خلاص الفلسطينيين من تقسيمهم

زاهر أبو حمدة

يتنافس طرفا الانقسام الفلسطيني، في تعميق تداعيات القمع وتوسيع رقع الاعتداءات على الحريات وحقوق الانسان. حدث في الذكرى الخامسة عشرة لتقسيم الشعب حزبياً وجغرافياً، أن المتنفذين في غزة حاولوا طرد أهالي قرية أم النصر بادعاء أنهم يقيمون على أراضٍ تتبع سلطة الأراضي المتحكمة بها “حماس”. تبعها اعتداء أمن جامعة النجاح في نابلس على طلاب وكادر أكاديمي. ومن ثم اعتقلت الشرطة في غزة رئيس جامعة فلسطين في القطاع لتعاود الافراج عنه. توثق الكاميرات مشاهد مؤلمة جداً، فالطرفان يتقنان طرق تثبيت فكرة تقليد المغلوب للغالب، فنقل أساليب الاحتلال لتنفيذها ضد أبناء الشعب وطبقاتهم المختلفة يؤكد أن هـَم الحزبين الحاكمين هو السلطة مهما كلف ذلك من أذى للقضية.

لم تنجح الوساطات الإقليمية والمحلية في انهاء الانقسام. فشلت “وثيقة الأسرى” وكذلك النقاط العشر المقدمة من حركة “الجهاد الإسلامي”، في ترتيب البيت الواحد. وهذا له سبب واحد أن الجناح المتحكم في “حماس” لا يريد ذلك، وكذلك “الجناح” المتنفذ في “فتح” لا يتمناه أيضاً، وهذا كله بسبب مصالح فئوية مالية وسياسية. والأهم أن الطرفين غير مقتنعين بالمشاركة الفعلية بعيداً عن الشعارات. واستغبى الجناحان الشعب بأن هناك خلافاً على المشروع الوطني واختلافاً في طرق المواجهة. والحقيقة تكمن في ولاءات شخصية وتقديم المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية. وهذا يشبه سيطرة مجموعة على شارع وجعلت الناس ترضخ بالقوة وأصبحت تجبي منهم “خوات” أسموها ضرائب، وطبعاً لن تقبل مشاركة أي مجموعة أخرى في تقاسم الغلة. ومن حسن حظ الشعب الفلسطيني أن فيه الشعراء والخطباء بوفرة، ويعرف الساسة اجتراح شعارات رنانة يخفون خلفها مشهداً أسود عموماً بكادر أحمر يمثل دماء أبرياء وعذاباتهم.

يبدو أن الانقسام الفلسطيني كان حتمياً بعد تحرير غزة عام 2005، لأن الشعوب حين تظن نفسها أنجزت ضد العدو تتحول تلقائياً الى اقتتال داخلي للاستحواذ على الغنائم ويمكن تبرير ذلك بشعارات سياسية الغائية. حصل ذلك بعد تقسيم السودان وانفصال جنوبه. كذلك مع كرد العراق ومناطق المعارضة السورية، جنوب اليمن، ثوار فيتنام، نيجيريا، ورواندا… الخ. تتصارع المشاريع ويحاول كل طرف فرض رؤيته، لذلك تبرز السلبيات أكثر إذا أخذت طابعاً عنفياً. أما في الحالة الفلسطينية فعلى الرغم من كل سلبيات الانقسام الا أنه تجربة مفيدة نتعلم منها درساً أبدياً: ألا نتقاتل بعد تحرير فلسطين. وحتى تتحرر كيف يمكن حل موضوع الانقسام والتقاسم من دون الاتفاق على إدارته؟ إذا لم يتغير موقف الحركتين أو أصحاب القرار فسيكون الانفجار قريباً جداً، لأن دائرة المعارضة الشعبية والسياسية تتوسع في غزة والضفة. وعلى الرغم من استمرار التشرذم والقبضة الأمنية طوال 15 عاماً سيأتي وقت ويتغير الحال. ربما لم يمر “الربيع العربي” في فلسطين، لأن الثورة الفعلية ضد الاحتلال، لكن مسألة الحريات العامة ستكون مفصلاً في التغيير الآتي لاحقاً. ولعل الحل ليس في الانتخابات لأن الديموقراطية في بلادنا تحتاج الى حرية التعبير في بادئ الأمر. وبالتالي الخلاص هو بثورة المعارضين من الطرفين والمستقلين.

شارك المقال