“فالج لا تعالج”

صلاح تقي الدين

كم من نكسة يجب أن تتعرّض لها القوى التي تطلق على نفسها لقب “التغييريين” داخل المجلس النيابي ليدرك أعضاؤها أن وصولهم إلى ساحة النجمة، ولأسباب مختلفة، يحتم عليهم التعاون مع جميع القوى السياسية الممثلة في البرلمان، لكي يتمكنوا من مناقشة برامج الاصلاح التي ينشدونها ووضع خطط التغيير التي وعدوا ناخبيهم بالعمل من أجل تطبيقها.

ففي جلسة انتخاب أعضاء اللجان الانتخابية، كرّت سبحة الترشيحات التي تقدم بها أعضاء هذه القوى إلى مختلف اللجان، فأًصيبوا بنكسة تلو الأخرى بحيث لم يتمكن سوى عدد زهيد منهم من الفوز بعضوية بعض اللجان، ولن يكون بمقدور أي منهم تبوؤ رئاسة أي منها، وذلك لعدم قدرتهم التصويتية على منافسة أي من مرشحي القوى “التقليدية” داخل هذه اللجان.

هذا الكلام ليس للانتقاص من كفاءة أي من النواب التغييريين، فمن بينهم من يستحق بحكم القدرات العلمية وبحكم التجربة التأثير على مسار أي من اللجان التي فاز بعضويتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن لأحد التكشيك بالقدرات العالية التي تتمتع بها النائبة عن دائرة الشوف – عاليه نجاة عون صليبا في مجال البيئة، وهي وإن تمكنت من الفوز بعضوية هذه اللجنة إلا أنها فازت وحدها ولن يمكنها منافسة نائب “القوات اللبنانية” عن دائرة البترون غياث يزبك الذي يترشح لرئاسة هذه اللجنة مدعوماً من باقي الكتل السياسية الممثلة فيها، وبالتالي لعل قراراً تتخذه للفوز بمنصب مقررة هذه اللجنة قد يضعها على المسار الصحيح للتأثير على قراراتها وإفادة باقي أعضائها من خبرتها.

ووفقاً لمصدر نيابي رفيع، فإن جميع القوى السياسية التي اقتنعت بكفاءة صليبا صوّتت لها للفوز بعضوية لجنة البيئة، الا أن المفارقة كانت بعدم تصويت زملائها التغييريين إلا لها، فهل الاستفراد وعدم التعاون دليل صحة أو طريق تغيير منشود؟

ويشير المصدر لـ “لبنان الكبير” الى أن هذه القوى التغييرية لا تريد التفاوض مع باقي الكتل النيابية، وهذا أمر ليس صحياً إذ إن التفاوض لا يعني إطلاقاً محاصصة، بل وسيلة لتجنب الدخول في “معارك” انتخابية تأخذ من وقت المجلس في حين أن المطلوب هو التخلي عن هذه العقلية الاستفرادية لاصلاح التعاون مع جميع النواب في كل اللجان من أجل السير بالعمل التشريعي بالسرعة المطلوبة وتحقيق الخطوات التشريعية المطلوبة بإلحاح من الداخل كما من المجتمع الدولي، الذي وضع المجلس النيابي وتحديداً النواب الجدد تحت المجهر لمراقبة عملهم والخطوات التي سيتخذونها من أجل البدء بالخطوات الانقاذية التي يحتاجها لبنان في أسرع وقت ممكن.

وربما يكون انصياع هؤلاء النواب التغييريين للواقع السائد قد سمح لتسعة نواب منهم بالفوز بعضوية لجان ليست بالأهمية نفسها للجان الرئيسة مثل المال والموازنة، الادارة والعدل، الخارجية والأشغال، بحيث لم يفز بعضويتها إلا النائب إبراهيم منيمنة في لجنة المال والوازنة التي كان يطمح “زميله” النائب مارك ضو الى رئاستها ففشل في الفوز بعضويتها.

وإذا كان بعض نواب التغيير فاز لأن ناخبي الدائرة التي ترشحوا إليها كانوا مأخوذين بشعار “كلن يعني كلن”، والبعض الآخر فاز لأن ناخبيه كانوا ينفّسون عما في داخلهم من غضب تجاه من أولوهم ثقتهم في الماضي ولم تكن في محلها، أو لأن بعضاً آخر فاز نتيجة تصويت “انتقامي” ضد فريق السلطة، إلا أن هؤلاء النواب يجب أن يفهموا أن “روما من فوق ليست مثل روما من تحت” وأن لا بديل لهم من التعاون والتفاوض مع باقي الكتل النيابية من أجل تشكيل مجموعة متكاملة من المشرّعين التي أمامها عمل كثير ينتظره منها اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم.

وفي آخر المعلومات أن “اللقاء الديموقراطي” سيفوز برئاسة لجنة الصحة النيابية بشخص النائب الدكتور بلال عبدالله ليحل مكان النائب السابق الدكتور عاصم عراجي، وبذلك لن يكون هناك أي خلل في اللون المذهبي لهذه اللجنة من حيث رئاستها، بحيث أن اللقاء اعتبر أن فوزه برئاسة هذه اللجنة وعدم إعطاء طائفة الموحدين الدروز رئاسة لجنة نيابية سيان من حيث التمثيل الشعبي والنيابي. فالتنوع المذهبي الذي يطغى على كتلة “اللقاء الديموقراطي” يساعدها على تجاوز أي إشكالية خصوصاً في مجال تشكيل اللجان ونسج التفاهمات انطلاقاً من قاعدة التعاون البنّاء مع جميع الكتل النيابية.

لكن يبدو وعلى قاعدة “فالج لا تعالج” أن كتلة النواب التغييريين المنقسمة على نفسها والرافضة للتعاون مع الكتل النيابية الأخرى على قاعدة لا محاصصة، تخلط الحابل بالنابل، فالتفاوض لا يعني محاصصة يعيد ويشدد المصدر النيابي الرفيع، ويؤكد أنه إذا لم تبد هذه القوى تعاوناً مع باقي نواب الأمة بمختلف انتماءاتهم السياسية، فإنها من دون أدنى شك ستصاب بخيبة تلو الأخرى، ولن تضر بنفسها فحسب، بل ستضر بالقاعدة الشعبية التي انتخبتها على أمل أن تتمكن من إحداث التغيير المنشود.

نكسة أولى كانت في عدم قدرة التغييريين على إيصال النائب غسان سكاف إلى نيابة رئاسة المجلس، والنكسة الثانية عدم قدرتهم على ترؤس أي من اللجان النيابية، فهل ستكون النكسة الثالثة في الاستشارات النيابية الملزمة التي يبدو أن التغييريين سيدخلونها كتلتين متفرقتين وغير متفقتين على اسم مرشح مشترك لرئاسة الحكومة؟ إن غداً لناظره قريب.

شارك المقال