لماذا يستعجل البعض رحيل عباس؟

زاهر أبو حمدة

“الْوَيْلُ الثَّانِي مَضَى وَهُوَذَا الْوَيْلُ الثَّالِثُ يَأْتِي سَرِيعًا” (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 11: 14)

قال مسؤول لبناني كبير لوفد من حركة “حماس” عام 2005: “يا ويلكم بعد غياب ياسر عرفات عن المشهد”. كرر المسؤول الكلام نفسه لقائد حمساوي بارز حضر الى بيروت نهاية العام الماضي، مع استبدال اسم عرفات بمحمود عباس. ومع أن الحاضرين لم يسألوا عن كيفية هذا الويل بسبب رحيل الرئيس الفلسطيني، إلا أن أصحاب القرار في العادة يوجهون رسائل مشفرة ترتكز على معلومات أو استشراف من التجربة والخبرة.

وهنا الويل ليس في شخص السلف أو الخلف، إنما في الزمن السياسي والمتغيرات الدولية وتضارب المشاريع والخطط في الإقليم. ويمكن لتغيير رأس الهرم في هكذا ظروف أن يؤدي الى الاضطراب والارباك لا سيما إذا كان الخلف لا يملك كل أدوات التحكم والسيطرة. ولذلك يختلف الجمهور حول شخصية أبو مازن من دون النظر إلى السياق الدولي والإقليمي والمحلي. فالجمهور إن كان فرداً أو مجموعة يرى بعين واحدة حسب الرغبات والأمنيات والتوجهات. وعليه لن تجد رئيساً في أي مكان عليه إجماع شعبي وحزبي، وهذا حق لكل طرف أن يقول رأيه أو يحدد موقفه من شخصية عامة أو من برنامجه السياسي. لكن ما يحصل في المشهد الفلسطيني حالياً من شائعات حول وفاة عباس، تبثها جهات إعلامية وسياسية معروفة يعكس حقداً وليس نقداً أو رأياً مختلفاً، ويؤكد أن هناك فجوة كبيرة بين المقاطعة في رام الله والشارع الفلسطيني.

يستعجل البعض وفاة عباس، مهما كانت النتيجة بعده لا سيما وأن الأرضية تشي بانقسامات وخلافات كثيرة في السلم القيادي والميدان. ولكن هناك من يطمع بالمنصب ولا يهمه مهما كلف الأمر ذلك. ويملك قسم من المترقبين وفاة عباس، خطة لليوم التالي. لكن الغالبية لا تعرف ماذا تفعل خصوصاً بعض الأطراف الداخلية ودول إقليمية.

الموت هو الحقيقة المطلقة، وبكل تأكيد سيأتي موعد الوفاة. وبما أن عباس لم يحدد خطة انتقالية لما بعده يفتح باب التخمين والتآمر. ومن هنا تأتي الشائعات لجس النبض في مؤسسة الرئاسة عما يجري في الكواليس بعد تكليف حسين الشيخ مهام أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وما يحكى عن استبدال رئيس الوزراء محمد اشتية برئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى. ويبقى الأهم أن الشائعات الأخيرة تهدف إلى الضغط نفسياً ومعنوياً على عباس ممن يتمنون وفاته، وكأنهم يستعجلون الويل الأكبر وليس وفاة شخص مهما كانت قامته وقيمته. فما ينتظر القضية والشعب زيادة في الانقسام والتشرذم ويبقى الخوف من تحويل الخلاف إلى صراع مسلح.

شارك المقال