ثورة بلا قيادة… الى أين؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لم يعد نشاط “مجموعات الثورة” على غروبات وسائل التواصل الاجتماعي كما كان عليه الحال قبيل الانتخابات النيابية، لا سيما وأن نتائج انتخابات اللجان جاءت مخيّبة للآمال ولم يستطع أحد منهم تفسير أن يأخذ مرشحون من نواب التغيير أصواتهم فقط، إضافة الى أن التحرك الذي حصل في الناقورة لحفظ حق لبنان بثروته النفطية البحرية بإعتماد الخط 29 للتفاوض مع اسرائيل، لاقى إنتقادات ليس على خلفية الهدف، وإنما على إصرار بعض المجموعات الحزبية لاسيما الشيوعيون على رفع أعلام حزبهم والأعلام الفلسطينية، وكأن هناك من يريد العودة الى الوراء بتجاهله أهمية تجمع اللبنانيين، الذين يريدون سيادة الوطن، تحت راية العلم اللبناني فقط لا غير.

ومن الملاحظ أن النقاشات حول تنظيم نشاطات لــ”الثوار” بغية الضغط على السلطة الفاسدة ومنظومة الحكم قد تراجع، وأن معظم التعليقات صارت تحت مسمّى “نواب التغيير”، فالبعض يحمّلهم مسؤولية كبيرة ويتوقع منهم تحقيق إنجازات سريعة وينتقد تصريحاتهم، فيما يحاول آخرون تبيان الواقع القائم ويدعون الى عدم الرهان على قدرتهم على تغيير سريع، بل على تراكم يحتاج الى سنوات، وهو أمر يعتبره البعض منهم مزعجاً وقاتلاً للثورة.

وعليه، يشدد “ثائرون” على أن التغيير لا يمكن أن يحدث إذا لم تشكل حكومة مستقلة من خارج المنظومة تملك صلاحيات استثنائية وتضم وزراء لديهم معرفة وجرأة على المواجهة، وهو أمر لن يحصل ما لم يتم التحرك على الأرض واندلاع إنتفاضة ثانية تفرض ذلك.

وحتى يحصل ذلك، يرى البعض أهمية أن يبقى هناك اتفاق وترابط بين نواب التغيير، وألا يتشاركوا مع أهل السلطة في أي موضوع كونهم يريدون قتل الدولة، وأن يقوموا بفضح القرارات التي تحمّل الناس عبء الأزمات، وأخيراً أن يهيئوا لحكومة بديلة فور إندلاع التحركات الشعبية نحو الانتفاضة الثانية.

ولا يبدو أن “تنظير” البعض يؤخذ على محمل الجد، فالصورة قاتمة كون التحركات الشعبية في الساحات والشوارع معدومة، وإن حصلت فهي ضعيفة ولا تؤتي ثمارها، وهذا ما يجعل “مجموعات الثورة” في أزمة كبيرة مع غياب قيادة لها وانعدام ثقة مجموعات بمجموعات أخرى، وبقاء حرب التخوين ودخول “المندسين والمتسلقين والأغبياء ما جعلها تقف حاجزاً بين الشعب وقيادة واعية للثورة”، بحسب تعبير أحد الناشطين.

وتكثر الدعوات الى ممارسة النقد الذاتي على أن تدرس الخطوات التي يجب أن يقوم بها “الثوار” على الأرض، فيما يعيد البعض فشل التحركات الى عودة “ثوار الساحات” الى أحزابهم السياسية والبعض منهم الى منازلهم، حتى أن أحد الناشطين شبّه بروباغندا “الثوار”، بما قام به وزير الاعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف أثناء الغزو الأميركي للعراق، عندما كان يظهر على شاشات التلفزة ويقول: “دمرنا العلوج والطراطير والأوغاد”، فيما كانت بغداد تسقط.

وبإعتبار هؤلاء الناشطين أن نتائج الانتخابات خير دليل على أن الشعب اللبناني لا تقنعه الخطابات “الثورية”، ولذا لا بد من تقويم الخطاب، وعدم تحميل “ثورة 17 تشرين” مسؤولية الإنهيار والأزمات المتلاحقة، بل تبيان ممارسات السلطة وصفقاتها التي أوصلت البلاد الى الجحيم.

ويذكر هؤلاء كيف أنه في العامين 2019 و2020 التزم فاسدو السلطة من وزراء ونواب منازلهم وكانوا يعدون العدة للرحيل، وبدأت تظهر مجموعات تفرغ الساحات وتدس الدسائس بين المشاركين، وتوجه الشباب نحو مجلس النواب مما أدى عملياً الى ضرب الثورة واستطاعت السلطة تعويم نفسها بل استفحلت في السرقة والفساد واستخدمت السلاح الطائفي، وخرقت صفوف “الثوار” بالانتهازيين، ولأنه لم يجر كشف وجوه هؤلاء وفضحهم والسكوت عنهم ضمرت الحركة الشعبية في الشارع.

ووفقاً لهذا الواقع، يعزو البعض عدم قيام قيادة للمجموعات وعدم تمكين الانتهازيين المتسلقين من التحكم بتنظيم التحركات ما تسبب بخسارة جمهور شعبي واسع فقد ثقته بـ “الثوار” لغياب ادارة موحدة تدير الانتفاضة وتحولها الى ثورة حقيقية. “لذا، من الضروري فتح صفحة جديدة اليوم وعدم ارتكاب الأخطاء ومجاملة بعضنا البعض على حساب إنقاذ الوطن. فالتزام بعض الثوار بالأفكار والرواسب الحزبية تسبب بمشكلة في التعاطي بين الجميع، ولم ترسخ الثورة ثقافة المواطنية، كما أن النقد الذاتي ضروري ولا يمكن اعتباره اهانة، ومن هنا لا بد من ثورة ثقافية – سياسية بعد أن انتهت ثورة الساحات، واذا كان الخطاب السياسي بناء وتنفيذه يجري بأسلوب ثوري راق فسيثمر”.

شارك المقال