسماً اسماً، وقد قرأ أبو الحسن 17 اسماً تقريباً، 240 مرة.

ولكن بعيداً عن غرائب الاقتراع الداخلي لمجلس النواب وبطئه، ماذا سجلت مشاهدات جلسة الأمس؟ وهل هناك حاجة الى تعديل أو تطوير بعض قوانين النظام الداخلي أم يجب أن يكون هناك توافق بين النواب كما يفضل النواب التقليديون؟

أبرز مشاهدات الجلسة كانت المشادات بين قوى التغيير والقوى التقليدية، اذ حصلت مشادة بين رئيس المجلس نبيه بري والنائبة بولا يعقوبيان، على خلفية اقتراح الأخيرة جلسة تشريعية حول موضوع ترسيم الحدود البحرية، متهمة بري برفضه هذا الأمر، ما استدعى منه الرد عليها بالقول: “وين كانت بولا يوم كنت من 12 سنة عم خابط بموضوع الثروة النفطية، كانت بعدا ما تزوجت، ما بدنا نحكي مش كرمالها، كرمال زوجها صاحبنا. ألف باء التشريع يقول لا تشريع خلال جلسة الانتخاب، يبدو في ناس جايي عالمجلس تتشاوف فقط”.

وردت يعقوبيان عبر وسائل الإعلام بالتأكيد أنها ملتزمة النظام الداخلي للمجلس، والمادة 109 تتيح ما طالبت به، “ولكن يبدو أن هناك صفقة ما في ما يتعلق بالخط 29″، معتبرة أن “ردة فعل الرئيس بري العصبية هي لهذا السبب”. وطالبت بـ “التزام حدود اللياقة واحترام المجلس”.

كلام يعقوبيان لم يمر من دون أن تعلق عليه مصادر نيابية لموقع “لبنان الكبير” بالقول: “بولا يعقوبيان تحاول تسطيح الأمور عبر الاعلام، والشوفينية هي منهجها، فمن شهد انتخاب لجنة المال وكم أخذت وقتاً، وذلك بسبب رفضها هي وأصدقاؤها التوافق، يعلم أنه ليس هناك اليوم متسع من الوقت لفتح باب التشريع، وقد يستمر الأمر أكثر من يوم، ولا يمكن مناقشة قانون قد يتحول إلى اللجان، قبل انتخابها وانتهاء تأسيس المجلس”.

مشادات أخرى شهدها المجلس أيضاً من أحد نواب قوى التغيير، هو النائب فراس حمدان، الذي اعتبر أن هناك مؤامرة على قوى التغيير لاقصائها عن اللجان، كون اسمه ليس وارداً في الأوراق التي وزعها المجلس، الأمر الذي رد عليه نائب رئيس المجلس الياس بو صعب، بأن الأسماء المطبوعة على الأوراق هي للنواب الذين قدموا ترشيحاتهم الى الأمانة العامة لمجلس النواب، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكنه الترشح وإضافة اسمه كتابة، نظراً الى ضيق الوقت وعدم امكان طبع أوراق جديدة، وهذا فعلاً ما حصل، بحيث أعلن الرئيس بري اسمه كمرشح لعضوية اللجان، وحصل على عدد لا بأس به من الأصوات، وكذلك فاز زميله النائب ابراهيم منيمنة بعضوية لجنة المال والموازنة، مما ينسف نظرية المؤامرة. أما اللافت فكان مشهد الود الذي طغى على تفاعل نواب التغيير مع عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسين الحاج حسن، الذي أمضى الكثير من الوقت في قاعة المجلس، مع النواب منيمنة وحمدان وحليمة القعقور ومارك ضو، وتبادلوا الهمسات والضحكات، مما جعل أحد النواب يشكو من الضجة في الخلف، حيث يجلس نواب التغيير.

أما النائب سليم عون فقد كان كوميديان الصف، وبدأ بـ “التنكيت” عن إجراءات انتخاب اللجان، فتارة يحذر من أن يكون هناك لغط في الانتخاب كي لا يعاد التصويت، وتارة يطالب بإعادة الانتخاب كمزحة، ثم يتكلم عن الجوع ويطالب بسندويشات للنواب مع استعدادهم لدفع ثمنها. وعلى الرغم من ذلك، حصلت مشادة بينه وبين النائب شربل مسعد الذي اعتبر أن الكتل الكبيرة متوافقة في ما بينها على انتخاب بعضها البعض في حال لم يكن الانتخاب توافقياً، الأمر الذي رد عليه بو صعب بأنه مشروع في العمل الديموقراطي، والتوافق ليس مخالفاً للقانون. أما أبرز مشهد لبو صعب فكان عندما اضطر الرئيس بري للمغادرة في الجلسة الصباحية، وبدا متردداً في ترؤس الجلسة مكانه، ليناديه النائب أبو الحسن قائلاً: “الياس بوصعب تفضل اترأس الجلسة الكرسي فاضية”. أما في الجلسة المسائية فبدا بوصعب أكثر ارتياحاً، عندما ترأسها، ومازحه الرئيس بري بالوقوف خلفه بصمت يراقب عمله.

النائب ميشال معوض اعتبر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن هناك بعض الأخطاء المبدئية في عملية انتخاب اللجان في مجلس النواب، موضحاً أن “اللجان هي المطبخ التشريعي، وإذا كان تشكيلها يعتمد على التصويت، فهذا يعني أن أي أكثرية، تستطيع احتكار اللجان، وتحديداً الأساسية منها، بينما الهدف هو إشراك الجميع في هذا المطبخ، لذلك التوافق في اللجان يكون لمصلحة الجميع، وهذا الأمر يحصل حتى في ديموقراطيات العالم المتقدم. وكذلك هناك بعض الأخطاء المبدئية في اللجان وترؤسها، فمثلاً اليوم، لجنتا المال والموازنة والاقتصاد، المرتبطتان بالخطة الاقتصادية، يسيطر عليهما التيار الوطني الحر، وهو أيضاً ممثل في الحكومة، فمن يناقش خطة التعافي عندها؟ أنا ستكون لدي عدة اقتراحات ومشاريع قوانين لتطوير العمل التشريعي وكذلك للنظام الداخلي لمجلس النواب” .

أما عن الاستحقاق الحكومي، فأكد معوض أن هذا الموضوع لم يدرس بعد، لكنه قال: “مرشحي للحكومة هو وحدة المعارضة”.

شهدت جلسة انتخاب اللجان ربما لأول مرة منذ عقود معركة حقيقية على عضويتها، ما قد يستوجب تكبير صندوق الاقتراع، الذي غص بالظروف، لدرجة أن أمين السر النائب آلان عون، عندما رأى أن الصندوق بدأ يمتلئ وقد لا يتسع لكل الأصوات، طلب من النواب طي الظروف. أما في النتائج فكان لافتاً حصول نواب الأحزاب التقليدية على عدد أصوات كبير، عكس ما حصل في الجلسة السابقة التي تقاربت فيها نتائج انتخاب الرئيس وهيئة أعضاء مكتب المجلس، مما يدل على توافق الأحزاب على التصويت لمرشحيها حتى “القوات” و”التيار الوطني الحر” و”حزب الله”. وهنا لا بد من السؤال: ماذا حصل خلال هذا الأسبوع كي ينتخب أعتى الخصوم بعضهم البعض؟ وماذا حلّ بكل الشعارات قبل الانتخابات وخلالها؟ وهل سينعكس هذا التوافق على الاستحقاق الحكومي؟

شارك المقال