شهيب لـ “لبنان الكبير”: عون يسعى إلى التكليف ولا تأليف

صلاح تقي الدين

صحيح أن الدستور اللبناني لا يحدد مهلة زمنية أمام رئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة، إلا أن ما قام به الرئيس ميشال عون مراراً وتكراراً ويقوم به اليوم من تأخير متعمد على قاعدة “التأليف قبل التشكيل” بعدما حدد الثالث والعشرين من الجاري موعداً لهذه الاستشارات، هو بنظر بعض القوى السياسية مخالفة فاضحة للدستور تشي بوجود نيات ترتبط بتأمين مصالح الصهر الميمون النائب جبران باسيل أولاً وأخيراً.

وكشف عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب أكرم شهيب عن مخاوفه من هذا التأخير المتعمد، وطالب بتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن “رأفة بالشعب والوطن”، معرباً في الوقت نفسه عن اعتقاده بأن “التكليف سيحصل عاجلاً أم آجلاً إنما على قاعدة لا تشكيل”.

وأوضح شهيب في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن الموضوع الرئيس الذي تناوله مع رفيقه النائب وائل أبو فاعور لدى زيارتهما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب كان يتعلق بنتائج “المطبخ التشريعي التي لم تأت على النحو الذي نتمناه كقوى سيادية ومعارضة، وبحثنا في كيفية تعزيز التلاقي بين هذه القوى وتوحيد جهودها لمواجهة الهجمة الشرسة المتوقعة لفريق محور 8 آذار والتي ظهرت جلياً في نتائج انتخابات رئاسة المجلس وهيئة المكتب كما في نتائج رؤساء اللجان النيابية ومقرريها”.

وأكّد أن “من الطبيعي أن يتناول البحث أيضاً موضوع الحكومة العتيدة إن لناحية المواصفات المطلوبة لرئيسها، أو لناحية طريقة تشكيلها وتوزيع الحقائب على القوى السياسية”، رافضاً بشكل قاطع أن تؤول الحقائب الرئيسة التي كانت مع فريق “العهد القوي” إلى رموز جديدة – قديمة من هذا الفريق، “خاصة بعدما وصلنا إلى النتائج الكارثية التي وصلنا إليها نتيجة سياسات هذا الفريق”، ملمّحاً تحديداً إلى حقيبتي الخارجية والطاقة.

وإذ شدد شهيب على وجود اتصالات “مع جميع القوى التي نلتقي معها حول ملف السيادة والعلاقات العربية”، أشار الى أن الهدف من هذه الاتصالات “تحديد الموقف المناسب من تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة كي يكون هذا الموقف موحداً ولا نقع في المحظور الذي واجهناه في عملية انتخاب هيئة مكتب المجلس ورؤساء اللجان النيابية”.

وقال: “يجب على رئيس الحكومة العتيد أن يكون قادراً على التواصل مع البعد العربي الطبيعي للبنان ويحاول إعادة بناء ما هدّمته سياسة فريق العهد القوي من علاقات مع دول الخليج، وأن يكون قادراً على استكمال التواصل مع صندوق النقد الدولي من أجل تحقيق برنامج الاصلاحات المطلوب منه لكي يعود لبنان إلى سكة التعافي المنشود”.

واعتبر شهيب أن تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة العتيدة هي الأقرب إلى الواقع، لكنه رأى في المقابل أن من غير المرجح أن ينجح ميقاتي في تشكيل حكومة في ظل المطالب والشروط التي يضعها في وجهه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، مبدياً اعتقاده أن “موقف ميقاتي غير المهادن لباسيل سيوصل في نهاية الأمر إلى تأخير في تشكيل الحكومة إن لم نقل استحالة ذلك”.

وكان عدد من النواب السنة عقدوا اجتماعاً أعلنوا فيه رغبتهم في أن يستمر “من بدأ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في متابعة هذه المهمة في الحكومة العتيدة، وأن ميقاتي هو مرشحنا لرئاستها”، في موقف يسهّل أمام ميقاتي مهمة الحصول على الغالبية في الاستشارات الملزمة إذا أضيف إلى هؤلاء نواب “الثنائي الشيعي” و”المردة” و”الطاشناق” وعدد كبير من المستقلين.

كما أعلن “التيار الوطني الحر” عقب اجتماعه امس قراره عدم تسمية ميقاتي وأي شخصية سنية أخرى لرئاسة الحكومة العتيدة، ما يجعل فريقاً كبيراً من المسيحيين معارضاً لميقاتي إذا استمرت “القوات اللبنانية” في معارضتها العلنية لعودة ميقاتي.

وحول هذا الموقف، أشار شهيّب إلى أن “القوات اللبنانية لن تسمّي ميقاتي لكنها لن تعارضه إذا نجح في تشكيل حكومة غير خاصعة لشروط جبران باسيل”.

لكن يبقى السؤال الكبير، هل سيستمر ميقاتي في موقفه بعدم مهادنة باسيل أو الخضوع لابتزازه وشروطه؟ وهل سيطول هذا الموقف حتى نهاية العهد القوي في 31 تشرين الأول المقبل؟ سؤال دفع بعض المحللين السياسيين إلى التساؤل عما إذا كان الرئيس عون يخبئ “أرنباً” قد يسحبه في اللحظات الأخيرة من عهده؟

السؤال يعيد إلى الأذهان التجربة المريرة التي مرّ بها لبنان عند نهاية عهد الرئيس السابق أمين الجميل الذي فاجأ الجميع ليلة 23 أيلول 1988 بتسمية قائد الجيش آنذاك ميشال عون لرئاسة حكومة انتقالية مهمتها إجراء الانتخابات الرئاسية، فهل سيكون “أرنب” عون خطوة مشابهة لتسمية شخصية مارونية لرئاسة حكومة انتقالية؟ علماً أن دستور ما قبل الطائف كان يسمح لرئيس الجمهورية القيام بما قام به الجميل، في حين أن دستور الطائف لا يتيح له هذه الخطوة، وبالتالي تبقى حكومة تصريف الأعمال برئاسة ميقاتي هي المولجة القيام بالمهمات الرئاسية وفق ما قاله الوزير السابق زياد بارود وعدد كبير من الحقوقيين الدستوريين في حال دخل البلد في فراغ رئاسي.

لكن مع دولة “العهد القوي” والمستشارين الرئاسيين الذين يفسرون الدستور على هواهم، كل شيء ممكن خاصة وأن الدستور بالنسبة إليهم أضحى وجهة نظر.

شارك المقال